كتاب ومقالات

نار على علَم

أشواك

عبده خال

كما أقول -وسأقول- تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى أداة ضغط على الجميع، وعلى أي نشاط ترفيهي اجتماعي، ومن المهم جداً أن تكون هناك قنوات تمثل المجتمع في مطالبتها بما يحقق رغبات الناس، وهذه القنوات تكون مؤسسات لها منظومة وأهداف وتخضع لقانون وأنظمة البلد وتعرض نفسها للعقوبة إن هي زورت أو ادعت ما ليس صحيحاً.. إلا أن مواقع التواصل ليست جهة موثوقاً بها، إذ يمكن لأي غرٍّ التغريد وفق عمره الصغير غير المدرك لما يحدث وتغيب عنه مسائل جمّة، أو شخص مصاب بصدمة التغيرات الاجتماعية المتلاحقة، كما مكّنت هذه المواقع المندسين المحرضين والباحثين عن خلق تذمر اجتماعي من خلال تصوير أي حدث على أنه فجور وفسوق وكيف لبلد الحرمين أن يحدث به هذا الحدث أو ذاك.. مستخدمين في ذلك وسائل غير شريفة لنقل الخبر أو الحدث كأن يتم إسقاط أحداث ومشاهد لم تكن في أي مناسبة داخل البلد على أنها مأخوذة من قلب الحدث.

وفي اليومين الأخيرين قفز هاشتاق أزياء في المدينة المنورة إلى الترند، شارك فيه خلق كثير غلب على آرائهم التشدد والجنوح إلى الغضب كونهم شاهدوا عرضاً لا يتسق معهم ومع تربيتهم، بينما المشاهد المنسوبة للحفل لم تحدث بالبلد، وإنما تم إقحامها من عروض أزياء خارجية، وأضيف لهذا التزييف ادعاء أن العرض حضره الرجال، بينما حقيقة ما حدث أن المناسبة أقيمت داخل فندق وتحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية وترعاها شخصية محترمة جداً، وأن ريع هذا العرض سيذهب إلى مرضى التوحد..

وبمقدرة (الأفاقين) قيل ما لا يقال، وتحركت عجلة المحرضين لدفع المغردين للتطاول على كل شيء ودفع الناس إلى التشنج في فوضى محمومة وألسنة حداد... ولأن الهدف تحريضي فقد دخلت حسابات من خارج البلد، ونشطت قنوات محسوبة على جماعة الإخوان في سكب الزيت على النار، وفي المحصلة كان التحريض على البلد بساستها وعلمائها ومؤسساتها حاضراً..

وعادة الغاضب لا يستطيع إصدار حكم في القضية المنظورة، ولأن المغردين غاضبون (فقط غاضبون) وصلت إليهم معلومة خاطئة فحدث أن انساقوا لتصديق المغالطات، ولم يتحرزوا من قول ما لا يليق بالإنسان العاقل.

ولأن لدينا تاريخاً يحرِّم بعض الفنون ويدخلها في باب الفسوق والفجور كالسينما والنحت والآثار والموسيقى والغناء غدت هذه الفنون مجالاً صاخباً لإثارة المجتمع الذي لايزال حديث عهد بكثير من تلك الممارسات الاجتماعية كحدث لم يألفه الكثيرون.. ولأن السينما مثلاً حُرِّمت على خلفية أنها تبث الفساد فقد ظللنا سنواتٍ طوالاً في تحريمها، وعندما تقدم الزمن عرف بعض من المحرمين أهمية السينما كأداة مؤثرة في الناس.. ولأن الأزياء لها سمعة سيئة في أذاهننا تم خلط المفاهيم وإدخال مشاهد لأزياء لا يمكن لها أن تحدث بالبلد على أنها حدثت.. ومن يشاهد أولئك العارضات على أنهن سعوديات تمايلن وتراقصن وظهرن بفساتين عارية يبصم بالعشرة أن ذلك لم يحدث في المدينة، لكن المحرض لا يريد إلا إثارة الفتن، وقلة من المغردين تنبهوا للأمر لكن كثافة الغاضبين والمحرضين غيّبت حقيقة عرض الأزياء الذي حدث في المدينة.