هناك فرصة قبل فوات الأوان

د. طلال صالح بنان

كان من المتوقع أن تفشل محادثات القاهرة بين فتح وحماس والسلطات المصرية من أجل إيجاد حل للأزمة التي دخلت أسبوعها الثاني ولا زال يتدفق عبر بوابة صلاح الدين عشرات الآلاف من الفلسطينيين على جانبي الحدود المصرية مع القطاع للحصول على حاجات سكان القطاع الأساسية من سلع وخدمات حال الحصار الإسرائيلي للقطاع لأشهر من حصول الفلسطينيين عليها.
الأزمة هي سياسية بامتياز رغم بعدها الإنساني، الذي يطغى على السلوك المصري للتعامل مع الأزمة، في الأساس. أما في ما يخص الأطراف الفلسطينية فإنه لا يمكن فهم الأزمة ومن ثمّ الاستدلال إلى حل لها، بعيداً عن البعد السياسي لوضعية الصراع بين الفصائل الفلسطينية، وبالأخص حركتي فتح وحماس.
يفصل بين حركتي فتح وحماس شُقة سياسية وأيدلوجية تفجرت في شكل صدام مسلح بينهما، في شهر يونيه الماضي، انتهى بسيطرة حركة حماس على القطاع... ومن يومها يدور صراع سياسي بين الحركتين ينال من شرعيتهما السياسية والدستورية في السلطة الفلسطينية. فتح ترى ما حصل انقلاباً على الشرعية، بينما حماس ترى أنها جزء لا يتجزأ من شرعية السلطة الفلسطينية، بوصفها الحكومة التي جاءت نتيجة انتخابات تشريعية جرت في يناير 2006، فازت الحركة فيها بالأغلبية في المجلس التشريعي، التي أهلتها لتشكيل الحكومة الأولى، وبعد ذلك تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مكة، فبراير 2007.
لذا فإن أي حل لأزمة معبر رفح، لا يمكن أن، يتجاهل هذه الخلفية السياسية للأزمة بين فتح وحماس، وكذا واقع سيطرة حركة حماس على القطاع... بالإضافة إلى تفسير ما حدث بوصفه ليس بعيداً عن حركة حماس، لأنها المستفيد الأول والأخير منه، و ما حدث ما كان ليحدث لولا أن حماس كانت وراءه أو في أفضل الفروض لم تَحُل دون حدوثه.
بالتالي: لا يمكن فهم تمسك رئاسة السلطة الفلسطينية بموقفها بضرورة رجوع حركة حماس عن ما تعتبره انقلاباً على الشرعية في غزة ، عندما سيطرت بالقوة على القطاع، وتبني الرئاسة الفلسطينية على ذلك توقف أي اتصال مع حماس، على هذا الشرط... من ناحية أخرى، لا يمكن فهم تمادي حركة حماس في استغلال البعد الإنساني للأزمة، حتى ولو كان الثمن إحراج دولة مركزية في النظام العربي، عليها التزامات دولية مع إسرائيل، وكذا حساسية موقفها الداخلي والإقليمي والخارجي إذا ما استمرت الأزمة ودفعتها للتعامل معها بطريقة، تقود في النهاية الى إحداث أضرار جسيمة بالقضية الفلسطينية، يصعب إصلاحها، في ما بعد.
النظام العربي عليه ألا يترك الأزمة تتصاعد في حدتها لتتطور إلى احتمالات لا يمكن السيطرة عليها. مصر في حاجة إلى دعم عربي صريح لموقفها.. والقضية الفلسطينية في حاجة إلى تأكيد مركزيتها في السياسة والاستراتيجية العربية.. والأخوة الألداء في فلسطين في حاجة إلى وقفة عربية قوية تجاه خلافاتهم وصراعاتهم وتذكيرهم أن القضية ليست قضية فلسطينية صرفة، بقدر ما هي قضية أمن قومي عربي، في المقام الأول.
الأزمة ما زالت في مناطق المعالجة العربية لها، بالرغم من عدم استبعاد أطراف إسرائيلية وإقليمية، ليست بالضرورة صديقة للعرب والفلسطينيين، بأن كان لها دور في خلق الأزمة، من البداية، وتلعب دوراً مستميتاً في تعقيدها وإبعادها عن أي حل عربي محتمل لها.
المصاعب التي تمر بها حالياً الإدارة العربية للأزمة هي احتمالات متوقعة تعكس عمق الخلافات الأيدلوجية والسياسية والجغرافية بين الفلسطينيين، التي يجب على العرب ألا يخضعوا لضغوطها ولا يستسلموا لمنطقها، وإلا ستكون لذلك نتائج كارثية لمصالح العرب العليا وأمنهم القومي.