كتاب ومقالات

لكاعة الفساد

ملفي الرشيدي

يقول علماء الاجتماع أن الفساد مشكلة لَكيعة. وهذه الكلمة –على غرابتها- فصيحة وإن كانت لها اشتقاقات شعبية منتشرة. والمقصود بذلك أن الفساد مُعقد جدا؛ لا يمكن حله إلا جزئيا، يمكن التحكم به؛ ولكن ليس استئصاله نهائيا. ولأن هذه المشكلة ليست سهلة أبداً، بل إنها أصبحت تمثل كابوساً لدى كثير من المجتمعات في العالم، ففي استطلاعات رأي قام بها معهد جالوب لمصلحة BBC بين عامي 2011 و 2013 شمل أكثر من 80 دولة وشارك به نحو 100 ألف شخص عن أكثر المشاكل هماً ومناقشة حول العالم، خلصت الاستطلاعات إلى أن الفساد هو الهم المسيطر متقدماً على المجاعة الشديدة، البطالة، ارتفاع تكاليف الماء والغذاء، والتغير المناخي وحتى الإرهاب. ومن طرفة القول أن مصطلح الفساد حق للجميع! لهذا نجد أن الكل يتناوله من زاوية محددة أو من منظور خاص. فنجد هناك من يُصيغه على شكل معادلات رياضية أو اقتصادية، لعل من أبرزها معادلة روبيرت كليتجارد المشهورة للفساد، وهناك من يضعه في نماذج اجتماعية أو إدارية، إضافة إلى تعدُّد السياقات الثقافية والفكرية وحتى الدينية لهذا المصطلح. ويندرج ذلك على الإستراتيجيات المستخدمة في مكافحته، التي تتفاوت من بلد لآخر ومن ثقافة لأخرى. من الأمثلة المُعتبرة والطريفة في آن واحد ما حدث في البيرو في التسعينات حيث كانت إدارة الحركة والمرور هي الأكثر فساداً بحسب تقارير الحكومة وصندوق النقد الدولي، وكان الاقتراح هو توظيف نساء بشكل أكثر ومتدرج، وقد كانت النتيجة نجاح هذه السياسة بشكل كبير؛ بعد عقد من الزمن انخفضت مستويات الفساد، وتكرر الحال كذلك في المكسيك وبالنتائج نفسها. وهناك من فسر النتيجة بأن شبكات الفساد تتطلب وقتا طويلا حتى تتشكل وليس إلى جنس الموظف نفسه. الجميل في الأمر كذلك أنه توجد دراسات تجريبية علمية تدل على أن الحملات الموجهة لزيادة وعي المجتمع بماهية الفساد والدور الذي يمكن أن يقوم به المواطنون في مكافحة الفساد تُعتبر أكثر نجاحاً وأعظم فاعلية من تلك الحملات القائمة على مجرد إعلان النوايا بمعاقبة المتورطين في قضايا الفساد. لكن من المؤكد أن النجاح الأكبر يتحقق عندما يقترن الوعي المجتمعي بحملات حقيقية تتعدى مرحلة إعلان النوايا إلى الأفعال نفسها. ولعل الحملات الأخيرة التي تمت خلال الأشهر القليلة الماضية والمتوقع استمرارها أعادت كثيرا من الثقة إلى النفوس، وأدت كذلك إلى ابتعادنا عن أحد مفاهيم الفساد الخطيرة والتي تسمى «مُتلازمة الذئب الباكي» وهي تعويد الأشخاص على وعود مُكثفة بخصوص نتائج حملات الفساد دون وجود نتائج فعلية على أرض الواقع مما يؤدي إلى فُقدان الثقة في حملات لاحقة وبالتالي استفحاله. ولأن الطريق ليس مُعبداً –كما يبدو من الوهلة الأولى- لمكافحة الفساد، فإن الأمر لا يخلو من انتقادات حول مُمارسات هذه المؤسسات القائمة على مكافحة الفساد، وهي بالمناسبة انتقادات بدأت منذ نحو عقدين وتتركز بشكل كبير على التدخلات الخارجية وعلى تحولها إلى صناعة قائمة ومن ثمّ جماعات ضغط ومكنة للتوظيف وتعارض المصالح؛ بمعنى أن وجودها رهين بوجود الفساد. لهذا علينا أن لا نتردد في وصف الفاسد بأنه لكيع وكيع ووكوع لكوع لئيم. ففي نهاية المطاف، اللغة أحد أسلحتنا في المواجهة الشرسة مع الفساد.

Dr__Melfi@