ثقافة وفن

خمائل يستحقُّها الوهج!

إبراهيم حلُّوش *

في مواقع التّواصل الاجتماعي ينسج بعض المبدعين والمبدعات دهشتهم كما تنسج الشّمس حرير دهشتها كلّ صباحٍ، تضوعُ أبجديّاتُهم بياسمين اللّغةِ وتعبقُ في كلّ مكانٍ نابضٍ بالبوح الآسر، يتهادى الزّمان على إيقاع أقلامهم المعسجدة باللّغة المُكْتَظَّة بالبديع المموسقة بالبيان المُشْتَهى كغيثٍ ينسكبُ على الأرض فتتنفّس الحياةُ هواءَها وحياتها منه، وتخضلّ الأرضُ من رؤاه ومن تقاسيم موسيقاه الفارهة التي تنعش الكائنات وتؤنسن الجمادات وتبعث في روح الزّوايا أملًا وارفًا وافرَ الظِّلالِ مُمْتَدًّا إلى شجر السّماءِ الذي تزيّنه عناقيد الضّياء المُخمليّة، من هؤلاء المبدعين والمبدعات - وتحديدًا - في «تويتر» تُطلُّ علينا قاصَّةٌ مُتوهِّجةٌ مُتوَّجةٌ بالألقِ في مسيرتها الزّاهيةِ وبرغم أنّها مبتعدةٌ عن نشر رؤاها وحروفها في الصّحف إلا أنّها تمنح «تويتر» كلّ صباحٍ ومساءٍ ماءَ بوحِها العذبِ، تكتب القصّةَ بروحِ الشّاعرة المرهفةِ التي تسكنها وأجزم أنّها لو أطلقتْها لملأت سماءَ الشِّعْرِ غناءً لا تذبل أغصانُهُ ولا تخبو ملامحُ النُّورِ في جنباتِهِ الرّاقصةِ، اطّلعتُ ذاتَ تأمُّلٍ على تجرِبتِها المضيئةِ فذهلتُ مرّتين!، لحظة الذّهول الأولى كانت عبارةً عن سؤالٍ أربكني؛ كيف لمثل هذا الإبداع أن يغيبَ عن مشهدنا الثّقافيّ؟!، واللّحظةُ الثّانيةُ الأشدُّ إذهالًا؛ لماذا تكتفي بتويتر ولا تنشرُ عطورَ كلماتها في الصّحف والمجلّات والملحقات الثّقافيّة؟!.

لا أريدُ أن أَغرقَ في دوّامة الأسئلةِ حتَّى لا أُغرِقَكم وأغرَقَ معكم في ذات العُمقِ،

ما أردتُ قولهُ هو أنّ علينا أن نبحثَ عن الإبداع أينما يمّمْنا وأن نوليه اهتمامنا ونسلّطَ عليه لو بعضَ ضوءٍ يسيرٍ يمنحه الوهج والدّيمومة والانتشار الحقيق بكلّ مبدعٍ جديرٍ بالضّوءِ وبكلّ حرفٍ مُدهِشٍ خُلقَ للحياةِ وخَلَقَ من صهيلهِ شموخًا لا يهترئ، يجب علينا أن لا تمرّ بعض الأصوات الإبداعيّة مرور الكرام من بين أيدينا وأعيننا ومثلما نحتفي بتجارِبِ الروّاد يجب علينا أن نحتفيَ كذلك بالطّيوفِ الشّابّة الذين قلت عن بعضهم ذات أمسيةٍ بنادي جازان الأدبيّ: هؤلاءِ الذين ترونهم ويراهم الزّمنُ شبابًا هُمْ كبارٌ في زمنِ الدّهشةِ!..

وقبل أنْ أدلفَ إلى كتب مبدعتنا الثّلاثة التي نشرتْها في أوقاتٍ متفرِّقةٍ سأقول: بأنّ قاصّتنا تمنّتْ أنْ تمتلكَ جناحينِ من نورٍ كي ترفرفَ بعيدًا عبر سماواتها الموشَّاةِ بالنّقاءِ وتسافرَ بنا معها إلى أبعد مَدى، واسمحوا لي الآن أن أعودَ إلى الحديث الموجز عن إصداراتها الثّلاثة المتتالية ففي إصدارها الأوّل اختزلتْ بعضَ عُمرها في برقيَّةٍ خضراءَ يزفُّها حَمامُ السَّلامِ عن دار ميلاد، وفي كتابها الثَّاني الصّادرِ عن دار الانتشار عبَّرَتْ عن احتياجها لرشفاتٍ من موارد الأملِ حتَّى وإن كانت تلك الرّشفات ظامئةً!، وزيَّنَتْ كتابَها الثّالثَ بروحِ أبيها الذي كان حُلمه أن يراها تعتلي منصّاتِ الإبداعِ لتوقِّعَ في حضرتِهِ بسملاتِها وليباركَ لحظاتِ بهجتِها ولكنّهُ رحلَ قبلَ انهمارِ شلّالِ نورِهِ على المكانِ والزّمانِ فاهتزَّ عرشُ قلبِها ليهطلَ بعد ذلك نبضُها سَحًّا غدَقًا في كتابها الجديد «واهتزّ عرش قلبي» الصّادرِ عن دار تشْكيل.. وما بين قبره وقلمها كانت روحُه تتألّقُ على رأسها وتهطل كما قالتْ وما زالت تقول.. الكتابةُ عن المؤتلقينَ والمؤتلقاتِ تحتاجُ إلى حالةٍ ذهنيَّةٍ صافيةٍ غير مرتبكةٍ كالّتي تعتمرني الآن. وأخيرًا ؛ أباركُ لقاصَّتِنا المبدعة رباب محمّد انثيالَ كتابها النّابضِ بالوفاءِ لأبيها، وهل يُوجَدُ وفاءٌ كهذا؟.. أتركُ لكم وللقارئ الكريم فُرصةَ الإجابةِ..

والجدير بالذّكر أنّ أمير الشّعراء الجديد الحاصل على بردة الشِّعْر الشَّاعر المتفتِّق بوحًا وروحًا - إياد الحكمي - سبق وأهدى 100 قصيدة لأمّه ذات حُبٍّ وحنينٍ في ديوانٍ مزخرفٍ بالبَياض..

ألتقيكم على خيرٍ وإبداعٍ ونورٍ في رحلةٍ أخرى أسلِّطُ فيها ضوئي الضّئيل على بعضِ الخمائلِ الّتي تستحقّ أن نكتبَ عن بعض تفاصيل تراتيلها وتراتيل تفاصيلها.

* شاعر سعودي