كتاب ومقالات

الريادة سعودية والمواجهة في لندن

عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان

بعد أن كان العالم يقف متفرجاً على المملكة في محاربة الإرهاب، التي استغرقت 21 عاماً، ووصول عدد العمليات الإرهابية إلى 1096 خلال هذه السنوات، أصبح العالم يخطب ود المملكة ومن ضمنهم بريطانيا، ولكن لماذا؟

البداية:

الحرب على الإرهاب (القاعدة) بدأت في عهد المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز. ولا ننسى الكلمة الشهيرة للمغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما قال «إن الحرب على الإرهاب قد تصل إلى عشرين سنة». وهي بالفعل كذلك. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تم القضاء بفضل الله ثم بالرجال المخلصين من الجهات الأمنية وتعاون المواطنين المخلصين استطاعت المملكة أن تنهي عام 2017 دون قدرة «داعش» على تنفيذ أي عملية إرهابية ناجحة، في وقت يضرب الإرهاب دول العالم دون هوادة كمصر وأفغانستان واليمن والعراق وفرنسا وروسيا وأسبانيا وبريطانيا. الحقائق تؤكد أن المملكة مرت في حربها على الإرهاب بثلاث مراحل أساسية وهي كالآتي:

مرحلة ردة الفعل:

بالرغم من أن خطر الإرهاب كان حديثاً على المملكة في نهاية التسعينات إلا أن السلطات الأمنية لعبت دوراً بارزاً وفارقاً في الجانب الميداني في محاربة الإرهاب. وكانت البدايات تعتمد على سرعة الاستجابة وردة الفعل أي بعد العمليات الإرهابية. واستطاعت أن تحقق إنجازات تاريخية من أهمها الآتي:

• تدمير تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين، وكانت النتيجة توجه القاعدة واستقرارها في اليمن.

• تدمير «داعش» داخل المملكة.

في هذه المرحلة كان العالم الذي يقف موقف المتفرج آن ذاك يشاهد ولادة حملة السكينة عام 2003م، وهي بداية انطلاق أول مواجهة إلكترونية عبر الإنترنت في مواجهة القاعدة فكرياً على مستوى العالم. وكذلك ولادة المعالجة الفكرية ممثلة في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، وهو يعنى بالمعالجة الفكرية للمتورطين في أعمال الإرهاب.

المرحلة الاستباقية:

كانت القيادة السعودية هي من تصنع الريادة في محاربة الإرهاب، واتجهت إلى تأهيل الجهات الأمنية على مستوى عالٍ عن طريق انتداب ضباط سعوديين مميزين للالتحاق بدورات تأهيلية على مستوى عالٍ في الولايات المتحدة، وقام هؤلاء النخبة بتدريب وتأهيل الجهات الأمنية، وحققت نتائج رائعة أذهلت العالم، وأجبرت من صنع الجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش والعوامية وحزب الله الحجاز) على الانحناء إل‍ى المملكة اعترافاً بإنجازاتها. والدليل على التأهيل هو ما قام به جبران العواجي في عام 2017م من قتل أخطر المطلوبين طايع بن سالم الصيعري وطلال سمران الصاعدي اللذين كانا مسلحين برشاشين وحزامين ناسفين في حي الياسمين بالرياض في أقل من دقيقة، الذي وصل إلى العالمية بفضل الله ثم إبداع رجال الأمن. وساهمت المملكة مساهمة فعالة بحماية بريطانيا من عمليات إرهابية بعد تمرير معلومات استخباراتية عن عمليات إرهابية قبل وقوعها ما ساهم بإنقاذ آلاف الأبرياء.

وكانت نتائج هذه المرحلة المهمة هي القضاء على الآتي:

• خلية داعش في المملكة.

• خلية العوامية/‏القطيف.

• تمرير معلومات استخباراتية لدول إسلامية وغربية عن عمليات إرهابية قبل حدوثها.

ونظراً لانتقال القاعدة (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) إلى اليمن، واختطاف الجماعات الحوثية الإرهابية السلطة في اليمن، وبدأت بتشكيل خطر إقليمي في المنطقة، يهدف لزعزعة الأمن والسلم الدوليين، لما تمثله من ممرات مائية مهمة لتنقل البترول، بادرت المملكة لتكوين وقيادة التحالف العربي لمحاربة الإرهاب، وبعدها بادرت لتكوين تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب لا يقوم على الجانب العسكري بل ليحقق إستراتيجية الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب والمتمثلة في أربعة أهداف، وشكّل ولي العهد المحاور الأساسية لمكافحة الإرهاب المتمثلة في أربعة محاور فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً.

رؤية 2030:

جاءت الرؤية منقذة للمملكة باتباع الإستراتيجية الاستباقية لتلتهم القضايا المهمة كالإرهاب والفساد عن طريق إشراك الشباب في رسم وتنفيذ الأهداف التي تحقق الرؤية. وأصبح المجتمع يتحول إلى مجتمع منتج كتصنيع العسكري ومساهمة الشباب في إنشاء شركات جديدة.

مرحلة نقل المعرفة:

بعد أن وصلت المملكة إلى الريادة بفضل الله وبناءً على الخبرات المتراكمة والاستثمار الحقيقي في الموارد البشرية في محاربة الإرهاب واستشعاراً بدورها الريادي في تقديم المساعدة لدول العربية والإسلامية والغربية في محاربة الإرهاب جاء دور المملكة لأن تلعب دوراً محورياً مهماً على المستوى الأقليمي. وهي طريق نقل المعرفة في محاربة الإرهاب إلى الدول التي تحتاج إلى المملكة، وهو ما نصت عليه إستراتيجية الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب.

المملكتان في لندن:

زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى لندن كان لها ثقل وبعد إستراتيجي في ملف محاربة الإرهاب، وفي وقت عصيب بالنسبة لندن. المملكة هي الدولة الوحيدة الرائدة في هذا المجال وتذهب إلى لندن بعد أن حققت عاما مذهلا في محاربة الإرهاب؛ إذ لم يستطع «داعش» تنفيذ أي عملية إرهابية ناجحة في المملكة لعام 2017م وهو إنجاز أمني فريد من نوعه، فيما كان عام 2017م عاما حزيناً لبريطانيا بسبب العمليات الإرهابية الداعشية.

ولي عهدنا ذهب إلى لندن وأبناء المملكة يمسكون بمفاصل مكافحة الإرهاب من الرياض إلى نيويورك.

فالرياض تحتضن مراكز فكرية ومراصد إلكترونية مميزة كاعتدال، ومركز الحرب الفكرية وكراسي بحثية في الجامعات على المستوى المحلي، فيما نتائجها على المستوى الأقليمي. وكذلك تدير الرياض مركز العمليات للتحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والمكتب العربي لمحاربة الإرهاب التابع لجامعة الدول العربية. وترأس المملكة المجلس الاستشاري لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ممثلة بمعالي السفير عبدالله المعلمي. ويدير المركز وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في 21 يونيو 2017م والمكتب أنشئ بقرار الجمعية رقم 71/‏291.

المملكة أصبحت تحتل المرتبة الأولى، وذات ثقل في محاربة الإرهاب، لذلك كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان لها اهتمام خاص. حيث حمل الأمير منظومة سعودية متكاملة لمكافحة الإرهاب فكرياً وإعلامياً ومالياً وعسكرياً. ولتستفيد بريطانيا من التجربة السعودية الفريدة كان لابد من خلق شراكات في هذه المحاور الأربعة للحد من المخاطر التي تواجه الدولتين والمتمثلة في الجماعات الإرهابية المسلحة والفكرية كجماعة الإخوان المسلمين المتواجدين والمتمتعين بحماية ولجوء سياسي، ويلعبون دوراً محورياً في التحريض بشكل رئيسي في العالم الافتراضي. ومناقشة آلية مواجهة إيران الداعمة للإرهاب.

وتحتاج المملكة دعم لندن لملف المملكة بالضغط على شركات التواصل الاجتماعي واليوتيوب خاصة أن المملكة تملك الأدلة والبراهين على الدور الكبير والمؤثر لتويتر وبرامج التواصل الاجتماعي في نشر الإرهاب والتطرف. وأنها كانت الوسيلة الأولى في التجنيد الإلكتروني وتنفيذ العمليات الإرهابية. وهو ما تحتاجه بريطانيا لإنهاء موضوع عدم جدية الشركات الأمريكية في محاربة الإرهاب. ونحتاج تفعيل الشراكة مع بريطانيا في الإرهاب الإلكتروني لتدعيم حماية المملكة من الهجمات الإلكترونية المدعومة من الدول، فبريطانيا رائدة في هذا المجال.

*عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي- استشاري الأدلة الرقمية