كتاب ومقالات

عملة لا ورقية ولا نقدية

عين الشمس

عبدالعزيز معتوق حسنين

ظهرت للأسف الشديد اليوم عملة مختلفة للتداول بين الناس في المجتمع، بمختلف شرائحه، ليست ورقية، أو نقدية، وهي الكذب، قال إبراهام لنكولن: تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت أو بعض الناس كل وقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، وقال أرسطو: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب. يحرم الإسلام الكذب، ذكر في القرآن قول الله تعالى: «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب». الآية. من علامات الساعة في الإسلام أن يفشى وينتشر الكذب بين الناس فلا يتحرى الرجل الصدق في كلامه وعدم التثبت في نقل الأخبار، وسيكون الكذب كثيرا مع قبحه وسوئه وأثره وكثرته بين الناس، ووردت أحاديث نبوية عن كون الكذب من علامات الساعة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم. الكذب هو آفة اجتماعية خطيرة، تتضمن البعد عن قول الحقيقة والتحايل عليها، كشهادة الزور ونقل الأحداث بتلوينها وتبديلها كعملة للتداول يربح بها الكاذب أرباحا نقدية رغم أنه مفلس.

أطلق المعاصرون لفظة النصب ويريدون بها عملة تداول الكذب والخداع والاحتيال سواء اقترن ذلك بجرم أخذ المال، أم لا.

حاولت البحث عن أصل كلمة النصب فلم أجدها تطلق عند العرب إلا على الكذب. الكل يكذب ويستمر مسلسل الكذب منذ الفجر وحتى الليل ويتوقف لمدة خمس دقائق فقط هى فترة الصلاة، وما ينتهى البشر من الصلاة تبدأ طقوس وثقافة الكذب، كثيرون يكذبون، لأنهم يعتقدون أنهم يستطيعون استخدام ثقافة الاستغفار ويمحون الكذبة، والمؤلم أن الذي يكذب وهو يدرك أنه يكذب.

يذكر أن الكلاو فى العراق هو ملبس الرأس ويسمونه فى مصر المحروسة الطربوش، فهو رداء الرأس ولكن اجتماعياً وسياسياً عندما يقال هذا الفرد لبسوه كلاو يقصد به تمرير ملعوب ما عليه، وباللغة العربية الفصحى مرروا كذبة عليه. عندما أتخيل الجنة وللمعلومية الجنة اسم صفة فى لغة أهل سومر هي الحديقة، أتخيلها واحة خضراء لا يجلس فيها إلا قِلَة من البشر غير الكاذبين، الكذب عملة مطبوعة متداولة ويعاد طبعها يوميا. أما الصدق فهو عملة نادرة تولد مرة غير قابلة لإعادة الطباعة فهي تولد مع الإنسان ولكن الأخرى يولدها الإنسان، لثقافة الكذب أسباب اجتماعية من ضمنها لا حصرها عدم قناعة البشر بواقع الحياة وضعف الإيمان. وغياب ثقافة الخوف وقسوة الحياة الاجتماعية والاقتصادية كذلك ثقافة الاعتياد على الكذب، لأنها أصبحت عملة عامة للتداول. فأصبح الفرد لا يفرق بين الكذب والحقيقة، واقتصاد قائم بذاته ومصدر رزق جيد هو عملة الكذب، وأخيرا ثقافة غسيل الأخلاق هو أكذب وأتوب، ثم أكذب وأستغفر، أكذب وأُخرج كفارة. الكذب هو نواة الغش فقد قيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه قال: (من غشنا فليس منا). «أصبح الكذب عملة لا ورقية ولا نقدية».

للتواصل (فاكس 0126721108)