كتاب ومقالات

حظر الانتشار النووي.. الارتباط القاتل!

صدقة يحيى فاضل

بعد فترة قصيرة من تطوير تقنية استغلال القوة النووية للأغراض الحربية، وتمكن الإنسان من التحكم في عملية الانشطار النووي، استطاع العلماء أن يوجدوا طرقا وأساليب لاستخدام القوة النووية للأغراض السلمية. فبعد الاستخدام العسكري الناجح لهذه الطاقة، اتضحت إمكانية استخدام تلك القوة من أجل البناء والرفاه البشري، وليس من أجل القتل والتدمير. وأصبحت القوة النووية مصدرا للطاقة، وغيره من الاستخدامات السلمية العديدة، ومن مظاهر رفاه الحاضر وأمل المستقبل، أدى كل ذلك إلى تزايد الاهتمام بالطاقة النووية بشقيها، وانتشار المعرفة والتقنية والمنشآت النووية في معظم أرجاء العالم المعاصر، ومنها الآن المنطقة العربية، ومنطقة الخليج العربي تحديدا.

إن الارتباط الوثيق بين منشآت الطاقة النووية، ومشاريع صناعة أسلحة نووية هو ارتباط عضوي وثيق و«مقلق» جدا للأطراف والدول التي يهمها استتباب الأمن والسلم الدوليين، وتخشى الحروب النووية، وهو أكبر ما يحد من التوسع في هذه الاستخدامات، إن كلا من المشاريع النووية السلمية والمشاريع النووية العسكرية يعتمد (تقريبا) على نفس المنشآت، ونفس التقنية، يتم الحصول على الطاقة النوية من المفاعلات النووية المصممة خصيصا لتوليد الكهرباء، ولكن تلك المفاعلات تنتج أيضا مادة «البلوتونيوم»... وهي عنصر أساسي لصناعة الأسلحة النووية تنتجه المفاعلات النووية كـ«فضلات» نتيجة تشغيلها.

ويمكن صناعة أسلحة (قنابل) نووية بسهولة إذا توفر البلوتونيوم هذا بالقدر المناسب، ومن ناحية أخرى، فإن نفس مادة الوقود التي تستعمل غالبا لتشغيل المفاعلات النووية (اليورانيوم 235) يمكن تحويلها لإنتاج قنابل نووية، مع وجوب اغناء اليورانيوم 235 إلى 80% على الأقل، لرفع درجة تخصيبه من 4 أو 5% (وهى درجة التخصيب الأدنى عند استعمال ذلك النوع من اليورانيوم كوقود للمفاعلات النووية).

***

وباختصار، معروف أن هناك تقنيا طريقتين لصنع متفجرات نووية هما:

(1) طريق اليورانيوم: حيث تصنع القنبلة النووية من اليورانيوم عالي الخصوبة (U – 235). توجد في اليورانيوم الطبيعي (U-238) نسبة ضئيلة جداً من اليورانيوم ( U-235 ) تقدر بـ0,7% فقط، وبذلك، لا بد من عملية «إخصاب» تتم على اليورانيوم الطبيعي لرفع نسبة محتوياته من اليورانيوم - 235 ( U-235 ) إلى درجة 80% على الأقل، حتى يمكن استخدام المستحضر الجديد في صنع القنابل، وهذه العملية تستلزم إقامة منشآت تخصيب بالغة التكلفة والتعقيد.

(2) طريق البلوتونيوم: يتم استخلاص معدن «البلوتونيوم (– 239» Pu – 239) من الوقود المستهلك للمفاعلات النووية العادية، فهذا المعدن بالذات لا يوجد في الطبيعة... ويكون «البلوتونيوم» المستخرج بهذه الطريقة جاهزا لاستخدامه (مباشرة) في صنع القنابل النووية.

***

لقد أصبحت المعلومات والتقنية النووية اللازمة لاستغلال القوة النووية للاستخدامات السلمية، وأيضا العسكرية، متوفرة بشكل واسع، وذلك يمكن أن يؤدي لانتشار السلاح النووي (Nuclear Proliferation) الذي يشكل خطرا فادحا على السلام والأمن الدوليين. فتلك مشكلة بالغة الخطورة، يشار إليها بـ«مشكلة ان» (Nth Problem)، أو «الورطة النووية»، ووجود هذه الإشكالية أدى إلى وجود المحاولات الدولية الحثيثة لرصد أي نشاط نووي خارج إطار الدول الكبرى، ومنعه وعرقلته.

فمن أشد ما يخشاه المجتمع الدولي هو انتشار التقنية النووية، ومن ثم انتشار السلاح النووي في عدد متزايد من الدول، وأكثر ما يخشاه هذا المجتمع الآن هو امتلاك جماعات إرهابية أسلحة نووية، حتى ولو في هيئة قنابل نووية بدائية، أي غير مكتملة الصنع، يشار إليها بـ«القنابل القذرة»، فوقوع هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل في يد إرهابيين أشرار سيعني إيقاع كوارث بشرية هائلة، من هنا بدأت المحاولات الدولية لحظر انتشار السلاح النووي، عبر حظر تداول المعلومات والمنشآت والمواد والتقنيات النووية الخطيرة. وتعود محاولات نزع التسلح النووي إلى عام 1946، غير أن أهم الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، حتى الآن، هي «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية» (NPT)، التي بادر بطرحها كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا في العام 1968، وهي الاتفاقية التي تحرم على الدول غير النووية عندئذ امتلاك سلاح نووي، ولكنها تتيح الاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت رقابة دولية مشددة من «وكالة الطاقة الذرية الدولية» (IAEA)، وقد وقعت معظم دول العالم هذه الاتفاقية، وصادقت عليها.

***

في إطار مكافحة الانتشار النووي، وعد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بإعطاء موضوع حظر التسلح النووي أهمية قصوى خلال فترة رئاسته، التي شهدت الكثير من التحركات في هذا الصدد، ومن ذلك: عقد قمم الأمن النووي، مرة كل سنتين، والتي تهدف إلى: توسيع نطاق الأمن النووي، باعتباره أهم أنواع الأمن، وتشديد الرقابة على النشاط النووي في العالم ككل، علما بأن هذه المؤتمرات تتجاهل دائما - تحت ضغوط من واشنطن - النشاط النووي الإرهابي للكيان الصهيوني الإجرامي، حيث عقدت هذه القمم أربعة اجتماعات حتى الآن. عقدت الأولى منها في واشنطن عام 2010، والثانية في سيول 2012، والثالثة في لاهاي 2014، وعقدت في واشنطن 2016 القمة الرابعة.

ومن المنتظر أن تعقد القمة الخامسة عام 2018، ويبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي «دونالد ترمب» مهتم أيضا بهذه المسألة، وإن كان معظم اهتمامه منصبا على التنمية النووية في إيران. إضافة إلى كوريا الشمالية، التي أضحت دولة نووية كاملة. ولهذا الحديث صلة.