ابتسام الكتبي تقرأ «السياسات المنفردة لقطر»: الدوحة نشرت الفوضى.. وحمد تحركه عقدتان
الاثنين / 09 / ربيع الأول / 1439 هـ الاثنين 27 نوفمبر 2017 02:02
«عكاظ» (جدة) okaz_online@
اتهمت رئيسة مركز الإمارات للسياسات الدكتورة ابتسام الكتبي، النظام القطري بتبني سياسات متناقضة مع توجهات المنظومة الخليجية، طيلة العقدين الماضيين، مؤكدة أن حمد بن خليفة آل ثاني منذ وصوله إلى الحكم، إثر انقلابه على والده عام 1995، اتّجه ببلاده، انطلاقاً من عقدتَي صغر الدولة والخوف من الآخرين، والطموح الشخصي، إلى لعب دور إقليمي يفوق قدرات «الدولة الصغيرة».
وأوضحت أن جذور الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو الماضي، بين قطر من جهة والدول الأربع ممثلة في السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، تمتد إلى «السياسات القطرية المنفردة القائمة منذ عام 1995»، وهي السياسات التي تعبّر في جوهرها عن «معضلة الدور وأزمة البقاء» لدى الدوحة.
واعتبرت خلال تقديمها كتابا يسلط الضوء على الأزمة مع قطر بعنوان «السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية»، نشره المركز أخيرا، أن تلك السياسات أسهمت في نشر الفوضى في المنطقة، وتهديد الاستقرار والأمن الداخلي لدول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم «الفاعلين ما دون الدولة»، بما فيها الميليشيات المسلحة، مبيّنةً أن دول الخليج ليست الوحيدة التي تأذّت من السياسات القطرية بل أيضاً دول عربية عدة.
ضحية أوهامها منذ 95
وكان الكتاب قد خلص إلى أنه لا يتوقع نهاية لأزمة الدول الأربع مع قطر، ما لم تُحل «معضلة الدور» لدى قطر؛ وهي التي أنتجت سياساتها المنفردة والعدائية ضد الدول الخليجية والعربية.
وبدأ الكتاب باستعراض خلفيات الأزمة مع قطر، ثم يُلقي الضوء على أسباب قرار مقاطعة قطر من منظور الدول الأربع، ويتناول السياقات الإقليمية والدولية للأزمة، ويناقش نتائج قرار مقاطعة قطر وخيارات طرفَي الأزمة، وفي الأخير يحاول أن يستقرئ سيناريوهات الأزمة وتداعيات كلِّ سيناريو منها.
وفي ما يتعلق بخلفية الأزمة أشار الكتاب إلى أن الدوحة منذ عام 1995 وقعت ضحيةَ أوهامِها وهواجسها وتصوراتها لدورها وقدراتها المالية، فأقامت دورَها الإقليمي وسياستها الخارجية على كلِّ ما يُعاكس التوجهات العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصالح دوله.
ويؤكد الكتاب أن الخلاف بين قطر والدول الأربع المقاطِعة ليس خلافاً في وجهات النظر السياسية، بل هو يتعلق بوجود الدول؛ إذ عملت قطر على استهداف أمن بعض دول المنطقة والتدخل في شؤون دول أخرى؛ كدعم المعارضة السعودية في لندن واستقطاب مواطنين سعوديين، ومساندة المجموعات المعارضة في البحرين، ودعم الجماعات المسلحة في سورية، والحوثيين في شمال اليمن، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها، فضلاً عن أن قطر شذت عن السياسة الخليجية تجاه إيران، فأقامت علاقات خاصة بها، ومع أن هذا شأن سيادي إلا أنه يبدو غير ذلك حين يصبح مُهدِدَاً لمصالح «مجلس التعاون»، وهو المنظمة التي تنتمي إليها قطر، التي من المطلوب منها أنْ ترفض تدخلَ إيران في شؤون دول «مجلس التعاون» الداخلية أو تهديد أمنها واستقرارها.
لا علاقة للتدخل أو السيادة
ومن هنا، يوضح الكتاب أن القضية مع قطر لا تتعلق بالسيادة أو سعي الدول الأربع إلى التدخل في شؤونها الداخلية أو التأثير في سياساتها الخارجية، كما تزعم الدوحة، ويدلل على هذا بالقول إن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ نشأتها احترمت خصوصيات بعض دولها في علاقاتها الإقليمية والدولية، كدولة الكويت ما قبل الغزو العراقي وسلطنة عُمان، إلا أن قطر تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والتقاليد السياسية، وانتهكت ميثاق «مجلس التعاون»، بتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنظومة واستهداف أمنها الداخلي ونسيجها الاجتماعي.
السياقات الإقليمية والدولية للأزمة
واستعرض الكتاب السياقات الإقليمية والدولية للأزمة، مشيراً إلى أن هذه الأزمة تختلف عن سابقتيها في عامي 2013 و2014 في أنها ليست دبلوماسية أو سياسية فقط؛ وأنها تتجاوز البعد المحلي إلى الإقليمي والدولي؛ وأن قطر تواجه أربع دول معاً لأول مرة؛ ما يعني أن قطر لا تستطيع أن تمارس دورها الإقليمي في ظل قرار المقاطعة والعزل لهذه الدول.
ولم يفت الكتاب أن يشير إلى أن قرار مقاطعة قطر جاء في سياق التطور الذي شهده النظام الإقليمي الخليجي بعد أحداث «الربيع العربي» عام 2011، المتمثل في تراجع دور القوى الكبرى في ضبط طبيعة التفاعلات داخل الإقليم، وتنامي دور قوى الإقليم نفسها في حماية أمنها من التهديدات الداخلية والخارجية، وبروز السعودية كقوة فاعلة في الخليج والمنطقة العربية.
وقد ربط كثير من المحللين تفجر الأزمة الأخيرة بمخرجات «القمة العربية الإسلامية الأمريكية لمكافحة الإرهاب» التي عقدت في الرياض في نهاية مايو 2017، التي عبّرت عن أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترمب، مكافحة التطرف والإرهاب، وتحميل هذه المسؤولية لدول المنطقة، والتخلي عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما القائمة على التواصل مع حركات الإسلام السياسي ودعم وصولها إلى الحكم؛ ما يعني تراجع أهمية الدور الذي كانت تلعبه قطر كوسيط بين هذه الحركات والإدارة الأمريكية السابقة، وبصرف النظر عما إذا كان هذا التحليل دقيقاً أو لا، فإنه في كل الأحوال، يبدو أن الدول الأربع المقاطِعة نفد صبرها تجاه سياسات الدوحة، وتهربها من الالتزامات والاتفاقيات السابقة.
الخيارات والنتائج
يوضح الكتاب أن الدول الأربع أدركت أن اللعبة مع قطر وصلت إلى منتهاها، وأنه لا بدّ من حلول جذرية للمشكلة مع قطر دون الوقوع مرة أخرى في فخ السياسة القطرية المعتادة على الالتفاف على الالتزامات والتعهدات.
واستعرض الكتاب خيارات «الرباعي العربي» في الأزمة، موضحاً أنها تتفاوت بين قبول الدخول في حوار مع قطر، لكن على قاعدة إعلان الدوحة التزامها المبادئ الستة التي صدرت عن اجتماع وزراء خارجية الرباعي العربي في القاهرة في الخامس من يوليو الماضي، وأن الحوار هو فقط لبحث سبل تطبيق هذه المبادئ وآلياته.
والخيار الثاني هو الاستمرار في عزل قطر عبر الضغط السياسي والإعلامي، في حال بقاء الموقف القطري على حاله؛ ما سيؤثّر في المصالح القطرية مع جيرانها ومع الدول العربية، وكذلك مع المجتمع الدولي. وقد يشمل هذا الخيار في نهاية المطاف إخراج قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو تجميد عضويتها فيه.
أما الخيار الثالث فهو تصعيد الضغط الداخلي على نظام الدوحة، من خلال استقطاب المعارضة القطرية، ودعم أي محاولة لتغيير النظام من الداخل.
إلا أن الكتاب استبعد بالمطلق الخيار العسكري.
كما ناقش الكتاب خيارات قطر، التي تشمل إما إظهار رفض مطالب «الرباعي العربي» وفي الوقت نفسه الدخول في مفاوضات مباشرة سريّة معه للتوصل إلى مقايضة تقضي بأن تقبل الدوحة جزءاً من المطالب الـ13، ولا سيّما تلك التي تتصل بأمن هذه الدول (كوقف دعم المعارضة والتحريض الإعلامي من كل المنصات التابعة لها)، مقابل أن تُوقف هذه الدول إجراءات المقاطعة. والخيار الثاني هو الاستمرار على الموقف المتعنت نفسه، برفض المطالب الـ13 جملةً وتفصيلاً، مع متابعة السياسات العدائية ضد الدول الأربع، سواء في الخطاب الإعلامي، أو في التحريض على هذه الدول في العواصم الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية. وهي ضمن هذا الخيار تراهن على تحمّل تداعيات المقاطعة، وعلى احتمالية كسب الموقف الأمريكي لمصلحتها، بحيث تقوم واشنطن بالضغط على الدول الأربع لإنهاء المقاطعة والدخول في حوار مع الدوحة.
أما الخيار الثالث فهو الدخول في تحالف ثلاثي مع إيران وتركيا، ويرتبط هذا الخيار بإقصاء قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية (بأي شكل من الأشكال)، واتخاذ الولايات المتحدة قراراً بنقل قاعدة العُديد من قطر، إلا أنها تدرك أنها ضمن هذا التحالف لن تكون نداً لهاتين القوتين الإقليميتين، وستكون تابعةً لهما بالمطلق.
ثم تعرّض الكتاب بالتقييم للنتائج التي تحققت حتى الآن من حملة المقاطعة لقطر، ومن أهمها استشعار الأخيرة للأزمة، بعد أن كانت هي التي تخلق أزمات وقلاقل للدول الأخرى، وتسليط الأضواء عليها إقليمياً ودولياً بوصفها سبباً للمشاكل في المنطقة، وداعماً ومموّلاً للتطرف والإرهاب، إضافة إلى تراجع دورها في دعم الإرهاب وتمويله بسبب انشغالها بالأزمة.
ومع ذلك، لم يفت الكتاب التعرض إلى الانعكاسات السلبية لإطالة أمد الأزمة على طرفي الأزمة كليهما، والتي من أهمها: إصابة منظومة «مجلس التعاون» بالجمود، واستمرار الأزمة قد يهدد بقاء هذه المنظومة، ولا سيّما أن التهديد هذه المرة يأتي من داخلها وليس من خارجها.
ومن جهة ثانية، لم تبقَ الأزمة في حدود العلاقات بين الأنظمة، وضمن الأطر السياسية والدبلوماسية، إنما تعدّت ذلك لتؤثر سلبياً في العلاقات بين شعوب المنطقة ولتمس النسيج الاجتماعي الخليجي؛ وهذا أمر غير مسبوق وستكون له تداعيات خطيرة على التوافق السيكولوجي والاجتماعي بين المجتمعات الخليجية.
التوقُّعات والسيناريوهات
سعى الكتاب إلى استشراف الأزمة وتحولاتها المستقبلية، من خلال تناول خيارات كل طرف من طرفيها، وتأثيرات الأطراف الإقليمية والدولية.
استبعد الكتاب أن تتجه الأزمة إلى التدويل، وخصوصا في ظل تعبير جميع الأطراف الدولية عن مواقفها الداعمة للوساطة الكويتية، ومع ذلك لم يستبعد دور التدخل الدولي في تفعيل الوساطة الكويتية أو تسهيل عُقَدها. ورجّح الكتاب أن تستمر الأزمة لأنها ترى أن جميع اللاعبين في الأزمة ما زالوا على طرفي نقيض تقريباً، فالدول الأربع المقاطِعة لا تزال تتمسك بموقفها الداعي إلى قبول قطر الكامل بمطالبها، في حين أن قطر لا تزال تصرّ على اتخاذ موقف متعنت، بل إنها اتجهت إلى التصعيد من خلا تسعير حملتها الإعلامية ضد الدول المقاطِعة، والسعي نحو مزيد من الدعم والاحتماء بتركيا، والانفتاح على إيران، كما حصل أخيراً حين أعادت السفير القطري إلى طهران.
وأخيراً، ناقش الكتاب السيناريوهات الممكنة للأزمة، ووضعها في ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول.. سيناريو الحل الذي يفترض موافقة قطر في نهاية المطاف على مطالب الدول المقاطِعة. إلا أن هذا سيناريو مُستبعد على الأقل في المدى القصير؛ لعدم وجود أي مؤشرات إليه.
والسيناريو الثاني هو التجميد؛ وذلك ببقاء الأزمة في وضعها الراهن، من خلال استمرار المقاطعة على قطر لكن من دون فرض مزيد من التصعيد أو الضغوط أو العقوبات. ويبدو أن هذا السيناريو هو الراجح، في ظل عدم استجابة قطر، وتكيّفها مع ظروف المقاطَعة، وقبول «الرباعي العربي» حالة القطيعة الطويلة الأمد مع الدوحة، وهو ما تؤكده –مثلاً- تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، التي تفيد أن الأزمة قد تستمر سنوات. ويدعم السيناريو أيضاً السياق الإقليمي والدولي الداعي إلى تسوية الأزمة والداعم للوساطة الكويتية، والعامل الأمريكي المعارض للتصعيد وفرض المزيد من العقوبات.
أما السيناريو الثالث والأخير فهو التصعيد، وذلك بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على قطر، من خلال التوجه إلى المنظمات الدولية، والتوسع في دعم المعارضة القطرية، ومحاولة زعزعة الجبهة الداخلية عبر استقطاب قبائل وقيادات عسكرية وسياسيين داخل قطر. وهذا سيناريو مُحتمل في ظل تأكُّد الدول المقاطعة من إخفاق محاولات الوساطة الكويتية والدولية، واستمرار قطر في سياساتها الداعمة للإرهاب والجماعات ما دون الدولة، وتطويرها علاقات تحالف بإيران.
أخيراً، بالرغم من دخول الأزمة مع قطر شهرها السادس، فقد بقيت تراوح مكانها، فلم تنجح الوساطة الكويتية، بقيادة الشيخ صباح الأحمد الصباح، في حلحلة مواقف طرفَي الأزمة، كما أخفقت في ذلك زيارات المسؤولين الأوروبيين (من فرنسا وألمانيا وبريطانيا) والأمريكيّين إلى المنطقة (وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، فضلاً عن المبعوثَين الخاصَّين الجنرال المتقاعد أنتوني زيني ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى تيم ليندر كينغ)؛ الأمر الذي أدخل الأزمة في نفق مظلم، وجعل احتمالات إطالة أمدها هي الأرجح.
وأوضحت أن جذور الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو الماضي، بين قطر من جهة والدول الأربع ممثلة في السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، تمتد إلى «السياسات القطرية المنفردة القائمة منذ عام 1995»، وهي السياسات التي تعبّر في جوهرها عن «معضلة الدور وأزمة البقاء» لدى الدوحة.
واعتبرت خلال تقديمها كتابا يسلط الضوء على الأزمة مع قطر بعنوان «السياسات المنفردة: تقييم المخاطر السياسية للطموحات القطرية»، نشره المركز أخيرا، أن تلك السياسات أسهمت في نشر الفوضى في المنطقة، وتهديد الاستقرار والأمن الداخلي لدول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم «الفاعلين ما دون الدولة»، بما فيها الميليشيات المسلحة، مبيّنةً أن دول الخليج ليست الوحيدة التي تأذّت من السياسات القطرية بل أيضاً دول عربية عدة.
ضحية أوهامها منذ 95
وكان الكتاب قد خلص إلى أنه لا يتوقع نهاية لأزمة الدول الأربع مع قطر، ما لم تُحل «معضلة الدور» لدى قطر؛ وهي التي أنتجت سياساتها المنفردة والعدائية ضد الدول الخليجية والعربية.
وبدأ الكتاب باستعراض خلفيات الأزمة مع قطر، ثم يُلقي الضوء على أسباب قرار مقاطعة قطر من منظور الدول الأربع، ويتناول السياقات الإقليمية والدولية للأزمة، ويناقش نتائج قرار مقاطعة قطر وخيارات طرفَي الأزمة، وفي الأخير يحاول أن يستقرئ سيناريوهات الأزمة وتداعيات كلِّ سيناريو منها.
وفي ما يتعلق بخلفية الأزمة أشار الكتاب إلى أن الدوحة منذ عام 1995 وقعت ضحيةَ أوهامِها وهواجسها وتصوراتها لدورها وقدراتها المالية، فأقامت دورَها الإقليمي وسياستها الخارجية على كلِّ ما يُعاكس التوجهات العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ومصالح دوله.
ويؤكد الكتاب أن الخلاف بين قطر والدول الأربع المقاطِعة ليس خلافاً في وجهات النظر السياسية، بل هو يتعلق بوجود الدول؛ إذ عملت قطر على استهداف أمن بعض دول المنطقة والتدخل في شؤون دول أخرى؛ كدعم المعارضة السعودية في لندن واستقطاب مواطنين سعوديين، ومساندة المجموعات المعارضة في البحرين، ودعم الجماعات المسلحة في سورية، والحوثيين في شمال اليمن، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها، فضلاً عن أن قطر شذت عن السياسة الخليجية تجاه إيران، فأقامت علاقات خاصة بها، ومع أن هذا شأن سيادي إلا أنه يبدو غير ذلك حين يصبح مُهدِدَاً لمصالح «مجلس التعاون»، وهو المنظمة التي تنتمي إليها قطر، التي من المطلوب منها أنْ ترفض تدخلَ إيران في شؤون دول «مجلس التعاون» الداخلية أو تهديد أمنها واستقرارها.
لا علاقة للتدخل أو السيادة
ومن هنا، يوضح الكتاب أن القضية مع قطر لا تتعلق بالسيادة أو سعي الدول الأربع إلى التدخل في شؤونها الداخلية أو التأثير في سياساتها الخارجية، كما تزعم الدوحة، ويدلل على هذا بالقول إن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ نشأتها احترمت خصوصيات بعض دولها في علاقاتها الإقليمية والدولية، كدولة الكويت ما قبل الغزو العراقي وسلطنة عُمان، إلا أن قطر تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والتقاليد السياسية، وانتهكت ميثاق «مجلس التعاون»، بتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنظومة واستهداف أمنها الداخلي ونسيجها الاجتماعي.
السياقات الإقليمية والدولية للأزمة
واستعرض الكتاب السياقات الإقليمية والدولية للأزمة، مشيراً إلى أن هذه الأزمة تختلف عن سابقتيها في عامي 2013 و2014 في أنها ليست دبلوماسية أو سياسية فقط؛ وأنها تتجاوز البعد المحلي إلى الإقليمي والدولي؛ وأن قطر تواجه أربع دول معاً لأول مرة؛ ما يعني أن قطر لا تستطيع أن تمارس دورها الإقليمي في ظل قرار المقاطعة والعزل لهذه الدول.
ولم يفت الكتاب أن يشير إلى أن قرار مقاطعة قطر جاء في سياق التطور الذي شهده النظام الإقليمي الخليجي بعد أحداث «الربيع العربي» عام 2011، المتمثل في تراجع دور القوى الكبرى في ضبط طبيعة التفاعلات داخل الإقليم، وتنامي دور قوى الإقليم نفسها في حماية أمنها من التهديدات الداخلية والخارجية، وبروز السعودية كقوة فاعلة في الخليج والمنطقة العربية.
وقد ربط كثير من المحللين تفجر الأزمة الأخيرة بمخرجات «القمة العربية الإسلامية الأمريكية لمكافحة الإرهاب» التي عقدت في الرياض في نهاية مايو 2017، التي عبّرت عن أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترمب، مكافحة التطرف والإرهاب، وتحميل هذه المسؤولية لدول المنطقة، والتخلي عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما القائمة على التواصل مع حركات الإسلام السياسي ودعم وصولها إلى الحكم؛ ما يعني تراجع أهمية الدور الذي كانت تلعبه قطر كوسيط بين هذه الحركات والإدارة الأمريكية السابقة، وبصرف النظر عما إذا كان هذا التحليل دقيقاً أو لا، فإنه في كل الأحوال، يبدو أن الدول الأربع المقاطِعة نفد صبرها تجاه سياسات الدوحة، وتهربها من الالتزامات والاتفاقيات السابقة.
الخيارات والنتائج
يوضح الكتاب أن الدول الأربع أدركت أن اللعبة مع قطر وصلت إلى منتهاها، وأنه لا بدّ من حلول جذرية للمشكلة مع قطر دون الوقوع مرة أخرى في فخ السياسة القطرية المعتادة على الالتفاف على الالتزامات والتعهدات.
واستعرض الكتاب خيارات «الرباعي العربي» في الأزمة، موضحاً أنها تتفاوت بين قبول الدخول في حوار مع قطر، لكن على قاعدة إعلان الدوحة التزامها المبادئ الستة التي صدرت عن اجتماع وزراء خارجية الرباعي العربي في القاهرة في الخامس من يوليو الماضي، وأن الحوار هو فقط لبحث سبل تطبيق هذه المبادئ وآلياته.
والخيار الثاني هو الاستمرار في عزل قطر عبر الضغط السياسي والإعلامي، في حال بقاء الموقف القطري على حاله؛ ما سيؤثّر في المصالح القطرية مع جيرانها ومع الدول العربية، وكذلك مع المجتمع الدولي. وقد يشمل هذا الخيار في نهاية المطاف إخراج قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو تجميد عضويتها فيه.
أما الخيار الثالث فهو تصعيد الضغط الداخلي على نظام الدوحة، من خلال استقطاب المعارضة القطرية، ودعم أي محاولة لتغيير النظام من الداخل.
إلا أن الكتاب استبعد بالمطلق الخيار العسكري.
كما ناقش الكتاب خيارات قطر، التي تشمل إما إظهار رفض مطالب «الرباعي العربي» وفي الوقت نفسه الدخول في مفاوضات مباشرة سريّة معه للتوصل إلى مقايضة تقضي بأن تقبل الدوحة جزءاً من المطالب الـ13، ولا سيّما تلك التي تتصل بأمن هذه الدول (كوقف دعم المعارضة والتحريض الإعلامي من كل المنصات التابعة لها)، مقابل أن تُوقف هذه الدول إجراءات المقاطعة. والخيار الثاني هو الاستمرار على الموقف المتعنت نفسه، برفض المطالب الـ13 جملةً وتفصيلاً، مع متابعة السياسات العدائية ضد الدول الأربع، سواء في الخطاب الإعلامي، أو في التحريض على هذه الدول في العواصم الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية. وهي ضمن هذا الخيار تراهن على تحمّل تداعيات المقاطعة، وعلى احتمالية كسب الموقف الأمريكي لمصلحتها، بحيث تقوم واشنطن بالضغط على الدول الأربع لإنهاء المقاطعة والدخول في حوار مع الدوحة.
أما الخيار الثالث فهو الدخول في تحالف ثلاثي مع إيران وتركيا، ويرتبط هذا الخيار بإقصاء قطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية (بأي شكل من الأشكال)، واتخاذ الولايات المتحدة قراراً بنقل قاعدة العُديد من قطر، إلا أنها تدرك أنها ضمن هذا التحالف لن تكون نداً لهاتين القوتين الإقليميتين، وستكون تابعةً لهما بالمطلق.
ثم تعرّض الكتاب بالتقييم للنتائج التي تحققت حتى الآن من حملة المقاطعة لقطر، ومن أهمها استشعار الأخيرة للأزمة، بعد أن كانت هي التي تخلق أزمات وقلاقل للدول الأخرى، وتسليط الأضواء عليها إقليمياً ودولياً بوصفها سبباً للمشاكل في المنطقة، وداعماً ومموّلاً للتطرف والإرهاب، إضافة إلى تراجع دورها في دعم الإرهاب وتمويله بسبب انشغالها بالأزمة.
ومع ذلك، لم يفت الكتاب التعرض إلى الانعكاسات السلبية لإطالة أمد الأزمة على طرفي الأزمة كليهما، والتي من أهمها: إصابة منظومة «مجلس التعاون» بالجمود، واستمرار الأزمة قد يهدد بقاء هذه المنظومة، ولا سيّما أن التهديد هذه المرة يأتي من داخلها وليس من خارجها.
ومن جهة ثانية، لم تبقَ الأزمة في حدود العلاقات بين الأنظمة، وضمن الأطر السياسية والدبلوماسية، إنما تعدّت ذلك لتؤثر سلبياً في العلاقات بين شعوب المنطقة ولتمس النسيج الاجتماعي الخليجي؛ وهذا أمر غير مسبوق وستكون له تداعيات خطيرة على التوافق السيكولوجي والاجتماعي بين المجتمعات الخليجية.
التوقُّعات والسيناريوهات
سعى الكتاب إلى استشراف الأزمة وتحولاتها المستقبلية، من خلال تناول خيارات كل طرف من طرفيها، وتأثيرات الأطراف الإقليمية والدولية.
استبعد الكتاب أن تتجه الأزمة إلى التدويل، وخصوصا في ظل تعبير جميع الأطراف الدولية عن مواقفها الداعمة للوساطة الكويتية، ومع ذلك لم يستبعد دور التدخل الدولي في تفعيل الوساطة الكويتية أو تسهيل عُقَدها. ورجّح الكتاب أن تستمر الأزمة لأنها ترى أن جميع اللاعبين في الأزمة ما زالوا على طرفي نقيض تقريباً، فالدول الأربع المقاطِعة لا تزال تتمسك بموقفها الداعي إلى قبول قطر الكامل بمطالبها، في حين أن قطر لا تزال تصرّ على اتخاذ موقف متعنت، بل إنها اتجهت إلى التصعيد من خلا تسعير حملتها الإعلامية ضد الدول المقاطِعة، والسعي نحو مزيد من الدعم والاحتماء بتركيا، والانفتاح على إيران، كما حصل أخيراً حين أعادت السفير القطري إلى طهران.
وأخيراً، ناقش الكتاب السيناريوهات الممكنة للأزمة، ووضعها في ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول.. سيناريو الحل الذي يفترض موافقة قطر في نهاية المطاف على مطالب الدول المقاطِعة. إلا أن هذا سيناريو مُستبعد على الأقل في المدى القصير؛ لعدم وجود أي مؤشرات إليه.
والسيناريو الثاني هو التجميد؛ وذلك ببقاء الأزمة في وضعها الراهن، من خلال استمرار المقاطعة على قطر لكن من دون فرض مزيد من التصعيد أو الضغوط أو العقوبات. ويبدو أن هذا السيناريو هو الراجح، في ظل عدم استجابة قطر، وتكيّفها مع ظروف المقاطَعة، وقبول «الرباعي العربي» حالة القطيعة الطويلة الأمد مع الدوحة، وهو ما تؤكده –مثلاً- تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، التي تفيد أن الأزمة قد تستمر سنوات. ويدعم السيناريو أيضاً السياق الإقليمي والدولي الداعي إلى تسوية الأزمة والداعم للوساطة الكويتية، والعامل الأمريكي المعارض للتصعيد وفرض المزيد من العقوبات.
أما السيناريو الثالث والأخير فهو التصعيد، وذلك بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على قطر، من خلال التوجه إلى المنظمات الدولية، والتوسع في دعم المعارضة القطرية، ومحاولة زعزعة الجبهة الداخلية عبر استقطاب قبائل وقيادات عسكرية وسياسيين داخل قطر. وهذا سيناريو مُحتمل في ظل تأكُّد الدول المقاطعة من إخفاق محاولات الوساطة الكويتية والدولية، واستمرار قطر في سياساتها الداعمة للإرهاب والجماعات ما دون الدولة، وتطويرها علاقات تحالف بإيران.
أخيراً، بالرغم من دخول الأزمة مع قطر شهرها السادس، فقد بقيت تراوح مكانها، فلم تنجح الوساطة الكويتية، بقيادة الشيخ صباح الأحمد الصباح، في حلحلة مواقف طرفَي الأزمة، كما أخفقت في ذلك زيارات المسؤولين الأوروبيين (من فرنسا وألمانيا وبريطانيا) والأمريكيّين إلى المنطقة (وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، فضلاً عن المبعوثَين الخاصَّين الجنرال المتقاعد أنتوني زيني ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى تيم ليندر كينغ)؛ الأمر الذي أدخل الأزمة في نفق مظلم، وجعل احتمالات إطالة أمدها هي الأرجح.