تونس: «كتاب الخطايا المتعدد الأبعاد»
الاثنين / 28 / ربيع الثاني / 1439 هـ الاثنين 15 يناير 2018 01:45
أسماء بوزيان
مع حلول الذكرى السنوية لثورة الياسمين، وبعد سنوات، تتخوف الطبقة السياسية التونسية من شلل سياسي مفتوح في تونس نتيجة انتفاضة الجبهة الاجتماعية على الوضع الاجتماعي، الذي أصبح يتخبط فيه المواطن التونسي وعدم اتضاح الخارطة السياسية لتونس على المدى البعيد.
الاحتجاجات المطالبة بسحب قانون المالية، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني / يناير، والذي ينص على زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الأساسية، هو صورة الفشل الذريع للحكومة التي افتقدت للحزم السياسي الليبرالي المدني.
7 سنوات تمر على انتفاضة ثورة الياسمين لم تكن كافية لإقناع الأحزاب المدنية والائتلاف الحكومي بأن العملية السياسية الديمقراطية تتطلب مراجعة الكثير من القواعد والتخلي عن بعضها، وذلك بإعادة رسم خارطة سياسية وطنية مدنية، تكون فيها هوية الحكومة قائمة على وحدة وطنية ويكون لرئيس الحكومة هامش أوسع للتحرك، بعيدا عن هيمنة أقطاب الأحزاب المسيطرة (النهضة والنداء).
وسواء سعت أو لم تفعل الأحزاب المهيمنة من الضغط على رئيس الحكومة، فإنها حققت ما تصبو إليه وهو إرباك الجسد الحكومي وخلخلة موازين التحكم في الجبهة الاجتماعية، بفرض سياسات مكبلة للمواطن ومزعزعة لاستقرار تونس.
تونس التي ظلت النموذج الناجح لما سمي بالربيع العربي، تعيش في ذكراها السنوية للانتفاضة التي تصادف 14 من يناير، احتجاجات شاسعة وعميقة، تنذر بكثير من القلق والفوضى.
من الصعب فهم الأحداث السياسية الحالية التي تزج بتونس في فوضى وأزمة مجهولة المسار، بعيدا عن الائتلاف الحاكم من جهة والأحزاب السياسية من جهة أخرى. بل على من يلقى اللوم والعتب في الأزمة السياسية التي اتخذت نسقا خطيرا ؟... هل اللوم على كيان حكومي مهزوز الثقة ومرهون لإملاءات الأحزاب الإسلاموية (النهضة والنداء) أم على صندوق النقد الدولي وما فرضه من سياسات لتضيق الخناق على المواطن المنذور لمصيره؟ أم على الإسلاميين المتربصين بالبلد رغم أنهم غيروا عباءتهم؟ أم على المنتهزين و«المافيا» المتواطئين مع النظام السابق، الذي يحاول اليسار التونسي كشف ألاعيبهم السياسية والمالية، ولكنه يفتقد للأفق وخارطة طريق لتونس الجديدة، وببساطة يعجز عن توضيح الرؤى للرأي العام التونسي. بل الأكثر من ذلك لم يتمكن هذا اليسار الذي ينشد تونس جديدة ضمن إصلاح شامل ديمقراطي، لم يتمكن من كسب الرأي العام التونسي إلى صفه، لما يعيشه من تخبط في الأفكار وتذبذب في الرؤى، مما سهل الطريق أمام خصومه لتأليب الرأي العام التونسي عليه، وما اتهام الجبهة الشعبية اليسارية بالتحريض على النهب والتخريب في الانتفاضة الأخيرة، إلا دليل على أن اليسار لم يتقن خطاب الشعب ليقنعه بخارطته، هذا إن توفرت تلك الخارطة السياسية.
فبالنسبة إلى بلد كان نموذجا ومرجعا لبقية العالم العربي بعد الإطاحة بحكم بن علي، حري به أن تقوده حكومة في مستوى تطلعات شعبه، وحري أن يتوصل الكيان الحكومي المعتمد إلى إقرار سلطة قراراته على مكونات الائتلاف بعيدا عن أي واسطات أو ضغوط. وهو ما لم يحدث في حكومة الشاهد، الذي انحاز إلى حزبي النهضة والنداء وترك لهما الحبل على الغارب. بل ذهبت بعض الكيانات الحزبية في الائتلاف لحد وصف الشاهد برجل الظل لحزب النهضة.
وعلى رأي المقولة السياسية التي تصف الائتلاف بين الأحزاب السياسية المعارضة على أنها حلبة (...) الحربية، يتفوق فيها من درب بشكل جيد على الخطط الحربية، فإنه لا يمكن أن يفسر الانقلاب الذي يضمره حزب النداء الذي طالب بتعديل حكومي، إلا بنيته في إسقاط اسم رئيس الحكومة نفسه. وهو الأمر الذي يبين مدى هشاشة قرارات الشاهد أمام هذين الحزبين.
قد يكون الشعور بالركود السياسي في تونس مضللا لحد ما. فرغم أن المظاهرات التي وقعت في الأيام الأخيرة تبين مدى الغضب الذي يسود في بعض قطاعات البلد، إلا أنها تثبت لحد ما أن تونس استطاعت أن تؤسس لمكسب جديد في الحريات لم تعرفه في عهد بن علي، وأنه من الحماقة أن يشكك في ذلك المكسب، ومن الحماقة التقليل من ثقل الشارع التونسي في قلب منظومة الحكم والإطاحة بالرؤوس المفسدة.
وسواء كانت الأزمة سياسية أو بنية حكم أو بنية أحزاب، إلا أنه من الضروري أن نشير إلى أن الأزمة هي في الأساس تراكمات الماضي لحكومات سابقة فشلت في رسم خارطة تونس الجديدة، في ظل التوازنات الجديدة وفي تلبية تطلعات الرأي العام التونسي، الذي حمى بلده من الفوضى بعد سقوط نظام بن علي.
إلا أنه لا يمكن إغفال مسألة مهمة، وهي أن الأزمة القديمة الجديدة هي نتاج تحالف تقوده الأحزاب الإسلامية التي تفرخ الأزمات حيثما وجدت... وفشلت في صناعة قوة سياسية مدنية تحظى بالمصداقية لدى الرأي العام التونسي، وترسم سياسة لتونس الجديدة بعيدا عن تحالفات السطو والمحاصصة في خيرات البلد. وإن كانت تونس كتابا مفتوحا لكثير من الخطايا، فهي أيضا تظل تونس الخضراء المفتوحة على كل المستجدات، تلقن العالم لغة الصبر من أجل البلد.
* إعلامية عربية مقيمة في باريس
asmek2@
الاحتجاجات المطالبة بسحب قانون المالية، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني / يناير، والذي ينص على زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الأساسية، هو صورة الفشل الذريع للحكومة التي افتقدت للحزم السياسي الليبرالي المدني.
7 سنوات تمر على انتفاضة ثورة الياسمين لم تكن كافية لإقناع الأحزاب المدنية والائتلاف الحكومي بأن العملية السياسية الديمقراطية تتطلب مراجعة الكثير من القواعد والتخلي عن بعضها، وذلك بإعادة رسم خارطة سياسية وطنية مدنية، تكون فيها هوية الحكومة قائمة على وحدة وطنية ويكون لرئيس الحكومة هامش أوسع للتحرك، بعيدا عن هيمنة أقطاب الأحزاب المسيطرة (النهضة والنداء).
وسواء سعت أو لم تفعل الأحزاب المهيمنة من الضغط على رئيس الحكومة، فإنها حققت ما تصبو إليه وهو إرباك الجسد الحكومي وخلخلة موازين التحكم في الجبهة الاجتماعية، بفرض سياسات مكبلة للمواطن ومزعزعة لاستقرار تونس.
تونس التي ظلت النموذج الناجح لما سمي بالربيع العربي، تعيش في ذكراها السنوية للانتفاضة التي تصادف 14 من يناير، احتجاجات شاسعة وعميقة، تنذر بكثير من القلق والفوضى.
من الصعب فهم الأحداث السياسية الحالية التي تزج بتونس في فوضى وأزمة مجهولة المسار، بعيدا عن الائتلاف الحاكم من جهة والأحزاب السياسية من جهة أخرى. بل على من يلقى اللوم والعتب في الأزمة السياسية التي اتخذت نسقا خطيرا ؟... هل اللوم على كيان حكومي مهزوز الثقة ومرهون لإملاءات الأحزاب الإسلاموية (النهضة والنداء) أم على صندوق النقد الدولي وما فرضه من سياسات لتضيق الخناق على المواطن المنذور لمصيره؟ أم على الإسلاميين المتربصين بالبلد رغم أنهم غيروا عباءتهم؟ أم على المنتهزين و«المافيا» المتواطئين مع النظام السابق، الذي يحاول اليسار التونسي كشف ألاعيبهم السياسية والمالية، ولكنه يفتقد للأفق وخارطة طريق لتونس الجديدة، وببساطة يعجز عن توضيح الرؤى للرأي العام التونسي. بل الأكثر من ذلك لم يتمكن هذا اليسار الذي ينشد تونس جديدة ضمن إصلاح شامل ديمقراطي، لم يتمكن من كسب الرأي العام التونسي إلى صفه، لما يعيشه من تخبط في الأفكار وتذبذب في الرؤى، مما سهل الطريق أمام خصومه لتأليب الرأي العام التونسي عليه، وما اتهام الجبهة الشعبية اليسارية بالتحريض على النهب والتخريب في الانتفاضة الأخيرة، إلا دليل على أن اليسار لم يتقن خطاب الشعب ليقنعه بخارطته، هذا إن توفرت تلك الخارطة السياسية.
فبالنسبة إلى بلد كان نموذجا ومرجعا لبقية العالم العربي بعد الإطاحة بحكم بن علي، حري به أن تقوده حكومة في مستوى تطلعات شعبه، وحري أن يتوصل الكيان الحكومي المعتمد إلى إقرار سلطة قراراته على مكونات الائتلاف بعيدا عن أي واسطات أو ضغوط. وهو ما لم يحدث في حكومة الشاهد، الذي انحاز إلى حزبي النهضة والنداء وترك لهما الحبل على الغارب. بل ذهبت بعض الكيانات الحزبية في الائتلاف لحد وصف الشاهد برجل الظل لحزب النهضة.
وعلى رأي المقولة السياسية التي تصف الائتلاف بين الأحزاب السياسية المعارضة على أنها حلبة (...) الحربية، يتفوق فيها من درب بشكل جيد على الخطط الحربية، فإنه لا يمكن أن يفسر الانقلاب الذي يضمره حزب النداء الذي طالب بتعديل حكومي، إلا بنيته في إسقاط اسم رئيس الحكومة نفسه. وهو الأمر الذي يبين مدى هشاشة قرارات الشاهد أمام هذين الحزبين.
قد يكون الشعور بالركود السياسي في تونس مضللا لحد ما. فرغم أن المظاهرات التي وقعت في الأيام الأخيرة تبين مدى الغضب الذي يسود في بعض قطاعات البلد، إلا أنها تثبت لحد ما أن تونس استطاعت أن تؤسس لمكسب جديد في الحريات لم تعرفه في عهد بن علي، وأنه من الحماقة أن يشكك في ذلك المكسب، ومن الحماقة التقليل من ثقل الشارع التونسي في قلب منظومة الحكم والإطاحة بالرؤوس المفسدة.
وسواء كانت الأزمة سياسية أو بنية حكم أو بنية أحزاب، إلا أنه من الضروري أن نشير إلى أن الأزمة هي في الأساس تراكمات الماضي لحكومات سابقة فشلت في رسم خارطة تونس الجديدة، في ظل التوازنات الجديدة وفي تلبية تطلعات الرأي العام التونسي، الذي حمى بلده من الفوضى بعد سقوط نظام بن علي.
إلا أنه لا يمكن إغفال مسألة مهمة، وهي أن الأزمة القديمة الجديدة هي نتاج تحالف تقوده الأحزاب الإسلامية التي تفرخ الأزمات حيثما وجدت... وفشلت في صناعة قوة سياسية مدنية تحظى بالمصداقية لدى الرأي العام التونسي، وترسم سياسة لتونس الجديدة بعيدا عن تحالفات السطو والمحاصصة في خيرات البلد. وإن كانت تونس كتابا مفتوحا لكثير من الخطايا، فهي أيضا تظل تونس الخضراء المفتوحة على كل المستجدات، تلقن العالم لغة الصبر من أجل البلد.
* إعلامية عربية مقيمة في باريس
asmek2@