«عكاظ» تكشف تورط مئات الأكاديميين السـعوديين في نشر أبحاثهم عبر OMICS
محكمة أمريكية توقف منظمة مزيفة للنشر العلمي «المخادع» يقودها هندي من حيدر آباد
الخميس / 12 / ربيع الأول / 1439 هـ الخميس 30 نوفمبر 2017 02:28
تحقيق: خالد عباس طاشكندي
أصدرت محكمة فيدرالية أمريكية أخيراً حكما قضائياً ضد شركة هندية متهمة بنشر أبحاث وعقد مؤتمرات علمية مضللة ومخادعة وبلا معايير موثوقة من أجل الربح المالي، وأمرت بوقف «الممارسات الخادعة» التي تقود إلى الاعتقاد بأن دورياتها العلمية الإلكترونية تحتوي على أبحاث مشروعة، إذ أعلنت لجنة التجارة الاتحادية الأمريكية (FTC) أنها حصلت على أمر قضائي أولي في سبتمبر الماضي عن دعوى قضائية مرفوعة ضد سرينوبابو جيديلا، الرئيس التنفيذي لمجموعة «أوميكس» (OMICS) التي تدار من حيدر آباد بالهند، وتقوم بنشر البحوث العلمية غير الموثوقة من خلال أكثر من 700 دورية علمية إلكترونية مزيفة لنشر الأبحاث العلمية في شتى التخصصات العلمية مقابل رسوم باهظة وتحكيم صوري وغير دقيق ولا يتوافق مع المعايير الأكاديمية للمجلات والدوريات العلمية المعتمدة والمعروفة على مستوى العالم، وجاء قرار المحكمة الأخير ليؤكد صحة الاتهامات المتداولة في المجتمع الأكاديمي وكبار الباحثين حول العالم الذين أشاروا منذ سنوات بأن «أوميكس» مؤسسة زائفة تتحايل على الباحثين من أجل المال، في حين كشفت «عكاظ» أن هناك أعداداً هائلة من الباحثين في الجامعات السعودية ينشرون أبحاثهم العلمية عبر «أوميكس» حتى العام الحالي وفي شتى التخصصات العلمية بما في ذلك تخصصات حساسة في مجالات الطب والهندسة، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت الجامعات الوطنية تعتمد احتساب نقاط هذه الأبحاث في الترقيات العلمية أم لا؟
وقد اتهمت الدعوى التي رفعت في أغسطس 2016 ضد جيديلا ومجموعة «أوميكس»، وسلسلة المؤتمرات العلمية التي تسوق لها، بالقيام بممارسات تجارية خادعة تتعلق بنشر البحوث والمؤتمرات العلمية لإضفاء المصداقية على أوراق بحث وهمية ومليئة بالأخطاء المطبعية وعدم الدقة، كما زعمت لجنة التجارة الاتحادية في الولايات المتحدة (FTC) أن المدعى عليهم استخدموا أسماء باحثين بارزين لجذب المشاركين في مؤتمرات تدعي أنها علمية، على الرغم من أن الباحثين لم يوافقوا على المشاركة، وأنها تضلل القراء حول ما إذا كانت المقالات العلمية المنشورة قد تم مراجعتها فعليا من قبل باحثين متخصصين، وفشلت في تزويد المؤلفين بمعلومات شفافة عن رسوم النشر قبل تقديمها، وعرضت «عوامل تأثير» (Impact factors) مضللة عن المجلات.
وفي 29 سبتمبر، كتبت القاضية غلوريا نافارو، من المحكمة المحلية في مقاطعة نيفادا، أن الأدلة التي قدمتها لجنة التجارة الاتحادية «كافية لدعم الاستنتاج الأولي بأن المدعى عليهم قدموا تحريفات وتزييفا بشأن نشر دورياتهم ومؤتمراتهم» وأمرت المحكمة الشركة الهندية «أوميكس» (OMICS) المتهمة بنشر أبحاث غير معتمدة وفقا لمعايير وأسس النشر العلمي من أجل الربح بوقف هذه «الممارسات الخادعة»، وأمرتها بإزالة جميع الادعاءات المضللة من مواقعها على شبكة الإنترنت والتي تتضمن عرض أسماء العلماء البارزين الذين لم يوافقوا مطلقا على الانضمام إلى مجالس تحرير مجلاتها، مؤكدة أن الأبحاث لا تتم مراجعتها والتدقيق فيها، كما أنه وفقاً للحكم القضائي، يحظر على المدعى عليهم أن يمثلوا زورا أن مجلاتهم تنخرط في مراجعة وتدقيق مسبق، وأن مجلاتهم مدرجة في أي خدمة فهرسة دورية أكاديمية، أو تتبع أي قياس معتمد في الاستشهاد بمجلاتهم.
القصة من البداية
** جدير بالذكر أن الباحثين في الجامعات السعودية بحاجة إلى 4 نقاط للحصول على الترقية من «أستاذ مساعد » إلى «مشارك»، و6 نقاط من «أستاذ مشارك» إلى «بروفيسور».
«أم القرى» تؤكد تدقيقها في الدوريات العلمية
كان وكيل جامعة أم القرى للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور ثامر الحربي، هو الوحيد بين وكلاء الجامعات للبحث العلمي الذي لم يمانع من التجاوب مباشرة مع تساؤلات «عكاظ»، مؤكداً أن جامعة أم القرى تدقق في مدى مصداقية وجودة الدوريات العلمية التي ينشر فيها الأكاديميون من منسوبي الجامعة أبحاثهم فيها، مشيراً إلى أن الجامعة لديها معايير محددة في ما يخص اشتراطات النشر العلمي وآليات احتساب النقاط.
وحول ما إذا كان هناك أساتذة حصلوا على ترقيات وظيفية بناء على أبحاث منشورة في مجلات «أوميكس»، أفاد الدكتور الحربي بأنه لا يستحضر الاسم على وجه التحديد، ولكنه أكد على عدم قبول أي محتوى ينشر في الدوريات العلمية إلا بعد تفحصها والتأكد من أنها تستوفي المعايير.
وقال إن مشاركة باحثين من جامعة أم القرى في هذه الدوريات والمؤتمرات العلمية لا يعني أنهم حصلوا على موافقة من الجامعة، وقد تكون مشاركة فردية من هؤلاء الباحثين.
تجدر الإشارة، إلى أن «عكاظ» حاولت التواصل مع عدد كبير من وكلاء الجامعات للبحث العلمي في الجامعات السعودية، إلا أن البعض تهرب من الإجابة بحجة الانشغال في اجتماعات، والبعض الآخر لم يتجاوب، في حين أرسلت لهم جميعاً رسائل نصية ولم يستجب أحد.
«أوميكس» متخصصة في اصطياد العرب
قال الدكتور نايف المنتشري، الباحث في جامعة هارفارد الأمريكية، وهو أحد الباحثين الذين عملوا في مجال مراجعة وتحكيم البحوث في عدة مجلات علمية أمريكية، أن OMICS تعتبر من دور النشر الجديدة والمعروفة في المجتمع الأكاديمي بأنها شركة هدفها الكسب بالاحتيال عن طريق تنظيم المؤتمرات ونشر الأبحاث غير المحكمة واستهداف الباحثين المغمورين أو المبتدئين، وقامت إحدى المحاكم في الولايات المتحدة بإصدار حكم قضائي ضد OMICS بسبب تحايلها واستخدام أسماء علماء مشهورين للترويج لها ووضع أسمائهم في مجلاتها ومؤتمراتها دون علمهم، وكذلك التحايل على الباحثين لدفع أموال لنشر أبحاثهم الركيكة أو المشبوهة.
وأوضح المنتشري لـ «عكاظ» أن هذه المجموعة تقوم بإغراء الباحثين وبالذات العرب عن طريق التواصل معهم وإغرائهم بنشر أبحاثهم بدون مراجعة علمية حقيقية، وفي نفس الوقت تقوم بدعوتهم للانضمام لمجلسها التحريري، مؤكداً بأنه يجب أن تكون عالماً حقيقياً ولديك نتاجك العلمي الغزير لتكون محرراً في المجالات العلمية المحترمة، وهذا الشيء لا ينظر له من قبل هذه المجلات التابعة لـ «أوميكس».
وأشار إلى أن هذه الشركة تواصلت معه عندما كان لا يزال طالباً في مرحلة الدراسات العليا، وطلبوا منه نشر مراجعة علمية في إحدى مجلاتهم، وفي ذات الوقت طلبوا منه الانضمام كمحرر لتلك المجلة وهي واحدة من عشرات المجلات الوهمية التي يمتلكونها، مضيفاً، بأنهم كذلك يطلبون منك نشر بحث أو المشاركة في مؤتمر ليس في مجال تخصصك العلمي.
«الرويلي» يتفاعل وجامعة الملك سعود ترد
تفاعلت جامعة الملك سعود مع قضية التحايل العلمي من مجموعة OMICS، رداً على تغريدات نشرها عضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور موافق الرويلي، والدكتور نايف المنتشري الباحث في جامعة هارفارد، حول الأمر القضائي الصادر ضد OMICS والذي يلزمها عن التوقف عن ممارسات الاحتيال والتزييف التي تنتهجها من أجل كسب المال بطرق غير مشروعة، وقالت الجامعة عبر الحساب الرسمي لعمادة شؤون أعضاء هيئة التدريس في موقع «تويتر» «لقد وضعناها مسبقا في قائمة المحظورات على أعضاء هيئة التدريس في الجامعة».
وردت الجامعة على ما ذكره الدكتور الرويلي، حول مشاركة أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود في مؤتمر علمي نظمته OMICS، موضحة بأن الجامعة تحظر على أعضاء هيئة التدريس المشاركة في مثل هذه المؤتمرات وأن لديها قائمة بذلك يتم تحديثها دورياً، مشيرة إلى أن هذا المشارك قد يكون باجتهاد شخصي منه أو أنه حضر المؤتمر على حسابه الخاص.
ولكن يجدر الذكر، أنه وفقاً للمعلومات التي توصلت إليها «عكاظ» فإنه يوجد أكثر من 300 باحث من جامعة الملك سعود قاموا بنشر 143 بحثاً عبر الدوريات التابعة لمجموعة OMICS،إضافة إلى مشاركة 12 أستاذا جامعياً في مؤتمرات علمية نظمتها المجموعة ذاتها.
الفرق بين البحث الحقيقي وأبحاث OMICS
وصف الدكتور نايف خلف الحربي الباحث في مجال الفيروسات وتطوير اللقاحات بمركز الملك عبدالله للأبحاث الطبية، دوريات OMICS بأنها عبارة عن مجموعة «انتهازية» تسعى للربح المالي أكثر من سعيها للنشر العلمي الموثق، مبيناً أن الفرق بين البحث العلمي الحقيقي وما تقوم به هذه المجموعة، يتضح لنا من خلال إجراءات النشر العلمي لديها، ففي أغلب المجلات العلمية مثل «نيتشر» و«ساينس» وغيرها من المجلات العلمية المعروفة، تكون عملية النشر محكمة وموثقة من قبل خبراء أكاديميين متخصصين في نفس المجال الذي طرحه الباحث، وتتم قراءة البحث وتدقيقه ونقده وإيضاح الإيجابيات والسلبيات ومكامن الخلل العلمي، سواء في إعداد الدراسة أو التحليل الإحصائي أو في عرض النتائج والبيانات، إضافة إلى تدقيق اللغة وتركيبة الكتابة العلمية، وهذا ما يسمى بالتحكيم الأكاديمي (Peer review process)، أما بالنسبة إلى OMICS فهي تدعي ذلك، ولكنه ادعاء شكلي وليس فعليا، لأن عملية التحكيم الطبيعية والمعتادة تستغرق شهرا أو شهرين على أقل تقدير بينما عملية التحكيم في OMICS تتم بسرعة عالية جداً في خلال أيام قليلة، كما أنهم لا يدققون في اختيار الأعضاء المحكمين وقد يكونون محدودي الخبرة وفي بداية عملهم المهني، كما أن غرض المحكم أيضاً الربح المالي السريع، وبالتالي يكون التحكيم شكلياً، وبالتدقيق في الفواتير التي يدفعها الباحث الذي يريد النشر في OMICS، نجد أنها فواتير خيالية وتكلفتها مبالغ فيها جدا، وهذا يدل أن هذه الجهة هدفها الحصول على أرباح مالية.
ويرى الدكتور الحربي أن السبب الرئيسي الذي يدفع بعض الأكاديميين السعوديين تجاه نشر أبحاثهم عبر مجموعة OMICS، هو حاجة بعض الأكاديميين الملحة للنشر العلمي، موضحاً بأن السلم المهني للأكاديمي في الجامعات السعودية ينبني على النشر العلمي وليس على البحث العلمي، وأيضاً نظام الترقية في وزارة التعليم والمطبق في جميع الجامعات السعودية هو نظام مبني على النقاط، ويتم الحصول عليها من خلال النشر العلمي، وتزداد النقاط في حال النشر المنفرد للبحث بدون باحثين مشاركين (Single author)، وهذا الأمر يدفع الباحث للسعي نحو نشر أكبر قدر من الأبحاث بهدف الترقية بغض النظر عن مدى جودة البحث، ولذلك يقعون في فخ مجموعة «أوميكس»، وهو فخ جذاب جدا لأن النشر يتم في مدة وجيزة ولا يتعرض لعراقيل من قبل المحكمين، في حين أنه في حالة التحكيم الطبيعي كما هو متعارف عليه في المجلات العلمية المعروفة، من الممكن أن يطلب المحكم إعادة جزء من الدراسة وقد يطلب تجارب أخرى لم يقم بها الباحث، وقد يستغرق التعديل ستة أشهر في العديد من الحالات، ولذلك لا يبالي بعض الباحثين في دفع مبالغ باهظة تصل إلى 3 آلاف دولار من أجل النشر السريع في تلك المجموعة، وهذا هو السبب الوجيه لبعض السعوديين الذين يلجؤون للنشر لدى «أوميكس».
الأسباب والدوافع من وجهة نظر أكاديمية
قدم الدكتور ملفي الرشيدي «عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل» تحليلا وافياً حول أبرز الأسباب التي تدفع بعض الباحثين في الجامعات السعودية القيام بنشر الأبحاث العلمية في دوريات غير موثوقة، وقال في تصريحات لـ «عكاظ»، أن مشاركة الباحثين السعوديين في نشر أبحاثهم عبر دوريات OMICS أو معابر النشر الأخرى التي يدور حول موثوقيتها ومصداقيتها العلمية لغط كبير، قد لا يختلف عن الأسباب الموجودة لدى باحثي دول العالم الثالث أو قلة من باحثي العالم الأول، ولعل من أبرزها:
1- عدم وجود معايير صارمة في ما يتعلق بمنافذ النشر المقبولة، خصوصا في الأبحاث غير المدعومة مالياً والتي تتحول لاحقا لنقاط للترقية
2- عدم وجود ما يسمى بالتلمذة Mentoring والتي هي مهمة جدا للباحثين صغار السن والذين قد يقعون ضحية للكم الهائل من الدعايات البريدية
3- مرتبط بطرق الخداع المتقدمة التي تُمارسها بعض من دور النشر هذه، والتي قد لا يستطيع الباحث الجديد اكتشافها إلا بعد دخوله في هذا المعترك، وكثير منها لا يتم اكتشافه بسهولة
4- قلة المؤتمرات العلمية المحلية المحكمة علميا التي تُعقد لدينا بإشراف الجامعات، كذلك قلة المجلات العلمية المحكمة مقارنة بالزيادة المضطردة بأعداد الباحثين لدينا ومتطلبات النشر العلمي
5- عدم استخدام أدوات أو شبكات التواصل المهني بشكل فعال مثل «لينكد إن»، إذ بالإمكان التواصل مع باحثين معروفين، وبالتالي زيادة الوعي والجودة البحثية.