العباءة السوداء.. عادة أم عبادة؟
فتوى المطلق تشعل الجدل القديم المتجدد: هل «الستر» محصور فيها؟
الأربعاء / 28 / جمادى الأولى / 1439 هـ الأربعاء 14 فبراير 2018 02:54
عبدالله الداني (جدة) AAAldani@
ظلت عباءة النساء محل جدل محتدم لا يهدأ منذ عقود في الأوساط الفقهية والمجتمعية بالمملكة، ويبدو أن فتوى عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق، التي أكد فيها عدم إلزام المرأة بلبس العباءة السوداء، نقلت الجدل إلى «مربع متقدم»، فبعد أن كانت نوعية العباءة (على الرأس أم الكتف) تأخذ حيز النقاش، أضحى الحوار عن مدى حقيقة وجوبها على المرأة المسلمة محور البحث، ودحرجت الفتوى السؤال الكبير «هل مفهوم ستر المرأة محصور في لبس العباءة السوداء»؟.
وعلى الرغم من أن رأي الشيخ المطلق ليس هو الأول من نوعه في الأوساط الفقهية في البلاد، إلا أن مصدر الفتوى حفز السعوديين على النقاش، ما دفع وعاظا مخالفين للشيخ المطلق إلى الذهاب لتفسير الفتوى بأنها دعوة لخلع الحجاب، ما دعاه إلى إصدار بيان توضيحي، أكد مجدداً على فتواه، ودحض تلك الاتهامات.
ويرى الفريق المخالف للمطلق أن الفتوى مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي، حتى أن عضو هيئة التدريس للمعهد العالي للقضاء عمر العمر وصف عبر حسابه في «تويتر» فتوى المطلق بـ«الزلة الواضحة المخالفة لأدلة الكتاب والسنة وهدي الصحابيات والفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء»، متمنياً أن يتراجع عن فتواه «فالرجوع إلى الحق فضيلة».
وانتقد المشرف العام على شبكة الإسلام العتيق عبدالعزيز الريس بيان المطلق التوضيحي قائلاً: «انتظرنا من الدكتور عبدﷲ المطلق كلاما صريحا لكنه للأسف أعاد الكلام وقرر أن الضابط هو الستر».
وأضاف عبر حسابه في «تويتر» أن الستر «ضابط واسع تدخل فيه الثياب والفساتين فلم يتكلم عن لبس الحجاب -الجلباب- الزائد على الثياب ولا عن حكم لبس ثوب بلا جلباب! والمحزن أنه في زمن ارتفاع أصوات الليبراليين ضد الحجاب».
في المقابل، اعتبر أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى الدكتور حاتم العوني أن ما ذهب إليه الشيخ المطلق «صحيح، كون المهم في لباس المرأة هو الستر»، مؤكداً أن ما أوجب الله ستره هو جميع جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين عند جمهور العلماء.
واشترط العوني في حديثه إلى «عكاظ» أن يكون الساتر ليس زينة في نفسه يلفت النظر، ولا شفافا، ولا ضيقا يحجم الجسد، لافتاً إلى أن اشتراط كونه أسود «غير صحيح». ووصف الفتاوى السابقة التي كانت تشترط وضع العباءة على الرأس وتحرم عباءة الكتف بـ«الفتاوى الباطلة شرعاً»، مضيفاً «كانت تلك الفتاوى للأسف تُفرض على المجتمع، رغم بطلانها، وكان من يُفتي بخلافها يُتهم في دينه أو علمه بالجهل، وأشكر الشيخ المطلق خروجه عن المعهود السائد بهذا القول التصحيحي».
من جهته، أكد الخبير بمجمع الفقه الاسلامي أستاذ السياسة الشرعية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسن سفر أن الحشمة جاءت في الشرائع السماوية، لافتاً إلى أن التشريع الإسلامي بين إدلاء الحجاب على النساء -أي عدم كشف المرأة ما يتعلق بمفاتنها- وأن المرأة اذا لبست الخمار أو العباءة تلبسها بحيث لا تكون فتنة.
وعزا سفر في حديثه إلى «عكاظ» ما يتعلق بألوان العباءة إلى «المجتمع والعادات والتقاليد في كل مجتمع»، مضيفاً «والذي ينبغي ألا يكون اللون جاذبا لرؤية أو ملفتا للنظر أو غريبا، لذلك ينبغي على الآباء والأزواج والنساء أن يراعوا حرمة ذلك للمحافظة على هذا الأمر الذي وجه به القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة».
وشدد سفر على ضرورة «الحشمة والستر» قائلاً: «جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على المرأة وصيانة حقوقها وما عليها من واجبات، وفي هذا الإطار بين الفقهاء أن المرأة يجب أن تكون مستورة أو ساترة أعضاءها بالكامل حتى لا تكون هناك مآخذ أو منظر للرجال عليها».
أما الباحث الشرعي رضوان الرضوان فأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة عندما تخرج إلى المساجد والمصليات وغيرها أن تخرج متسترة لابسة اللباس الذي يكون ساترا لها فضفاضا وأن يكون غير ملفت للنظر. وشدد الرضوان في حديثه إلى «عكاظ» على ضرورة أن يكون الحجاب من الألوان غير اللافتة للنظر، مبيناً أن أهل العلم يذكرون في شروط الحجاب أن يكون ساترا فضفاضا وألا يكون لونه ملفتا للنظر.
وعن اشتراط اللون الأسود في عباءة المرأة، قال الرضوان: «كان ذلك فعل بعض نساء الصحابة والسلف والصحيح، إنما المهم في ذلك أن يكون الحجاب ساترا فضفاضا، وليس هناك لون محدد خصوصا»، مستدركاً «هذا بالنسبة لأخواتنا في الخارج اللاتي يصعب عليهن لبس السواد، المهم ألا يلفت النظر».
وترى عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان سهيلة زين العابدين أن العباءة ليست شرطا لتحقيق الستر، معتبرة إياها «تقليدا لا تشريعا».
واستشهدت زين العابدين في حديثها إلى «عكاظ» بالصحابيات «لم يكن يرتدين العباءات»، مشيرة إلى أن المهم أن يكون جلبابا واسعا فضفاضا لا يبرز مفاتن الجسم ولا يلفت النظر، كما ينبغي أن يكون ساترا للجسم كله واليدين وطويلا وواسعاً.
وأكدت أنه ليس هناك شرط معين في لبس العباءة غير ما ذكر، وأن تحديد اللون الأسود فيه تضييق وتشديد على المرأة، متسائلة: هل نستطيع إلزام النساء في العالم كله بلبس العباءة السوداء؟ لو كان ذلك مطلوبا شرعا لارتدته نساء العالم الملتزمات في أنحاء العالم الإسلامي، ولكن هذا معروف لدينا في الخليج فقط، لأنه من العادات والتقاليد وليس من التشريع.
الكلباني: المهم تحقيق الستر
ولا يرى إمام المسجد الحرام سابقا الشيخ عادل الكلباني في حديثه إلى «عكاظ» اشتراط لون معين في حجاب المرأة، مشيرا إلى أن الأهم في ذلك تحقيق الستر، وأن يكون اللبس فضفاضا واسعا ولا يلفت النظر.
واعتبر الباحث الشرعي سعد بن غنيم فتوى الشيخ المطلق موافقة للشريعة، وأنها ليست بجديدة، مبدياً أسفه للهجوم الذي تعرض له الشيخ عبدالله من «بعض طلبة العلم».
وقال ابن غنيم لـ«عكاظ» إن كلام الشيخ عبدالله المطلق «صحيح، فالشرع لم ينزل بصفة معينة للباس المرأة بقدر ما وضع لها ضوابط من الكتاب والسنة، وهذه الضوابط أن يكون ساترا محتشما على أي صفة كانت».
ويرى أن ألبسة النساء تختلف بحسب اختلاف البلدان، لافتاً إلى وجود بلدان لا تلبس فيها النساء العباءات «وهن متسترات محتمشات بل إن لباسهن خير من بعض العباءات التي تلبسها بعض نسائنا في هذا البلد».
واستشهد بلباس المرأة في أفغانستان قائلاً: «نجد أن المرأة ترخي عليها جلبابا لا يمكن أن يكون عباءة، فلا هم يسمونه عباءة، ولا نحن كذلك، وليس هو كذلك من حيث اللغة، وهو لباس ساتر جدا».
وأكد ابن غنيم خروج النساء في وقت سابق لابسات «أردية على رؤوسهن دون أن يلبسن العباءة»، موضحاً «كنا نرى نحن الذين تجاوزنا الـ50 عاما أمهاتنا ونساء ذلك الوقت يخرجن للحرفة أو البستان أو الحديقة أو السوق بعضهن تلبس رداء على رأسها ولا تلبس عباءة، لأنه قد لا تناسب العباءة مهنتها، فإما أن تكون فلاحة تفلح وتحرث، أو تعتني بالبهائم وتحلب، وهذه لا يمكن أن يقال عنها إنها تلبس عباءة».
وشدد المحامي والباحث ابن غنيم على أنه لا يمكن إجبار النساء على لون أو نوع معين كعباءة أو غيرها، مستشهدا بما ورد في الحديث أن النساء كن يحضرن الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم «فينصرفن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من شدة الغلس»، والمُرْط معروف وهو الرداء الذي يلبسه الرجل والمرأة ويشتركان فيه بحيث يوضع على الرأس، وقد يجعله الرجل إزارا وهو ليس عباءة، فقد تلبسه المرأة على رأسها وتتلفع به وتغطي وجهها غطاء كاملا.
وأضاف «لهذا لا يعتب على الشيخ المطلق، فقد اشترط ما يشترطه الشرع وهو تحقيق الستر والحشمة، فبأي لباس أو لون تحققا فإن المرأة حققت مراد الله ورسوله، أما أن نقيدها بلون معين أو نشرط عليها لبس العباءة فهذا غير صحيح». وانتقد ابن غنيم من «قسا على الشيخ وأطلق عبارات لا تليق، فالشيخ المطلق من أعضاء هيئة كبار العلماء وهو من خيرة علماء العالم الإسلامي».
مفردة الستر بدلاً عن الحجاب
ويفضل الباحث الشرعي الداعية عبدالله فدعق استخدام كلمة الستر بديلا لكلمة الحجاب، معتبراً مفردة «الستر هي الأنسب وهي الأكثر دلالة على الحكمة من الحجاب، إذ إن الحكمة منه حماية المرأة وصونها، وفي الوقت نفسه حماية الرجل من ارتكاب أي محظور».
وقال فدعق في حديثه إلى «عكاظ» إن استعمال عبارة «الحجاب» شاع بين العلماء والعامة، وربما في إشاعة هذه الكلمة صرف عن المعنى الحقيقي لمفهوم الستر في الإسلام، ثقافة الستر هي التي ينبغي أن تشاع، فكم من امرأة قد نراها متحجبة ولكنها لم تلتزم بالستر، فمثلا تشد الزينة (الفستان) بزينة وهي العباءة، فتكون العباءة أكثر لفتا للنظر من الفستان الداخلي، وهذا لم يحقق الستر وإن حقق معنى الحجاب في الظاهر.
العلويط: «الستر» نسبـي مختلف
ويؤكد الباحث عبدالله العلويط أنه ليس هناك لباس محدد للمرأة في الإسلام، موضحاً «إنما كل ما من شأنه أن يستر المرأة عن الأجانب يعتبر لباسا ساترا، وهذا نسبي، ليس فقط يختلف من ثقافة إلى أخرى أو من زمن إلى آخر، بل حتى من حالة إلى أخرى ظرفية».
واعتبر العلويط في حديثه إلى «عكاظ» جعل الألبسة الشعبية المشتهرة أنها ألبسة شرعية «من الخطورة»، مضيفاً «حتى لو انطلقنا من فكرة أنها الأفضل أو الأستر أو أنه ما تعارف عليه المجتمع لأن فيه شبهة شرعنة وشبهة تشريع، ومن الخطأ بمكان إعطاؤها أي صبغة شرعية».