«التهديد الإسلامي» والأجندة الأمريكية (2)

عبدالله بن فخري الأنصاري

كما تقدم في مقالي السابق، يبدو أن مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية وجدوا في "الإسلام والمسلمين" كبش الفداء في السباق الرئاسي لعام 2008م. فقد سعى اليمين المتطرف إلى استنهاض الناخبين من تكتل اليمين الديني بإضفاء بعد عنصري ولهجة عدائية للإسلام والمسلمين على خطاب مرشحي الحزب الانتخابي. فلم يقتصر الأمر على رودي جولياني، عمدة مدينة نيويورك السابق، واستخدامه المنظم لعبارة "الإرهاب الإسلامي"، و"الفاشية الإسلامية"، وهجومه على المرشحين الديمقراطيين لعدم استخدامهم لهذه الشعارات. إذ يبدو أن هناك إجماعا بين أغلب المرشحين الجمهوريين على تبني هذه الاستراتيجية، والقضية مجرد خلاف لفظي. فعلى سبيل المثال وضع السيناتور جون ماكين عن ولاية "أريزونا" - والمرشح الجمهوري الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب - الحرب ضد "التطرف الإسلامي الأصولي" على رأس قائمة أولويات سياسته الخارجية. وعلى غرار جولياني يرى مايك هاكابي، القس والحاكم السابق لولاية "أركنساس"، أن "الفاشية الإسلامية" هي أكبر تهديد يواجه الولايات المتحدة في الوقت الحالي. أما الحاكم السابق لولاية "ماساتشوست"، ميت رومني فيرى أن العنف الجهادي والأصولية الإسلامية الراديكالية هي كابوس القرن العشرين... ويبدو واضحا تعمد استغلال المرشحين لظاهرة "الخوف من الإسلام" أو ما يعرف بـ "الإسلاموفوبيا" والتي سادت في المجتمع الأمريكي بعد أحداث سبتمبر بفضل بعض السياسات الداخلية والخارجية للإدارة الأمريكية، وانهماك بعض الزعماء السياسيين والدينيين والقنوات الإعلامية اليمينية ذات الأجندة السياسية في رسم صورة سلبية للإسلام والمسلمين، والربط بين الإسلام كمعتقد وبين الإرهاب دون سائر الديانات الأخرى، واستخدام أحداث سبتمبر كذريعة لتغذية تيار العداء للمسلمين تحت ستار الوطنية الزائفة. والمحزن في الأمر، هو محاولة بعض أنصار مرشحي الحزب الديمقراطي الاستفادة من صور التوجس والخوف من الإسلام لتعمد إثارة نزعة الخوف عند شريحة من المتدينين المعتدلين والمستقلين ضد المرشح الديمقراطي السيناتور باراك أوباما بسبب أصوله الإسلامية كجزء من "استراتيجية سياسية منهجية" للتقليص من شعبية أوباما المتزايدة. من ذلك ما قام به السيناتور الديمقراطي السابق بوب كيري أحد حلفاء المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من الإشادة بأصول أوباما الإسلامية ودعوته لأوباما إلى الترويج لها وذلك في محاولة لإثارة الكراهية ضده من خلال التظاهر بدعمه والدفاع عنه. ناهيك عن حملة رسائل البريد الإلكتروني التي تزعم بأن أوباما مسلم وكأنها وصمة عار وتهمة اضطرت أوباما للتصعيد من جهوده لنفيها.
لقد خرج اليمينيون المتدينون للإدلاء بأصواتهم بشكل مكثف لصالح الجمهوريين في الانتخابات الأولية إلا أن العديد من الباحثين كالبروفيسور جوان كول (أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة ميتشجان) يرى أنه من المبالغة الظن بأن التعصب الديني والخطاب العنصري ضد الإسلام والمسلمين هو سبيل مضمون لاستنفار وكسب أصوات المسيحيين المتدينين والمحافظين. فمن السذاجة الظن بإذعان وإصغاء الشريحة العظمى من الناخبين الجمهوريين لهذه النداءات المعادية للمسلمين. وربما كان إخفاق جولياني وخروجه من السباق الرئاسي دليلا على أن استراتيجية تبني الخطاب العنصري ضد المسلمين باسم الأمن القومي باءت بالفشل. وربما عاد ذلك إلى أن المرشحين الجمهوريين قد نجحوا في استرضاء الناخب اليميني المتدين بتبنيهم لنفس الأجندة ومن ثم تقاسمهم لأصوات هذه الفئة. ولو سلمنا بأن هذه الاستراتيجية الانتخابية فشلت في تحقيق أهدافها، فأنها بكل تأكيد نجحت في جعل الطعن في الإسلام ظاهرة مقبولة ثقافيا واجتماعيا في المجتمع الأمريكي. ولك أن تتعجب من تقديم كل مرشح لنفسه على أنه من ذوي الخبرة في السياسة الخارجية وهو يتعمد: إثارة الكراهية والحقد على المسلمين لدى الشعب الأمريكي، وتوسيع الهوة بين الإسلام والغرب، وهدم جسور التواصل بين الشعوب! ولك أن تتعجب من المفارقة بين استخدام المرشحين لهذا النوع من الخطاب العنصري ومحاولة تقديم كل منهم نفسه كقائد قادر على مواجهة خطر الإرهاب! أليس في هذا الخطاب العنصري إذكاء للفكر الذي يغذي الإرهاب، وإثراء للأدوات المتاحة للقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية لترويج الفكر المتطرف وتجنيد المتطرفين؟ هي أزمة حقيقية تلك التي يعيشها الخطاب السياسي الأمريكي الحالي اتجاه الإسلام يظهر منها عمق النظرة السلبية والسطحية للإسلام، ربما تتطلب منا إعادة صياغة الخطاب الإسلامي لتعزيز فهم الإسلام لدى الشعوب الأخرى، وتشجيع الحوار لجسر الهوة بيننا وبين المجتمعات الأخرى، والحد من ظاهرة الخوف من الإسلام لدى المجتمع الغربي.
afansary@yahoo.com