قراءة في «ذهووول»
السبت / 24 / جمادى الأولى / 1439 هـ السبت 10 فبراير 2018 03:05
قراءة: أحمد بوقري *
النص والتلقي:
يطرح هذا النص القصصي البديع القصير والدال، لمحمد علوان مسألة مهمة جداً هي: كيف يتم تلقي النص داخل النص؟
كما يطرح علينا نحن قراء نصه السردي كيف كان تلقينا للنص اللغوي الحاضن؟
النص/اللوحة داخل النص/اللغة يجتمعان معاً داخل نصٍ واحد تفاعلي وجدلي في آن..!
التخييل والترميز والميتا واقع المتحرك هنا ليس الا إعادة إنتاج للنص الجامد/اللوحة، وحركته هي في مبتغى تسييله في نص لغوي موازٍ ومطابق لحركة الواقع..!
فالنص نصان غير منفصلين لحمته وسداه هي حالة الذهول الوقتية المنبثقة من درجة الارتماء داخل الإطار اللوني، والفاصلة بين حركة السكون وسكون الحركة القابعة في مستوى القراءة الصامتة.
الحركة التي ينتجها النص اللغوي السردي لعلوان هي المسافة غير المرئية بين اللون والحرف... بين الإطار/الحصار وانفتاح الخارج والمعنى.
جرس الواقع ضاغط وحصاره زمني مباغت يؤول إلى ميتا واقع اللحظة المتلقية، ما يدفع بنا وبكاتب النص كمتلقين مركبين للنص إلى الخروج القسري من حالة التلقي الاستيهامية ليعيدنا إلى حالة التلقي الذاهلة في بعدها الساكن.. وما تلقينا نحن الخارجين عن النص إلا تلقيا لنصين معاً في حالة اشتباكهما الحيوي معاً.
* ناقد سعودي
ذهول:
قصة: محمد علوان
داخل هذا المتحف الضخم.. والتاريخ يحاصرك من كل جانب.. هذا الصمت الذي يشعرك بمسحة فرشاة الرسام.. صوت إزميل النحات.. أنت الآن في خزانة الفن.
وقف مذهولاً أمام تلك اللوحة الصغيرة المذهلة.. ظل يتابع تفاصيلها..
ثلاثة رجال بقبعاتهم المتشابهة وأمام ثلاثة كؤوس وزجاجة ثبّتت تلك اللحظة.. المشهد تنقصه الأنفاس.. حركة الأصابع والرموش لكي تكون الصورة مشهداً تبعث به الحياة الحركة.
داخل حالة الدهشة تلك، تشعر أنّ يد أحدهم تمتدّ إلى الزجاجة تمسك عنقها.. تسكب ما في جوفها إلى الكؤوس الثلاثة.
شعر أن السمكة التي في اللوحة تكاد تصدر رائحة شوائها.. بل أبصر بخاراً وكأنه يخرج.. تخيّل الرائحة والطعم والمذاق.. امتدت يد أحدهم لتعبث بإتقان بجسد السمكة وأخذ يوزع على صاحبيه.. لم يتبقّ منها سوى تلك الأشواك المتماسكة.
القبعات مع مرور الوقت أصبحت فوق الطاولة.. خشي أن يصدر صوتاً أو غناءً أو صراخاً.
لم يلتفت لا يمنة ولا يسرة.. ركّز بكل أحاسيسه على ما يحدث في هذه اللوحة
غير مصدق ما يجري.
فجأةً انتشله من انغماسه في اللوحة جرس.. التفت فإذا بزوار المتحف يتجهون إلى باب الخروج... أما هو فقد ارتبك وشعر كأنه كان نائماً أُجبر على اليقظة
أعاد النظر إلى تلك اللوحة فإذا بها جامدة
مثلما شاهدها أول مرة...
الرجال الثلاثة يعتمرون قبعاتهم والزجاجة ملأى والكؤوس فارغة.. لكنه أحس بالذهول.
محمد علوان ٢٣سبتمبر ٢١٠٥
يطرح هذا النص القصصي البديع القصير والدال، لمحمد علوان مسألة مهمة جداً هي: كيف يتم تلقي النص داخل النص؟
كما يطرح علينا نحن قراء نصه السردي كيف كان تلقينا للنص اللغوي الحاضن؟
النص/اللوحة داخل النص/اللغة يجتمعان معاً داخل نصٍ واحد تفاعلي وجدلي في آن..!
التخييل والترميز والميتا واقع المتحرك هنا ليس الا إعادة إنتاج للنص الجامد/اللوحة، وحركته هي في مبتغى تسييله في نص لغوي موازٍ ومطابق لحركة الواقع..!
فالنص نصان غير منفصلين لحمته وسداه هي حالة الذهول الوقتية المنبثقة من درجة الارتماء داخل الإطار اللوني، والفاصلة بين حركة السكون وسكون الحركة القابعة في مستوى القراءة الصامتة.
الحركة التي ينتجها النص اللغوي السردي لعلوان هي المسافة غير المرئية بين اللون والحرف... بين الإطار/الحصار وانفتاح الخارج والمعنى.
جرس الواقع ضاغط وحصاره زمني مباغت يؤول إلى ميتا واقع اللحظة المتلقية، ما يدفع بنا وبكاتب النص كمتلقين مركبين للنص إلى الخروج القسري من حالة التلقي الاستيهامية ليعيدنا إلى حالة التلقي الذاهلة في بعدها الساكن.. وما تلقينا نحن الخارجين عن النص إلا تلقيا لنصين معاً في حالة اشتباكهما الحيوي معاً.
* ناقد سعودي
ذهول:
قصة: محمد علوان
داخل هذا المتحف الضخم.. والتاريخ يحاصرك من كل جانب.. هذا الصمت الذي يشعرك بمسحة فرشاة الرسام.. صوت إزميل النحات.. أنت الآن في خزانة الفن.
وقف مذهولاً أمام تلك اللوحة الصغيرة المذهلة.. ظل يتابع تفاصيلها..
ثلاثة رجال بقبعاتهم المتشابهة وأمام ثلاثة كؤوس وزجاجة ثبّتت تلك اللحظة.. المشهد تنقصه الأنفاس.. حركة الأصابع والرموش لكي تكون الصورة مشهداً تبعث به الحياة الحركة.
داخل حالة الدهشة تلك، تشعر أنّ يد أحدهم تمتدّ إلى الزجاجة تمسك عنقها.. تسكب ما في جوفها إلى الكؤوس الثلاثة.
شعر أن السمكة التي في اللوحة تكاد تصدر رائحة شوائها.. بل أبصر بخاراً وكأنه يخرج.. تخيّل الرائحة والطعم والمذاق.. امتدت يد أحدهم لتعبث بإتقان بجسد السمكة وأخذ يوزع على صاحبيه.. لم يتبقّ منها سوى تلك الأشواك المتماسكة.
القبعات مع مرور الوقت أصبحت فوق الطاولة.. خشي أن يصدر صوتاً أو غناءً أو صراخاً.
لم يلتفت لا يمنة ولا يسرة.. ركّز بكل أحاسيسه على ما يحدث في هذه اللوحة
غير مصدق ما يجري.
فجأةً انتشله من انغماسه في اللوحة جرس.. التفت فإذا بزوار المتحف يتجهون إلى باب الخروج... أما هو فقد ارتبك وشعر كأنه كان نائماً أُجبر على اليقظة
أعاد النظر إلى تلك اللوحة فإذا بها جامدة
مثلما شاهدها أول مرة...
الرجال الثلاثة يعتمرون قبعاتهم والزجاجة ملأى والكؤوس فارغة.. لكنه أحس بالذهول.
محمد علوان ٢٣سبتمبر ٢١٠٥