أخبار

حين تخسر «الأيديولوجيا» وتربح «المشاعر المستعارة»!

ياسر عبدالفتاح (جدة)

زلزلت انتفاضة إيران الشعبية كثيرا من ثوابت الملالي، فما كان أحد يتصور، مهما بلغت به درجة التفاؤل وصول الجرأة بشبان إيرانيين على إشعال النار في صور إمامهم الخميني وهو المشهد الذي يتمنى زعيم الميليشيا حسن نصر الله أن يدفع كل عمره مقابل إزاحته من شاشات القنوات الفضائية.

لعل المقطع التاريخي في احتراق آية الله، دفع بحرسه الثوري وتلامذته المخلصين إلى تهديد الثوار بالنزول إلى الشارع ومواجهة المحتجين بالنار.. فالذي يحرق صورة الإمام الباريسي المعطر اليوم لن يتردد غدا في هدم المعبد على رؤوس ساكنيه، ربما لهذا السبب لم يخرج نصر الله وجماعته -كما اعتاد- إلى الشاشة المباشرة ليخطب عن ضرورات «وحدة الأمة الإسلامية» «والسلاح المقاوم» إذ بدا واضحا أن سلاح المقاومة هذه المرة لم يجد هدفا إلا في صدور الإيرانيين العزل الذين خرجوا إلى الشوارع بعدما ضاقت صدورهم بمغامرات نظامهم الداعم للأسد في سورية «حفاظا للشرعية»، المؤازر للحوثي في اليمن «دفاعا عن الأيديولوجيا» المناصر للفتنة اللبنانية «مقاوما للمظلومية» غير أن الذي يجري في شوارع إيران اليوم كشف بلا مواربة أن الأسطورة التي حاول الحرس الثوري أن يصور بها نفسه، أصبحت مثل قطة مذعورة تحتمي بحائط مهترئ مبتل قابل للسقوط في أية لحظة وقد تداعت الأيديولوجيا وسقطت ورقة توت الشرعية.

ليس أمام النظام الإيراني، غير مواجهة الحقائق بعين فاحصة. لم يعد في مقدوره أن يقنع العالم الحر أن المحتجين في الشوارع مجرد أدوات لتدخلات خارجية، فالشعب المسكين الذي صبر لعقود طويلة على مزاعم القدرة على مواجهة الشيطان الأكبر، تجاوز صبره المدى، فالجوع الكافر الذي يضرب نصف الشعب المغلوب على أمره، والقمع المؤدلج وزج المحتجين في السجون وإطلاق النار عليهم، لن تسكته أو تسكت بطونه، حلقات المسلسل الدرامي الرتيب عن السلاح النووي الإيراني، ولا تلك المغامرات الصبيانية بإضرام النار في السفارات والقنصليات، والادعاء بأن جيش الفرس على اعتاب حيفا لتحرير القدس..

أرى أن إيران وحرسه الثوري، يعيشان في مأزق تاريخي لا فكاك منه، فالشعب الذي يحاصر النظامين من أركانه الأربعة، يبدو أنه مصمم في المضي إلى نهاية الطريق، ضاربا بعرض الحائط تهديد النظام للثوار بإخراج مئات الآلاف من مناصريه لتأديب المتظاهرين الغاضبين وإعادتهم إلى بيوتهم.. الواقع يقول غير ذلك يبدو أن الثوار هم من سينزعون عن آيات ايران عمائمهم.. فالعالم الحر شغوف اليوم لرؤية «المشاعر المستعارة»!