من أين أتت فكرة الدعاء على الأعداء ؟
الاثنين / 26 / محرم / 1429 هـ الاثنين 04 فبراير 2008 20:16
عبدالله محمد الفوزان
الاعتياد على الشيء لا يعني بالضرورة أنه غير قابل للتساؤل والفحص والتمحيص حول مدى صحته ومدى مشروعية استمراره، وهل يتسق مع المنطق أم لا؟ وقضية الدعاء بالتدمير والهلاك على أعداء الدين التي اعتدنا سماعها في خطب الجمعة هي واحدة من القضايا التي تطرح نفسها على المفكرين والمثقفين وعلماء الشريعة في خضم مراجعة فحوى الخطاب الديني من أجل الوصول إلى فهم مستنير حول هذه القضية وتأصيلها في ضوء مقاصد وضوابط الشرع الاسلامي الحنيف. فهل يجوز شرعا الدعاء على أعداء الدين أصلا؟ ولماذا لم نسمع إطلاقا من بين الخطباء من يدعو لهم بالهداية؟ ومن أين أتت فكرة الدعاء على أعداء الدين؟ هل لها أصل في الشرع من منابعه الأصلية أم هي مجرد تقليد واستمرار لما ورثناه عن السلف؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالهداية؟ وأيهما الأصل الدعاء عليهم بالهلاك والتدمير أم الدعاء لهم بالهداية؟ وهل يشمل الدعاء على أعداء الدين كافة أعداء الدين؟ ومن هم أعداء الدين المقصودون بالدعاء؟ وأيهم يجوز الدعاء عليه؟ وما ضوابط الشريعة بهذا الخصوص؟.
تعلمون كما أعلم أن الاسلام جاء رحمة للعالمين ويهدف إلى هداية الناس جميعا وإخراجهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وتحويلهم من أعداء للدين إلى أتباع ومناصرين له ومدافعين ومنافحين عنه وناشرين له في أنحاء المعمورة.. هذا ما تعلمناه منذ نعومة أظفارنا عن ديننا الحنيف.. وهذا ما تعلمناه من آيات القرآن الكريم ومن نصوص الأحاديث النبوية وسيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.. إذن الإسلام يستهدف هداية غير المسلمين بمن فيهم أعداء الدين إلى الإسلام قال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. لكن المتأمل في بعض خطب الجمعة يجد أن هناك تناقضا صارخا بين قول بعض خطباء الجمعة في بداية خطبهم بأن الإسلام دين الرحمة والتسامح والعطف والمحبة والحوار والاحترام للناس أجمعين، وهو ما يتسق مع آيات القرآن الكريم ومنهج النبوة وبين ممارسات البعض في نهاية الخطبة من دعاء على أعداء الدين بالتدمير والهلاك، وكأن الدين خاص بنا كمسلمين دون غيرنا، متجاهلين أن الإسلام دين البشرية جمعاء وليس ملكا لأحد دون غيره وأن مسؤوليتنا ـ نحن المسلمين ـ تكمن أصلا في دعوة هؤلاء الأعداء إلى دين الله القويم بدلا من الدعاء عليهم. ولو افترضنا جدلا أن الله استجاب لدعائنا عليهم ودمرهم وأهلكهم ولم يتبق على وجه الأرض سوى المسلمين فمن أين لنا بأناس ندعوهم إلى دين الله ونكسب أجر هدايتهم؟
إذن الأصل في الإسلام أنه يستهدف هداية غير المسلمين بمن فيهم أعداء الدين إلى الإسلام، فلماذا إذن يدعو البعض عليهم بالتدمير والهلاك؟ أليس من الأولى الدعاء لهم بالهداية أولا إلى دين الحق بدلا من شحن النفوس ضدهم وتصوير الإسلام وكأنه عدو لكل من هو غير مسلم. فالاسلام جاء لهداية هؤلاء الأعداء ودعوتهم إليه وتلك هي مهمة الإنسان المسلم في هذه الحياة وليست مهمته أن يعادي هؤلاء ويقاطعهم ويبتعد عنهم ويستعدي المسلمين عليهم، وإلا كيف يدعو الإنسان المسلم الناس إلى الإسلام أصلا وهو في حالة معاداة وكره ومقاطعة وبغضاء وانعزال عنهم. وأعداء الدين هم أولى الناس بدعوتهم إلى الإسلام والدعاء لهم بالهداية كي يتحولوا من حالة العداء للإسلام والمسلمين إلى حالة القبول بالاسلام وممارسة شعائره والدفاع عنه ومؤاخاة المسلمين ونصرة قضاياهم. ألم يكن خليفة رسول الله وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدوا لدودا للدين، بل إنه كان من أشد أعداء الدين، قبل إسلامه ثم أصبح من أكثر المناصرين له والمنافحين عنه بعد إسلامه فقويت شوكة الإسلام والمسلمين؟ وأيضا ألم يكن الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه عدوا للدين قبل إسلامه وخاض معركة أحد ضد المسلمين وهزمهم بحنكته ودهائه لكنه بعد إسلامه دافع عنه وساهم في نشره ببسالة تفوق من سبقوه من الصحابة إلى الدخول في الإسلام؟ إذن ربما يصبح عدو الدين اليوم هو أكبر نصير له غدا.. فلماذا لا نقدم الدعاء لهم بالهداية إلى دين الله الحق بدلا من شهوة التدمير التي تعشعش في أذهان بعض الخطباء فيدعون عليهم بالهلاك والتدمير ويصورون ديننا الإسلامي الحنيف على أنه دين حقد وكراهية وبغضاء وهلاك وتدمير. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت هذه الحقيقة عمليا حين فتح مكة وانتصر على أعدائه وأعداء رسالته من المشركين الذين طردوه من حبيبته مكة وهجروه منها وحاربوه هو ورسالته وأصحابه بكافة الوسائل والطرق فحانت له فرصة تصفية الحسابات معهم والانتقام لرسالته ولنفسه ولأصحابه منهم، لكنه مع ذلك عفا عنهم بمقولته الشهيرة «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أليس من الأولى الاقتداء بنهج محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؟ أين هذه الصور الإنسانية الرائعة لدى نبي هذه الأمة من أذهان وعقول بعض خطبائنا اليوم الذين يبدأون خطبهم بتبيان رحمة الإسلام بالناس أجمعين ثم يختتمونها بعكس ما قالوا حين يستدعون كل مفردات الهلاك والتدمير ويرمون بها على أعداء الدين؟
إذن يجب أن يتسق الخطاب الديني مع مقاصد ديننا الحنيف وسيرة نبي هذه الأمة. فمجرد النقل من كتب التراث دون الرجوع إلى الأصل والمنبع المتمثل في القرآن الكريم ونهج نبينا صلوات الله وسلامه عليه في التعامل مع أعداء الدين هو خلل منهجي صريح يستدعي المراجعة والتصحيح.
الخلاصة؛ أن الإسلام جاء أصلا لهداية أعداء الدين ومطلوب من المؤمنين به دعوة أعدائه للدخول فيه والدعاء لهم بالهداية إليه بدلا من صب اللعنات عليهم وتمني الهلاك والدمار لهم.
Dr_fauzan_99@hotmail.com
تعلمون كما أعلم أن الاسلام جاء رحمة للعالمين ويهدف إلى هداية الناس جميعا وإخراجهم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وتحويلهم من أعداء للدين إلى أتباع ومناصرين له ومدافعين ومنافحين عنه وناشرين له في أنحاء المعمورة.. هذا ما تعلمناه منذ نعومة أظفارنا عن ديننا الحنيف.. وهذا ما تعلمناه من آيات القرآن الكريم ومن نصوص الأحاديث النبوية وسيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.. إذن الإسلام يستهدف هداية غير المسلمين بمن فيهم أعداء الدين إلى الإسلام قال تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. لكن المتأمل في بعض خطب الجمعة يجد أن هناك تناقضا صارخا بين قول بعض خطباء الجمعة في بداية خطبهم بأن الإسلام دين الرحمة والتسامح والعطف والمحبة والحوار والاحترام للناس أجمعين، وهو ما يتسق مع آيات القرآن الكريم ومنهج النبوة وبين ممارسات البعض في نهاية الخطبة من دعاء على أعداء الدين بالتدمير والهلاك، وكأن الدين خاص بنا كمسلمين دون غيرنا، متجاهلين أن الإسلام دين البشرية جمعاء وليس ملكا لأحد دون غيره وأن مسؤوليتنا ـ نحن المسلمين ـ تكمن أصلا في دعوة هؤلاء الأعداء إلى دين الله القويم بدلا من الدعاء عليهم. ولو افترضنا جدلا أن الله استجاب لدعائنا عليهم ودمرهم وأهلكهم ولم يتبق على وجه الأرض سوى المسلمين فمن أين لنا بأناس ندعوهم إلى دين الله ونكسب أجر هدايتهم؟
إذن الأصل في الإسلام أنه يستهدف هداية غير المسلمين بمن فيهم أعداء الدين إلى الإسلام، فلماذا إذن يدعو البعض عليهم بالتدمير والهلاك؟ أليس من الأولى الدعاء لهم بالهداية أولا إلى دين الحق بدلا من شحن النفوس ضدهم وتصوير الإسلام وكأنه عدو لكل من هو غير مسلم. فالاسلام جاء لهداية هؤلاء الأعداء ودعوتهم إليه وتلك هي مهمة الإنسان المسلم في هذه الحياة وليست مهمته أن يعادي هؤلاء ويقاطعهم ويبتعد عنهم ويستعدي المسلمين عليهم، وإلا كيف يدعو الإنسان المسلم الناس إلى الإسلام أصلا وهو في حالة معاداة وكره ومقاطعة وبغضاء وانعزال عنهم. وأعداء الدين هم أولى الناس بدعوتهم إلى الإسلام والدعاء لهم بالهداية كي يتحولوا من حالة العداء للإسلام والمسلمين إلى حالة القبول بالاسلام وممارسة شعائره والدفاع عنه ومؤاخاة المسلمين ونصرة قضاياهم. ألم يكن خليفة رسول الله وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدوا لدودا للدين، بل إنه كان من أشد أعداء الدين، قبل إسلامه ثم أصبح من أكثر المناصرين له والمنافحين عنه بعد إسلامه فقويت شوكة الإسلام والمسلمين؟ وأيضا ألم يكن الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه عدوا للدين قبل إسلامه وخاض معركة أحد ضد المسلمين وهزمهم بحنكته ودهائه لكنه بعد إسلامه دافع عنه وساهم في نشره ببسالة تفوق من سبقوه من الصحابة إلى الدخول في الإسلام؟ إذن ربما يصبح عدو الدين اليوم هو أكبر نصير له غدا.. فلماذا لا نقدم الدعاء لهم بالهداية إلى دين الله الحق بدلا من شهوة التدمير التي تعشعش في أذهان بعض الخطباء فيدعون عليهم بالهلاك والتدمير ويصورون ديننا الإسلامي الحنيف على أنه دين حقد وكراهية وبغضاء وهلاك وتدمير. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت هذه الحقيقة عمليا حين فتح مكة وانتصر على أعدائه وأعداء رسالته من المشركين الذين طردوه من حبيبته مكة وهجروه منها وحاربوه هو ورسالته وأصحابه بكافة الوسائل والطرق فحانت له فرصة تصفية الحسابات معهم والانتقام لرسالته ولنفسه ولأصحابه منهم، لكنه مع ذلك عفا عنهم بمقولته الشهيرة «اذهبوا فأنتم الطلقاء». أليس من الأولى الاقتداء بنهج محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه؟ أين هذه الصور الإنسانية الرائعة لدى نبي هذه الأمة من أذهان وعقول بعض خطبائنا اليوم الذين يبدأون خطبهم بتبيان رحمة الإسلام بالناس أجمعين ثم يختتمونها بعكس ما قالوا حين يستدعون كل مفردات الهلاك والتدمير ويرمون بها على أعداء الدين؟
إذن يجب أن يتسق الخطاب الديني مع مقاصد ديننا الحنيف وسيرة نبي هذه الأمة. فمجرد النقل من كتب التراث دون الرجوع إلى الأصل والمنبع المتمثل في القرآن الكريم ونهج نبينا صلوات الله وسلامه عليه في التعامل مع أعداء الدين هو خلل منهجي صريح يستدعي المراجعة والتصحيح.
الخلاصة؛ أن الإسلام جاء أصلا لهداية أعداء الدين ومطلوب من المؤمنين به دعوة أعدائه للدخول فيه والدعاء لهم بالهداية إليه بدلا من صب اللعنات عليهم وتمني الهلاك والدمار لهم.
Dr_fauzan_99@hotmail.com