النقد والمنقود
السبت / 08 / جمادى الآخرة / 1439 هـ السبت 24 فبراير 2018 02:33
عمرو العامري *
يتجاوز الكثيرون من النقاد النص أو المعطى الأدبي نحو البحث عن ذاتية النص ومدى قربه أو بعده مع حياة القاص أو الراوي «السارد» أو حياة الأشخاص الذين يفترض الناقد أن المبدع كتب عنهم.
وكلما كان الناقد على معرفة أو دراية شخصية بالمبدع أو بمحيطه أسرف في البحث عن هذه الذاتية، تاركا النص الأدبي «موضوع القراءة» ومفتشا عن مفاتيح أخرى «شخصية أو نفسية أو ذاتية» تتعلق بالكاتب وليس بما كتب.
وسنتفهم هذا لو كان الناقد ملما بأسس علم النفس أو المدارس النقدية النفسية وطبق قراءات النقاد أو المحللين النفسيين «فرويد، لاكان، إدلر، شارل مرورن» وغيرهم على النص الأدبي كنص و«فكك» شفراته اللاواعية والمتوارية عبر اللغة الموجودة داخل النص الأدبي، غير أن ما يحدث هو انصراف الناقد «وأحيانا حتى القارئ العادي» عن النص ومحاولة التنقيب في حياة الكاتب أو المبدع وفي محاولة لتجريده من إبداعه بزعم النقد. ما هو مؤكد أنه يوجد في حياتنا كلنا «وبدون استثناء» حكايات حب ونجاحات وإخفاقات وفضائحيات وأسرار ومخفي ومنطوق وغيره، لكن المبدع وحده هو من يستطيع التقاط وتوظيف وكتابة هذه العوالم في نص أدبي، سواء قصة أو رواية، قريبة منه أو من محيطه.
وهذا ما يميز المبدع عن الإنسان العادي والذي يمر على هذه التفاصيل كمعاش ومكرر يومي لا يلفت الانتباه ولا يمكنه تجسيدها إبداعيا.
ذات مرة سئل همنغواي إن كانت شخصيات رواياته هي شخصيات واقعية أجاب بما معناه: «لو أجبت بنعم فسأقضي بقية حياتي في المحاكم مترافعا عن ما سيلحق بي من تهم».
إذن فالمبدع عندما يبدع لا يخلق من فراغ ولا يلتقط عوالمه من المريخ ولكن من حياته ومحيطه ومجتمعه ويأتي تميزه وقدرته على وضع هذا العوالم في قالب أدبي مقنع.
ذكرت الأستاذة زينب غاصب في أحد اللقاءات الثقافية أنها قالت لعبده خال: أليست فلانة في روايتك هي فلانة التي كانت معنا في الحارة؟
وما كان من عبده خال إلا أن قال لها: «أسسس».
طبعا أي قارئ غير زينب (التي تعرف عبده شخصيا) لن يسأل هذا السؤال وسيقرأ الرواية كنص إبداعي متخيل ومنفصل عن الراوي، مخضعا النص لقيم جمالية دون أن يسأل من هي فلانة ومن هو فلان.
وما أود قوله هنا هو أن قدرة وإبداع واختلاف عبده خال على خلق هذه العوالم وتوظيفها وإخراجها في نص أدبي أو روائي هو ما جعل منه ساردا كبيرا وإلا فحياتنا جميعا لا تختلف عن حياة عبده خال عدا في التفاصيل لكننا لسنا رواة كعبده.
وهكذا يفعل كل المبدعين.
إذن على النقاد أن يتوقفوا عن البحث في ما إذا كان النص الأدبي حقيقياً أو متخيلاً. وليكن النص هو ميدان أدواتهم النقدية وقراءاتهم وإلا فقد تجاوزوا النقد وذهبوا نحو المنقود.
الملفت أن الشاعر مغفور له أن يكتب ألمه وخيباته ودون أن يُتهم بأنه ذاتي، وسيُقرأ ما كتب كنص إبداعي ولن يطلب أحد منه أن يكتب عن متخيل.
إذن لماذا السارد غالبا هو الموضوع على مشرحة تهمة الذاتية؟
السبب هو أن ناقدا ما قال ذلك ذات يوم ثم قلده البقية مستنسخين بعضهم في نماذج مكررة مساحتها صفحات الجرائد وموائد الدعوات الثقافية المتكررة.
ويا أيها المبدعون فقط اكتبوا وارفعوا لافتة: موت الناقد بدلا عن موت المؤلف.
* روائي سعودي
وكلما كان الناقد على معرفة أو دراية شخصية بالمبدع أو بمحيطه أسرف في البحث عن هذه الذاتية، تاركا النص الأدبي «موضوع القراءة» ومفتشا عن مفاتيح أخرى «شخصية أو نفسية أو ذاتية» تتعلق بالكاتب وليس بما كتب.
وسنتفهم هذا لو كان الناقد ملما بأسس علم النفس أو المدارس النقدية النفسية وطبق قراءات النقاد أو المحللين النفسيين «فرويد، لاكان، إدلر، شارل مرورن» وغيرهم على النص الأدبي كنص و«فكك» شفراته اللاواعية والمتوارية عبر اللغة الموجودة داخل النص الأدبي، غير أن ما يحدث هو انصراف الناقد «وأحيانا حتى القارئ العادي» عن النص ومحاولة التنقيب في حياة الكاتب أو المبدع وفي محاولة لتجريده من إبداعه بزعم النقد. ما هو مؤكد أنه يوجد في حياتنا كلنا «وبدون استثناء» حكايات حب ونجاحات وإخفاقات وفضائحيات وأسرار ومخفي ومنطوق وغيره، لكن المبدع وحده هو من يستطيع التقاط وتوظيف وكتابة هذه العوالم في نص أدبي، سواء قصة أو رواية، قريبة منه أو من محيطه.
وهذا ما يميز المبدع عن الإنسان العادي والذي يمر على هذه التفاصيل كمعاش ومكرر يومي لا يلفت الانتباه ولا يمكنه تجسيدها إبداعيا.
ذات مرة سئل همنغواي إن كانت شخصيات رواياته هي شخصيات واقعية أجاب بما معناه: «لو أجبت بنعم فسأقضي بقية حياتي في المحاكم مترافعا عن ما سيلحق بي من تهم».
إذن فالمبدع عندما يبدع لا يخلق من فراغ ولا يلتقط عوالمه من المريخ ولكن من حياته ومحيطه ومجتمعه ويأتي تميزه وقدرته على وضع هذا العوالم في قالب أدبي مقنع.
ذكرت الأستاذة زينب غاصب في أحد اللقاءات الثقافية أنها قالت لعبده خال: أليست فلانة في روايتك هي فلانة التي كانت معنا في الحارة؟
وما كان من عبده خال إلا أن قال لها: «أسسس».
طبعا أي قارئ غير زينب (التي تعرف عبده شخصيا) لن يسأل هذا السؤال وسيقرأ الرواية كنص إبداعي متخيل ومنفصل عن الراوي، مخضعا النص لقيم جمالية دون أن يسأل من هي فلانة ومن هو فلان.
وما أود قوله هنا هو أن قدرة وإبداع واختلاف عبده خال على خلق هذه العوالم وتوظيفها وإخراجها في نص أدبي أو روائي هو ما جعل منه ساردا كبيرا وإلا فحياتنا جميعا لا تختلف عن حياة عبده خال عدا في التفاصيل لكننا لسنا رواة كعبده.
وهكذا يفعل كل المبدعين.
إذن على النقاد أن يتوقفوا عن البحث في ما إذا كان النص الأدبي حقيقياً أو متخيلاً. وليكن النص هو ميدان أدواتهم النقدية وقراءاتهم وإلا فقد تجاوزوا النقد وذهبوا نحو المنقود.
الملفت أن الشاعر مغفور له أن يكتب ألمه وخيباته ودون أن يُتهم بأنه ذاتي، وسيُقرأ ما كتب كنص إبداعي ولن يطلب أحد منه أن يكتب عن متخيل.
إذن لماذا السارد غالبا هو الموضوع على مشرحة تهمة الذاتية؟
السبب هو أن ناقدا ما قال ذلك ذات يوم ثم قلده البقية مستنسخين بعضهم في نماذج مكررة مساحتها صفحات الجرائد وموائد الدعوات الثقافية المتكررة.
ويا أيها المبدعون فقط اكتبوا وارفعوا لافتة: موت الناقد بدلا عن موت المؤلف.
* روائي سعودي