كتاب ومقالات

وماذا بعد الهياج والولولة ؟

على خفيف

محمد أحمد الحساني

هاجت الأمة وماجت إثر قيام الرئيس الأمريكي ترمب بإعلان قراره بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الصهيونية، وأمره لوزارة الخارجية الأمريكية باتخاذ الإجراءات لنقل سفارة بلده إلى القدس.

والمتأمل لهذا الموقف العاطفي الجياش يدرك تمام الإدراك أنه موقف ظل يردد في الساحات والمنابر منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، فكلما استبيحت مقدسات هذه المدينة المباركة من قبل الصهاينة احتدمت المشاعر وانطلقت الألسنة وارتفعت المنابر، وصدرت البيانات المتضمنة للشجب والتنديد والاستنكار، ثم لا يكون من وراء ذلك أي طائل، فلم تزل المدينة المقدسة أسيرة ولم يزل مسجدها الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام مستباحاً ليل نهار أمام أنظار جميع دول العالم وشعوبه بمن فيهم شعوب العالم الإسلامي، فما الجديد في الأمر، وهل استطاعت كل المظاهرات والاحتجاجات والاستنكارات والخطب الرنانة والمؤتمرات الطنانة أن تحرر شبراً من الأرض المقدسة السليبة، وهل كان المحتجون والمولولون يظنون أن احتجاجاتهم سوف تثني الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في عهد ترمب أو في عهد غيره من الرؤساء، عن دعم الكيان الصهيوني؟ وهل أعلنت واشنطن في أي يوم من الأيام نيتها التخلي عن «حليفتها إسرائيل»؟ وهل كان لإسرائيل مثل هذه القوة والوجود والطغيان لولا المساندة الأمريكية الداعمة لها في كل المحافل على مدى عشرات السنوات، وأنها ظلت تنشر حمايتها لها وترفع يدها البتراء بالفيتو لكي لا يصدر قرار تنديد ضد ما ترتكبه من مجازر يكون ضحيتها الفلسطينيون من نساء وأطفال ومسنين وشبان، إضافة إلى دعم الاستيطان الصهيوني الذي كان هدفه ابتلاع كل مدن فلسطين وفق نظرية القضم على مراحل، كل ذلك وما هو أشد فعلتهُ واشنطن لصالح ربيبتها إسرائيل، فهل ننتظر منها غير هذه المواقف المدعمة للكيان الغاصب، وما هو العمل الفعال الذي قامت به الأمتان العربية والإسلامية من أجل تحرير المسجد الأقصى، الذي ارتبط في كتاب الله العظيم بمعجزة الإسراء وبالمسجد الحرام «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله» الآية.

لقد وقعت القدس ومسجدها المبارك وما حوله من مقدسات في الأسر الصليبي لما يزيد عن 70 عاماً، فلم تتحرر يومها بالخطب الرنانة والكلمات الشنانة، وإنما تحررت على رجال مؤمنين قادهم البطل المسلم صلاح الدين رحمه الله، فطهرها من رجسهم وأعادها إلى أحضان الدولة الإسلامية، ولو اكتفى يومها بالكلام والشجب والتنديد والشكوى للأمم الأخرى لما حرر أرضاً ولما حمى عرضاً ولما كتب الله له هذا الشرف والخلود. وأختم هذه السطور بهذا البيت من الشعر الذي نظمه الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، حاثاً فيه الأمة على استعادة مقدساتها بالقوة، حيث قال:

إنما ضُيع في ساح الوغى

في سوى ساحاتها لا يتمرد.