ثقافة وفن

«أحمد يقول اسم الرجاجيل واحد».. تفحص «معادن الرجال»

قراءة: علي الرباعي Al_ARobai@

لم يكن الشاعر أحمد بن عطية الغامدي فيلسوفاً، ولا منظّراً ولا مفكراً، إلا أن تجربة الحياة العريضة أكسبته حكمة وخبرة، وبحكم ما تعرض له من مواقف، وما مرّ به من صعوبات بلغت به حد الهجرة إلى بلدان عربية، حتى استقر به المقام في عمّان الأردن، ليلتحق بالجيش العربي وينافح عن عروبة القدس بكل بسالة، إلى أن نال الشهادة على أرض فلسطين التي دفن بها، إلا أن معارفه ورفاقه تناقلوا قصائده المحدودة عدداً والغزيرة في معانيها ومنها قصيدته «أحمد يقول اسم الرجاجيل واحد»: التي يذهب فيها إلى أن تفاوت الرجال ليس بأموالهم ولا ملابسهم وإنما بعقولهم «الاسم واحد والعقول اطوار».

ومما يدل على سعة اطلاعه، توظيفه للحديث النبوي «الناس معادن...» في قصيدته، فيقول «الاسم واحد والمعاني كثيرة، مثل المعادن في يد البيطار».

ويعلي الشاعر من شأن نفسه، إذ إنه ذو نظر ثاقب في معرفة الرجال، فيبدأ التوصيف بحسب مقاسه ومعاييره الشخصية، «من له نظر ثاقب يميز طبوعهم، ويعرف نوادرهم ولا يحتار، فيهم كما الفضة، وفيهم جواهر، وفيهم تنك يبرق على الفخار».

ولم يغب عن ذهن شاعرنا أن الصمت حكمة، وأن الثرثرة لا تأتي بخير، كون الثرثار يهرف بما لا يعرف، كما يقرر أن أقدار الرجال ليست بأحجامهم:

فيهم كثير الهرج من دون معنى

وسط المجالس واحد ثرثار

وفيهم كما الفولاذ لو قل زوله

وزنه كبير يرجح المقدار

وفي صورة حيوية مستوحاة من الطبيعة، يشبّه البعض بعود شجرة العشر سريعة الكسر، خصوصاً من وقع به حسن الظن في التعويل عليهم إلا أنه سرعان ما يخيب الظن وتنجلي الصورة عن كائن هش:

وفيهم كما عود العُشر حين صبوته

لو تمسكه بيدك يروح كسار

فكّر ترى عود العشر ما يجي عصا

أيضاً ولا يشقى به النجار.

ولا تبرم ابن عطية في نسبة الفضل لأهله، إذ إن البشر ليسوا سواء، والمعارف والأصدقاء يتفاوتون جودة وهزالاً:

وفيهم ذهب ابريز يفرج لصاحبه

لو تخزنه طول الدهر ما بار

وبما أن شاعرنا كما قال الروائي الكولومبي ماركيز «عاشها ورواها» وفي ظل ما عرف وخبر من البشر لم يفوّت ثقال الدم من تناوله:

وفيهم ثقيل الدم عله لصاحبه

مكار واعماله بدون عيار

غصباً يجيب الضيق بينك وبينه

ليته لزلات الخوي صبار

تجنّبه قدام ما تبتلي به

إن كنت عاقل تدرك الأخبار

ولم ينس أهل الفضل:

الرجل الاول عالم تقتدي به

سلك طريق السادة الأبرار

شيخ حليم يتبع العلم بالعمل

وعلى رحابه تكثر الزوار

ورجال فكاك النشب ساعة الطلب

ما يقبل الرشوة ولا يندار

ويختم إلياذته الشهيرة والذائعة بقوله:

ذولا الرجال اللي بدينا بوصفهم

فيهم ردي ومهزّله واخيار