«السقيا بالمجان»حلم تبخر في عروس السحاب

اهالي فيفاء: متعهد الماء حرمنا من حقنا.. وشكوانا توصم بالكيدية.. و «العطش» أصبح الحل الوحيد

جولة: ابراهيم عقيلي

"غدا ستشربون ... وعدا علينا كلنا إنا لفاعلون. صحونكم ستغسلون... قدوركم تراوشون... تتمضمضون.. تستنشقون...وماءنا تراوقون. تبذرون وتسرفون.. لأن سقياكم علينا وحدنا...غدا ستشربون"..
بين ازمة ماء واخرى تجد الفيفيين يرددون هذه الابيات التي قالها شاعرهم فرحان الحكمي.. يرددونها لتبعث فيهم الامل علها تروي الشفاة اليابسة بعد ان يئسوا من سقيا خزاناتهم التي لايعتريها البلل الا مرة في الشهر .. ورغم غزارة الامطار التي تروي ارضهم الا انهم يعانون الامرين من قلة المياه الصالحة للشرب رغم اعتماد مشروع تحت مسمى "السقيا" والذي لم يرو عطشهم الى الان ولم يكن كافيا لانهاء ازمتهم . وهاهي صعوبة التضاريس تلوح مرة اخرى لتعلن انها وراء مشكلة المياه ووراء كل ازمة ومعاناة للاهالي هناك.فالجبال تقف عائقا امام ايصال المياه المحلاة الى القمم والى منازل السكان التي عادة ماتكون في اماكن وعرة وصعبة الوصول.حتى ان ما يدفعه المواطن في جبال فيفا كقيمة وايت مياه لمنزله تفوق قيمة مايدفعه مواطن اخر في أي مكان في المملكة.
رغم الحلول التي وضعت من قبل الجهات المختصة لانهاء تلك لمشكلة الا انها ضلت قائمة , وعندما فكر المواطنون بايجاد سبل اخرى وتحول العلاج والحل المشكلة كون البديل من مياه الامطار التي لا تخلو من التلوث الذي يتسبب في مشاكل على السكان وعلى عائلاتهم. وبقي الحل الوحيد هو ان يزيد مشروع السقيا من كمية المياه المحلاة لتسقي المنازل بشكل دوري يضمن للجميع توفر المياه بشكل مستمر يغنيهم عن أي حلول اخرى.
خزانات المياه
مما يلفت انظار الزائرين الى جبال فيفاء انتشار الكثير من براميل المياه على جوانب الطريق في مشهد يشوه جمال المنطقة ويؤكد معاناة اهل الجبال من شحّ المياه حيث لا توجد شبكة للمياه تصل الى هذه الجبال وفي مثل هكذا ظروف يعتمد سكان الجبال في توفير المياه على الوايتات التي تجلب اليهم المياه باسعار باهظة تصل الى 300 ريال للوايت وهي بلا شك تشكل معاناة حقيقية لذوي الدخل المحدود فيضطرون احياناً الى شرب مياه الابار المتجمعة في البرك والتي عادة ما تكون عرضة للتلوث .مسعود الفيفي يرى ان وضع تلك البراميل علاوة على انه يشوه المشهد العام ، فانه ينفر المستثمرين و يجعلهم يفكرون الف مرة قبل ان يقدموا على تنفيذ اي مشروع سياحي في هذه الجبال.
الحل المنتظر
يقول ابراهيم الفيفي: بعد ازمة مريرة مع المياه ومعاناة طويلة اعتمد الاهالي فيها كثيرا على مياه الامطار التي حيث قرر السكان انشاء خزانات للمياه ووضعوها على قارعة الطرق وعلى الطرق المسفلتة ليسهل على وايتات المياه تعبئتها وفعلا بدأنا بانشائها وفوجئنا بأن هيئة تطوير فيفاء تكتب عليها "هيئة تطوير فيفاء" علما بأن المواطنين هم من قاموا بوضعها على حسابهم الخاص ولاندري ماالهدف من ذلك حتى قام المواطنون بمسح تلك العبارات وكنا نقوم بتعبئتها عند الحاجة للمياه ورغم ذلك لم تكن كافية لسقيا الاهالي وبعد مطالبات عديدة من السكان تم اعتماد ميزانية خاصة لسقيا اهالي فيفاء بالمجان واسندت المهمة للبلدية للاشراف على مشروع السقيا وتم ترسية المشروع على مقاول لم يلتزم بالسقيا المنتظمة واستمرت المشكلة وتدخلت هيئة تطوير فيفاء ولكن لا فائدة . بقي الوضع على ماهو عليه فلم تكن مياه مشروع السقيا كافية لان تروي عطشنا .. ولم نقف مكتوفي الايدي فقد تقدمنا بشكاوى عديدة الى الجهات المختصة وضحنا لهم فيها بأن مياه السقيا لا تفي بالغرض.
عادت المياه لمجاريها
علي مسعود احد السكان يقول عن تلك الفترة: بعد أن كبرت المشكلة ولم تقف السقيا كحل امام مشاكل السكان مع المياه قامت الجهات المختصة بتحويل الاشراف على السقيا لفرع وزارة المياه بالمنطقة علها تصلح ما افسده الدهر واستبشرنا خيرا بذلك عسى ان يكون على يديها الحل فالمياه ادرى بالحلول ولكن دون فائدة. استمرت المشكلة كما هي ولم تفد جميع الحلول فسقيا خزاناتنا تكون بعد كل ثلاثة اشهر وهذا لا يشفي حاجتنا للماء ولايكفي لإنهاء المعاناة فعدد السكان يتجاوز الخمسين الفا والمنازل بها كثير من الاطفال والنساء. وقد تصل المشكلة ببعض المنازل اياما عديدة دون قطرة ماء مما يضطر رب الاسرة الى البحث عن وايت ماء باضعاف سعره اضافة الى ان هناك العديد من الاسر التي لاتستطيع دفع تكاليف وايت الماء.
مماطلة المتعهد
يقول فرحان الحكمي: تزايدت معاناة أهالي فيفاء من قلة مصادر المياه وارتفاع أسعارها نظرا لشح الأمطار على منطقة جازان منذ 3 أشهر. وزاد من معاناة الأهالي إهمال متعهد سقيا أهالي المنطقة بالمجان.
و أغلبية سكان فيفاء لم يحصلوا على حصتهم المجانية من المياه منذ أكثر من 8 أشهر وهي بمعدل صهريج لكل عائلة شهريا. وكان محدودو الدخل والفقراء والبعيدون عن الطرق العامة الأكثر تضررا من صعوبة الحصول على مياه للشرب، التي أصبحت تباع بأسعار باهظة جدا، لا تتناسب مع إمكانات معظمهم، الأمر الذي دفع البعض إلى جلب المياه من المستنقعات الراكدة.
أما المواطن عبدالله حسين، فقد أكد أن الأهالي وخاصة الفقراء أكثر تضررا من هذه الأزمة، حيث إنهم لم يحصلوا على حصتهم من المياه منذ سبعة أشهر.
ويقول على الفيفي إننا شكونا مرارا وتكرارا ولم يتجاوب أحد مع شكوانا.. ونحن في فيفاء في أمس الحاجة إلى الماء بعد أن فقدنا المصدر الأخير للماء من وادي ضمد بعد رش المبيد فيه من قبل فرق الإصحاح البيئي التي حذرتنا من جلب الماء من الوادي حتى تنتهي فترة فعالية السم.
اشراف المياه لم يكن حلا
اشراف المياه على مشروع سقيا اهالي فيفاء لم يكن حلا للمشكلة ذلك ما اجمع عليه السكان فيقول محمد احمد: استبشرنا خيرا بأن السقيا ستشرف عليها الجهة الخاصة بها فاشراف البلدية عليها قد كان سببا في تعاظم المشكلة ولكن سرعان ما نكتشف ان الامر كما هو والمشكلة قائمة رغم ذلك الحل الذي لم يجد فلك ان تتخيل ان وايت السقيا لانراه الا كل ثلاثة اشهر والكمية التي يصبها في خزاناتنا الخارجية لاتكفي لاسابيع عديدة ان لم يكن اسبوعا واحدا فقط وحتى الوايتات التي تستخدمها السقيا صغيرة للغاية لاتكفي حتى لملء عدد بسيط من الخزانات الخارجية فالامر اصبح صعبا للغاية
ويقول علي الفيفي: لا ارى اشراف جهة ما على مشروع السقيا هو الحل فكما رأينا عدة جهات اشرفت على المشروع ولكن دون فائدة والحل في ان يعمد المقاول المشرف على السقيا باضافة كميات كبيرة من المياه للخزانات الخارجية فالكمية المحددة لسقيا فيفاء لاتكفي لثلاثة اشهر وقد تستهلك في اسبوع واحد.
يحيى الفيفي يقول: تقدمنا بشكاوى عديدة على مشروع السقيا كونه لايفي بالغرض وكانت شكوانا توصم بأنها كيدية على القائمين بالمشروع ولتكون الشكوى مجدية تقدم اكثر من 700 شخص للجهات المختصة بان المياه لاتصب الا بعد ثلاثة اشهر وهذا لايكفي لسقيا فيفاء والذين تجاوز عددهم الخمسين الف نسمة اضافة الى ان الوايتات التي تقوم بالسقيا صغيرة لاتفي بالغرض وقوبلت الشكوى بالنفي . وان السقيا مستمرة وعلى مدى الاسبوع
المياه غير صالحه للشرب
ويضيف يحيى: حتى المياه التي نستخدمها غير صالحة للشرب وقد اثبتت التحاليل المخبرية بأنها لاتصلح للاستخدام ورغم معرفتنا التامة بذلك الا اننا نستخدمها فلا خيار لدينا ومنا من هم القادرون على شراء مياه الشرب الصحية واستخدام مياه الخزانات للغسيل فقط ومنا من لايستطيع شراءها لذلك تجد هناك عدد من الامراض المنتشرة في المنطقة جراء استخدام تلك المياه.
مياه الامطار
وكعادة اهل فيفاء لايقفون موقف المتفرج عند كل ازمة فهم دائما ما يبحثون عن ايجاد البديل لحل مشاكلهم فقد اوجدوا بديلا لمشروع السقيا او مساندا له كي يواجهوا بها ازمة المياه التي تعانيها الاسر هناك.
فيقول هادي الفيفي: لان الامطار مستمرة وهطولها طوال العام كان لابد لنا من استثمار هذا الكرم الالهي لصالحنا فقمنا بتجهيز اسطح المنازل وتفريغها ونظافتها وعمل انابيب من الاسطح الى خزانات خاصة بجوار المنازل حيث تتجمع كمية المياه المتساقطة من الامطار في الاسطح وتسريبها الى تلك الخزانات وكون المياه لا تصلح للشرب لوجود شوائب فيها قمنا بوضع مصفاه وهي كانت تستخدم في القديم تقوم بتنقية مياه الامطار ثم الى غرفة اخرى تقوم بعملية التنقية بشكل اكبر ثم منها الى الخزان الرئيسي للمنزل وبذلك نضمن كمية اضافية للمياه نواجه بها ازمة نقص المياه وسواء كانت العملية جيدة وصالحة للشرب ام لا فليس لنا البديل ولن تكون اسوأ حالا من مياه السقيا التي يتحدث الجميع بأنها غير صالحة للشرب خاصة بعد ان تكدس مرضى الفشل الكلوي على مستشفى فيفاء العام.
ويضيف هادي عن هذه الطريقة فيقول:
هذه الطريقة قد عمل بها اجدادنا من القدم وقد استمرت الى يومنا هذا .. فمياه الامطار هي الحل الوحيد لمواجهة ازمة المياه ولذلك نطالب المسؤولين بضرورة النظر الى مشكلة قلة المياه عند الاهالي وايجاد طرق بديلة ومصادر بديلة لمواجهة المشكلة ونحن على استعداد الى ان نتعاون مع الجهات المختصة لتذليل أي صعوبات . فالمياه مهمة للغاية وقد تكون هي المشكلة الاولى للسكان ونحن نتطلع من خلال فرع وزارة المياه الى ايجاد الحلول السريعة لايجاد وسائل اكثر امنا وسلامة على صحة السكان وتوفير كميات كبيرة من المياه فليس كل المواطنين في فيفاء قادرين على توفير المياه لانفسهم.
ويضيف علي فرحان: قد ساهمت الطرق التي فتحت بشكل واضح في إمكانية توفير المياه اللازمة لمساكن المواطنين فبعد أن كان توفير المياه من قبل من أشق الأعمال على المواطنين إذ كانوا يجلبونها من الاودية على ظهورهم أو ظهور دوابهم عبر ممرات ضيقة يسلكها المواطنون سيراً على الأقدام في سفوح هذه الجبال الوعرة اصبحت المياه في متناول اليد بعد شق الطرق التي وضع المواطنون على حوافها خزاناتهم لتقوم صهاريج هيئة تطوير فيفاء بتعبئتها بمياه الابار التي حفرتها في الوادي واستمرت تزود المواطنين بالمياه إلى أن سلمت هذه المهمة لبلدية فيفاءومن ثم الى فرع وزارة المياه ولكن رغم ذلك التقدم الا ان الحاجة لازالت مستمرة فنحن لازلنا نحتاج الى كميات اضافية فالكمية الموزعة حاليا لاتكفي السكان فالمياه تصب كل ثلاثة اشهر.
مشكلة شح المياه من المشاكل التي نفرت الكثير من المستثمرين عن المنطقة وباتوا يبحثون عن اماكن بديلة علما بأن غالبيتهم ينبهرون من جمال تلك الجبال وروعة المناظر الخلابة والطبيعية .. فقد فكر الكثيرون بانشاء شقق وفنادق سكنية لما تحظى به فيفاء من اقبال السياح خاصة في مواسم الصيف الا انه وبمجرد علمه بمشكلة شح المياه تراه يفر الى منطقة اخرى فاذا قام بمشروع كهذا يصبح عليه لزاما توفير كميات كبيرة من الماء للنزلاء وهذا قد يكلفه كثيرا فقيمة المياه التي سيجلبها من اسفل الجبل ستقلل من ارباحه .
تحلية الشقيق
حسن الفيفي احد السكان لخص مشكلة المياه متحدثا عن اسبابها والحلول المنتظرة فقال: لا يزال اهالي فيفاء ينتظرون توفر شبكة للمياه حيث سبق ان تقدمنا بعدة مطالبات وتفضل الملك فهد رحمه الله بمكرمته والتي تتمثل في تزويد اهالي فيفاء بمياه الشرب بواسطة الوايتات عن طريق بلدية فيفاء ريثما تصل شبكة المياه ثم تحولت في السنة الاخيرة الى وزارة الزراعة والجهات المختصة تقوم بتوريد ذلك عن طريق المقاولين والكميات التي تصل الى بعض الجهات من فيفاء لاتتناسب وعدد السكان فهي قليلة جدا مما يضطر مئات الاسر الى الانتظار شهورا حتى يصلهم ما يسد الرمق وهذه المياه ايضا ليست صالحة للشرب كونها مياه آبار.والحل كما يراه الاهالي هو ان تكون هذه المياه من محطة تحلية الشقيق اذا كانت مخصصة للشرب اما مطالبات فيفاء بشبكة مياه بشكل عام فقد سبق ان تقدم اهالي فيفاء بطلب تنفيذ مشروع شبكة مياه فيفاء الى وزير البلدية والقروية بهذا الخصوص وقيد لدى الوزارة برقم 6082 وكانت هناك مخاطبات بهذا الشأن ولانعلم ماذا تم في هذا المشروع حتى الان.وجميع الاهالي يتطلعون الى اليوم الذي تصل فيه المياه لمنازلهم اسوة بالمحافظات والمراكز.