الانطلاق نحو العالم تحقيقاً لمصالحنا العليا أولاً
الثلاثاء / 25 / جمادى الآخرة / 1439 هـ الثلاثاء 13 مارس 2018 02:11
هاشم عبده هاشم
•• في السياسة، كما في العلاقات الدولية.. فإن الأولوية المطلقة تكون للمصالح المشتركة العليا بين الدول، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى الحاكمة.. مثل الجغرافيا.. والثقافة.. والإرث التاريخي.. والمتغيرات الآنية.
•• وقد يتحقق الجمع بين هذه العوامل في العلاقات بين الدول وإن ندر ذلك في هذا العصر على وجه التحديد.
•• والمملكة العربية السعودية وإن أعطت الجوانب القيمية أهمية قصوى في بناء علاقاتها مع الدول الأخرى في وقت من الأوقات.. إلا أن الظرف التاريخي الراهن الذي تمر به الدول والمجتمعات حتم هذا التغيير الذي نراه الآن في التعامل السعودي مع الدول الأخرى.. داخل وخارج الإقليم.. لسبب موضوعي فرضته الأخطار والتحديات الراهنة من جهة.. ونظرة أصحاب القرار المستقبل نظرة شمولية.. وبالذات من الناحيتين الاقتصادية والأمنية..
•• وكان من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ومنذ أصبح قوة فاعلة داخل النظام السياسي قد انتبه إلى مشكلة الاعتماد الكلي لهذه البلاد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني.. وكان يؤرقه أن تتحول هذه البلاد إلى دولة فقيرة.. بعد أن كانت في يوم من الأيام من بين الدول الأغنى في العالم.. وكان شعبها يتمتع بموفور العيش وتمام الأمن والاستقرار.. وكانت فيه فوائض الميزانية السنوية بآلاف المليارات والسبب في كل ذلك هو.. توقف المورد الوحيد عن الضخ بعد أقل من 20 سنة من الآن.. وعدم وجود موارد أخرى تحل محله.. وتحافظ على المستوى المقبول من العيش للمواطن.. ومن السلامة الكافية للوطن..
•• هذا الهاجس المخيف هو الذي غيَّر المعادلة.. وجعلنا نقبل التحدي.. ونتحمل بعض الصعاب التي قد نواجهها اليوم لبعض الوقت تفادياً لوقوع الأخطر في المستقبل القريب..
ظروف ولادة رؤية 2030
•• وفي هذا الإطار ولدت رؤية (2030) بالكثير من التركيز الشديد على الوضع الاقتصادي العام.. بهدف إحداث التحول الشامل الذي نسعى إليه.. ونروم الوصول إليه..
•• لكن العمل الاقتصادي - في معايير بناء الدول وتعزيز مصادر القوة فيها - لم يكن هو الهدف والغاية فقط.. وإنما الأمان الدائم والاستقرار الشامل بكل جوانبه هو المبتغى النهائي.. وذلك أوجب تحركاً سياسياً رفيع المستوى بدأه الأمير محمد بن سلمان.. بزيارة الشقيقة مصر العربية.. وأرسى قواعد مهمة لتحرك عربي وإقليمي واسع في المرحلة القادمة، سوف تظهر نتائجه المبكرة بعد إعادة انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة ثانية بعد السادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر مارس الجاري..
•• هذه الركيزة الأولى في إعادة بناء التحالفات العربية والإقليمية والدولية.. تبعتها زيارة سموه الأولى للمملكة المتحدة «بريطانيا» أيام الأربعاء والخميس والجمعة الماضية بعد تسلمه مقاليد ولاية العهد.. وقابل خلالها الملكة إليزابيث الثانية ورئيسة الوزراء «تيريزا ماي» لمرتين وكلا من وزير الخارجية «بوريس جونسون» ووزير الدفاع «غافين ويليامسون» إضافة إلى لقائه الأمير«تشارلز» وزيارته الكنيسة البريطانية ولقائه رئيس الأساقفة «جاستن ويلبي» وعددا آخر من الوزراء والمختصين.. ورؤساء بعض الشركات البريطانية الكبرى.
•• إلى جانب ترؤسه ورئيسة الوزراء «مجلس الشراكة الإستراتيجية» بين البلدين والإعلان عن تأسيسه.. إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العلاقات المحورية بين المملكة وبريطانيا.. بعد أن اعترى هذه العلاقات شيء من الفتور في الآونة الأخيرة.. لأسباب كثيرة ليس هذا مجال أو وقت الإشارة إليها..
أهمية قصوى للزيارة لماذا؟
•• وكما قلت في البداية.. فإن الأمير محمد بن سلمان انطلق إلى الخارج بعد أن فرغ من بناء إستراتيجية العمل من أجل المستقبل.. وبدأ بتنفيذها في الجانب الداخلي.. وبالذات في ما يتعلق بالآتي:
• أولاً: العمل بقوة على تفكيك ثقافة التشدد والانغلاق.. وفتح جميع الآفاق أمام المجتمع وتوفير مناخات حياتية جديدة.. وطبيعية كانت في وقت من الأوقات في عداد المحرمات أو المسكوت عنها - على الأقل -.
• ثانياً: دمج المرأة في المجتمع.. ومنحها العديد من الحقوق التي كانت محرومة منها في ظل سيادة مفاهيم وأعراف مغلوطة لأجيال طويلة ومتعاقبة.. لتصبح في المستقبل القريب عنصراً فاعلاً.. ومؤثراً.. وشريكاً حقيقياً وكاملاً في بناء الوطن وتنميته..
• ثالثاً: العمل - بقوة - على إغلاق منافذ الفساد للحفاظ على المال العام.. وتوظيفه التوظيف الأمثل تحقيقاً للتنمية المستدامة.. وتوفيراً لمصادر التمويل للمشاريع العملاقة المعلن عنها حتى الآن والتي يجري العمل على إنجازها في الوقت الراهن.
• رابعاً: التوجه نحو الطرح لـ 5% من أرامكو السعودية في الأسواق المحلية والعالمية توسيعاً لدوائر الانتفاع بمردودات هذه الثروة.. وتوليد صناعات ضخمة قائمة عليها بالتعاون مع شركة سابك.. وبناء استثمارات داخلية وخارجية ضخمة في مجالات عدة.
• خامساً: السعي الحثيث لزيادة قدرة القطاع الخاص على النهوض بدور رئيس ومحوري في المرحلة القادمة وأخذ نصيبه من الاستثمارات المحلية والخارجية المطروحة بتقديم المزيد من الدعم والمؤازرة.. والتشجيع للتغلب على عوامل الخوف والانكماش والتراجع.. وتبني توجهات الدولة الحيوية نحو نقل الكثير من مهامها ووظائفها المركزية إلى هذا القطاع في ظل التغيير الجذري والمحوري لسياساتها بالانتقال من الدولة الرعائية الحاضنة إلى الدولة المخططة والداعمة والمعينة لهذا القطاع للاضطلاع بمسؤوليات العمل على تحقيق التنمية الشاملة وحصد أضخم المكاسب في المستقبل.
• سادساً: الشروع في تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية الضخمة ذات الأبعاد الثقافية.. وتنمية السياحة والحفاظ على التراث.. كما هو الحال في مشروعي «القدية» بالرياض والمناطق التراثية المحيطة بمنطقة المدينة المنورة.. وكذلك مشروع «نيوم» ذي الأبعاد المستقبلية.. والإستراتيجية في شمال المملكة وجزء من الأراضي المصرية والأردنية تجسيداً للتوجهات الجديدة نحو منظور جديد للعلاقات بين دول المنطقة ليقوم على أسس خلاَّقة تجمع بين النواحي الاقتصادية والأمنية والمنافع التجارية والسياحية بعيدة المدى..
هذا المشروع المهم سوف لن يغير طبيعة الحياة في المملكة العربية السعودية.. فقط.. وإنما في المنطقة بأسرها.. لأنه سوف يشكل نقلة نوعية كبيرة في الإقليم (أولاً) وقبل كل شيء..
• سابعاً: تأمين المؤسسة العسكرية.. من الداخل بقوة وذلك بالتوجه الجاد نحو توطين صناعة السلاح في مدى زمني قصير..
وكذلك بإحداث تغييرات جذرية في هيكل وزارة الدفاع.. لتحمل أعباء المرحلة القادمة والاستعداد للدخول في نقلة نوعية كبيرة في امتلاك كافة مصادر القوة المؤثرة.. والرادعة توفيراً لكافة أسباب السلامة للداخل السعودي بمواجهة كل الأعداء.. وكل الأخطار.. وكل الاحتمالات الواردة وغير الواردة..
• ثامناً: التخطيط الجاد لعملية تعليمية جذرية.. تشمل التعليم العام والتعليم الجامعي والتعليم الفني.. وتعُطي البلاد المخرجات التي تلبي احتياجات وطموحات مرحلة ما بعد التغيير.. وتوجد أجيالاً جديدة وقادرة على تحمل المسؤولية وقادرة على الخلق والابتكار ومتحررة من كل أنماط الفكر المتخلف.. ومجاراة التطور العلمي المذهل في المستقبل.
•• وهناك المزيد من الإصلاحات والمشاريع والبرامج والتوجهات التي لم يعلن عنها بعد.. وكلها تصب في قناة الوطن الحلم.. وتعمل على إعادة بنائه وتعزيز قدرته على البقاء والاستمرار في عالم يركض نحو مزيد من المعجزات ولا يقبل التوقف عند حد..
والتحرك باتجاه الخارج لماذا؟
•• وعندما يبدأ تحرك الأمير محمد بن سلمان نحو الخارج في هذا الوقت بالذات.. فإنه يدخل بزيارته الأخيرة للعاصمة البريطانية.. مرحلة التنفيذ لرؤية (2030) في جانبها الخارجي.. بكل ما تحتاج إليه من روافد وما تستدعيه من شراكات ذات أبعاد إستراتيجية غير عادية.. تتجاوز حدود المكان والزمان.. وتنظر إلى المستقبل البعيد من جميع الجوانب..
•• والسؤال المهم الذي يفرض نفسه الآن هو: لماذا بريطانيا.. وبريطانيا على وجه التحديد..؟
•• والإجابة على هذا السؤال تتمثل في الآتي:
• أولاً: أن بريطانيا دولة موثوق بها.. وتوفر مستويات عليا من الأمان لاستثماراتنا معها بالقدر الذي نوفره نحن في بلدنا لاستثماراتها واستثمارات الدول الأخرى.
كما أنه ليس في أنظمتها وقوانينها ما قد يعرض مصالحنا للخطر كما هو الحال في دول أخرى.
• ثانياً: أن خروج بريطانيا من منظومة دول السوق الأوروبية المشتركة يجعلها بحاجة إلينا أكثر من أي وقت مضى.. وأن علينا أن نتجاوب معها.. وأن نستثمر كل فرصة وكل جانب وكل مصدر من مصادر القوة لديها لتلبية احتياجاتنا بالحد الأعلى من الجودة ومن التسهيلات أيضاً..
• ثالثاً: أن الأصدقاء البريطانيين مستعدون لتلبية كل ما نطلبه منهم.. سواء في الجانب العسكري والأمني أو الجوانب المالية والاقتصادية ودون تردد.. وبمرونة كافية.. في وقت نتجه فيه نحن هنا في المملكة لبناء قوة دفاعية خلاقة وضاربة وقادرة على الردع.. وتأمين الاستقرار لنا ولجيراننا بل وللمنطقة أيضاً.
• رابعاً: أن لدى البريطانيين الكثير من الخبرات.. والتجارب.. والطاقات الهائلة التي يمكن أن نستفيد منها في المرحلة الراهنة.. وفي المجالات كافة بما فيها المجالات الفنية.. والصحية.. والبيئية.. والتعليمية.. والثقافية.. والإعلامية..ومجالات أخرى فصلها البيان المشترك بدقة.
• خامساً: أن البريطانيين مستوعبون لحقيقة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة ونحن جزء منها بفعل التدخلات الإيرانية السافرة في شؤون دول المنطقة كافة.. وليس فقط في لبنان وسورية والعراق.. وليبيا.. والصومال.. واليمن.. وأنهم مستعدون لمواجهة كافة الأخطار المترتبة على تلك السياسات الإيرانية العدوانية.. وقد كانوا واضحين معنا في جميع الاتصالات.. بل وأكثر وضوحاً وأشد التزاماً في الوقوف إلى جوارنا.. وتخليص منطقتنا من خطر الإيرانيين بالصورة التي تكفل أمن وسلام المنطقة واستقرارها.. بصرف النظر عن التزاماتهم المترتبة على التوقيع مع إيران على الاتفاقية النووية.. لأنهم يرفضون الخروج بهذا الاتفاق عن أهدافه الأساسية القائمة على حفظ الأمن والسلام والاستقرار في العالم وليس تسخيره لتهديد هذه الدولة أو تلك.
• سادساً: أن بريطانيا تدعم دول التحالف العاملة في اليمن على دعم الشرعية والساعية إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة ولا سيما القرار 2216 وبقية القرارات ذات الصلة.. وأنها تشاركنا الرأي في منع إيران من التدخل في شؤون اليمن وتهديد جيرانه.. وفي أهمية السعي إلى الحل السلمي.. وذلك بدعم جهود المبعوث الدولي الجديد.. للعمل على إيقاف المظاهر المسلحة واستخدام القوة العسكرية من مقبل الحوثيين لفرض هيمنتهم على إرادة الشعب اليمني بقوة السلاح..
• سابعاً: أن بريطانيا مع المملكة كما أنها مع جمهورية مصر العربية.. وكافة دول الخليج الساعية إلى تحقيق الأمن والسلام في المنطقة وعدم السماح باستمرار بقايا الفوضى الخلاقة الموجودة في بعض الأرجاء وأنها لن تتردد في اتخاذ أي خطوة تدعم هذا التوجه.. وفي أي وقت من الأوقات..
• وثامناً: أن بريطانيا ترفض - كما نرفض - أي تغيير للواقع القائم في القدس العربية.. وأنها مع تحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين على أساس قيام الدولتين.. وفي حق الفلسطينيين على وجه التحديد في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. انطلاقاً من مبادرة السلام العربية المعتمدة دولياً.. والمنطلقة أساساً من المملكة العربية السعودية.. دون أي تغيير في المضمون العام.. والجيوسياسي في آن معاً..
أهمية الشراكات الثنائية
•• كل هذا حدث في لندن.. خلال أيام الزيارة الثلاثة.. وإن كان ذلك حصيلة دراسات معمقة.. واتصالات عريضة على أعلى المستويات.. وبعد نقاشات طويلة ومفصلة استغرقت منا ومن البريطانيين الكثير من الجهد.. والعمل المضني.. تكللت في النهاية بعقد العديد من الاتفاقات المعلنة.. ولا أستبعد أن يكون الكثير من المواثيق والاتفاقات المتصفة بالخصوصية.. أو المحتاجة إلى المزيد من الوقت لإنضاجها بهدف تحقيق نقلة نوعية أخرى في العلاقات بعد بضع سنوات من الآن.. قد تم التفاهم بشأنها.
•• وبكل تأكيد.. فإن المملكة وبريطانيا.. تصبحان شريكين يعتد بهما.. ويعتمد عليهما.. لإقامة تحالفات أوسع مع دول عربية وخليجية أخرى تشاركنا في تقييمنا للطرف البريطاني.. وفي ثقتنا في التعامل معه.. بعد أن اجتاز هذا الطرف العديد من الاختبارات الحاسمة بكفاءة عالية.. وبعد أن ثبت لنا أنه صديق يوثق به ويعتمد عليه..
ملاحظات مهمة
•• لكن ما لا يجب أن أغفله وأنا أتناول العلاقة المستقبلية المطمئنة بين المملكة وبريطانيا هو:
•• أن هناك من قد يكون منهم جزئية في حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى «صحيفة الديلي تليغراف» البريطانية بطريقة مغلوطة..
••فهو عندما قال «نحن نعتقد أن السعودية في حاجة إلى أن تكون جزءا من الاقتصاد العالمي وأن الشعب في حاجة إلى أن يكون قادراً على التحرك بحرية.. كما أننا بحاجة إلى تطبيق المعايير الدولية المماثلة في بقية دول العالم.. وأنه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون هناك فرص ضخمة لبريطانيا نتيجة لرؤية (2030) فإن سموه أراد بذلك التأكيد على أنه بقدر حاجتنا نحن إلى بريطانيا الصديقة لمشاركتنا في جميع الاستثمارات الضخمة التي تتيحها رؤيتنا الجديدة للمستقبل القريب، فإن حاجة بريطانيا إلى المملكة كبيرة ولا سيما بعد أن أعلنت عن رغبتها في الخروج من الاتحاد الأوروبي كشريك أساسي ومهم في الماضي..
•• ولم يكن ذلك ليعني أبداً أن المملكة تشجع هذا الخروج بأي حال من الأحوال.. لأن قراراً سيادياً كهذا تملكه بريطانيا وحدها.. فهي الأقدر على معرفة مصلحتها وتقدير ما يترتب على أي قرار تتخذه في أي شأن من الشؤون..
•• وما دمت قد تناولت هذا الحديث - في سياق دراستي لمستقبل العلاقات السعودية البريطانية-.. فإنه لا بد من التوقف أيضاً عند قول سموه:
«إن المتطرفين والإرهابيين مرتبطون من خلال نشر أجندتهم. ونحن في حاجة إلى العمل لنشر الإسلام المعتدل، واستمرار التعاون الوثيق بين الرياض ووكالات الاستخبارات الغربية، مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني، أمر حيوي لكسب هذه المعركة، إذ إن السعوديين قادرون على توفير المعلومات في حين أن خبراء الاستخبارات الغربية يملكون المهارات اللازمة لتحليلها. كما أننا نؤمن كذلك بأن النمو الاقتصادي في السعودية سيفيد بقية المنطقة وبالتالي فإنه سيساعد في هزيمة التطرف».
•• وعندما يجيء هذا الكلام في هذا الوقت بالذات وقبل يوم واحد من زيارة بريطانيا فإنه قد عكس لنا طبيعة الأجواء التي تمت الزيارة فيها.. وهي أجواء جسدت أصلاً مهماً من أصول التعاون بين الدول يقوم على تبادل المعلومات الخطيرة والمهمة بالطرق الاستخبارية المعروفة وفي إطار التعاون المثالي القائم بين الدول..
•• ويكفي المملكة اعتزازاً بتميزها في هذا الجانب وبقدرتها الفائقة في الوصول إلى المعلومات الهامة التي تسهم في إنقاذ شعوب صديقة وتجنب دولاً كبيرة مغبة التدمير الذي قد تتعرض له جراء استفادتها من معلومات المملكة..
•• وفي هذا جاءت إشادة رئيسة الوزراء البريطانية ووزير الخارجية.. بهذا التفوق المعلوماتي السعودي والنظر إلى المملكة وأجهزة الاستخبارات فيها على أنها في أعلى مستوياتها.. وذلك ما أكد عليه أيضاً البيان المشترك الصادر في أعقاب هذه الزيارة المهمة للغاية.. وكما نشرته صحيفة الإندبندنت وصحيفة الغارديان وكذلك صحيفة الفانينشال تايمز..
•• وعندما تصل العلاقات بين أي بلدين إلى هذا المستوى من القوة والمتانة فإن الكثير من المحاذير تسقط.. ويحل محلها تعاون مفتوح.. وموسع.. وغير محدود تحكمه مصالح الدولتين المشتركة بدءا بالحفاظ على الأمن المتبادل..وانتهاء بتقاسم المكاسب والأرباح المتحققة عن هذه العلاقة المثالية والمستقرة.. في بلد تحكمه الأنظمة والقوانين المعتبرة مهما تغير شكل النظام.. وعلى أي صهوة جاء الفارس.. فحزب المحافظين.. وحزب العمال يعرفان أين تكمن مصلحة بلادهما.. ومع من يجب أن تتوثق روابطهما.. وتعزز مصالحهما بصرف النظر عن عقيدة الحزب.. أو توجهاته.. وكذلك الحال بالنسبة لـ «مجلس العموم البريطاني» الذي استمع أعضاؤه إلى سمو ولي العهد.. وباركوا حركة الإصلاح التي تقوم بها المملكة بقيادة الملك سلمان.. ومتابعة سموه الحثيثة.. في الوصول بهذه البلاد إلى ما تريد وتتمنى وتتطلع..
•• وكما أن الاستقبال لسموه الأمير محمد بن سلمان في قصر باكنغهام استثنائي من قبل الملكة «إليزابيث الثانية» بقدر ما جاء الوداع حميمياً من قبل البريطانيين سواء في داوننغ سترتيت.. أو في الشارع البريطاني بشكل عام لما أحدثته الزيارة من تفاؤل لدى مختلف الأوساط ولما يعقدون عليها من آمال في انتعاش الاقتصاد البريطاني وبالذات في ظل إعطاء بريطانيا الأولوية في حق إدراج شركة أرامكو في بورصة لندن.. قبل أي بورصة أخرى في هذا العالم.. وذلك أمر يقدره البريطانيون.. وتدرك أهميته الأوساط المالية في كل مكان من هذا العالم..
***
•• وباختصار شديد..
•• فإن هذه هي الخطوة الأولى.. في أجندة الأمير الشاب نحو استقطاب دول العالم للدخول معنا في مرحلة إعادة البناء لوطن المستقبل.. فنحن جاهزون للتحرك في الاتجاه الذي يخدم مصالحنا الحيوية ويؤمن معنا هذه المنطقة المضطربة.. ضد الأخطار.. ويساهم معنا في اقتلاع الإرهاب من جذوره.. ووضع حد للتدخلات الخارجية في شؤون دولنا وشعوبنا.. ولا يعمل على ابتزازنا.. أو يعرض أرصدتنا في الخارج للخطر..
•• وهناك الكثير من الدعوات الرسمية الماثلة أمام سمو ولي العهد.. وهناك الكثير والكثير من الدراسات المعمقة لمختلف الأبعاد لكل زيارة.. ولن نتردد في الذهاب إلى أقصى العالم إذا كان ذلك يخدم وطننا.. ويرفع من شأن شعبنا.. ويضع المملكة في مكانها الطبيعي.. الذي لا تقبل بأقل منه بعد اليوم.. سواء على مستوى الإقليم.. أو في إطار المنظومة الدولية بكاملها..
•• وإذا كان هناك من لاتزال سياساته ومواقفه تعاني من التأرجح.. أو الضبابية والغموض تجاه بلادنا ومنطقتنا.. فإن عليه أن يحسم هذه القضية مع نفسه.. فنحن عقول.. وقلوب مفتوحة.. وراغبة في قيادة هذا العالم نحو مزيد من الخير.. والحب.. والسلام.. والتسامح.. والتطور والنماء.. لدولنا وشعوبنا..