حفلات «توقيع الكتب» منصات صراع النخب مع المشاهير والشباب
الغذامي: أكرهها.. الراشد: انتهى زمن الوصاية.. والمثقفون: موضة وتسويق
السبت / 07 / رجب / 1439 هـ السبت 24 مارس 2018 02:53
نعيم تميم الحكيم (جدة) naeemtamimalhac@
لا تستغرب إن تلقيت يوما ما رسالة على هاتفك المحمول تخبرك بوجود توقيع كتاب لأحد الأصدقاء في أحد المراكز التجارية الكبرى أو معارض الكتاب، فقد أضحت ظاهرة ملفتة للنظر يستحق الوقوف عندها.
ويزداد الأمر غرابة لجوء بعض المشاهير ممن تظهر عليهم بوادر الأمية الثقافية والسطحية في أطروحاتهم عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي لكتب تتحدث عن تجاربهم تارة أو القيم والمبادئ في أحيان أخرى.
وتزدهر حفلات توقيع الكتب في معارض الكتاب المنتشرة في كبرى مدن المملكة، إذ تتناثر منصات التوقيع لمئات الكتاب والكاتبات من ذوي الخبرة وأهل الثقافة والمعرفة والأدب إلى الشبان والشابات وصولا لرجال الأعمال والمشاهير.
وقد اضطلعت دور الطباعة والنشر في السنوات الأخيرة بمهمات وأساليب جديدة ومتنوعة لترويج الكاتب والكتاب معا، وتعتبر ظاهرة «توقيع الكتب» واحدة من أهم هذه الأساليب قامت بها أكبر دور النشر والمكتبات في العالم على اعتبار أن حفلة التوقيع تسهم في تقريب المسافة بين القارئ والكاتب، وتمنح القارئ فرصة للتعرف على الكاتب نفسه، والحصول على نسخة ممهورة بتوقيع صاحب الكتاب.
تاريخيا كان الظهور الأول لحفلات التوقيع في أوروبا، ثم انتقلت إلى العالم العربي عبر مصر، وأصبح الكثير من كبار الكتاب يحرصون على إقامة هذه الحفلات للإصدارات الجديدة؛ رغبة منهم في لقاء جمهورهم والتعرف على آرائهم ووجهات نظرهم حول ما جاء في الكتاب، كما أن القارئ يرغب في التعرف على كاتبه المفضل عن قرب.
وقد أحدثت هذه الحفلات ومنصات التوقيع في المعارض جدلا كبيرا بين المثقفين والأدباء، ففي الوقت الذي يراها النخبة بأنها تقليد أعمى ما دفع بعض الكتاب الكبار لاعتزال هذه الحفلات كما حدث في سنوات مضت، عندما لم يوجد الناقد الدكتور عبدالله الغذامي لتوقيع كتابه في معرض الرياض قبل سنوات، وكتب عبر حسابه في تويتر: «أنا أكره حفلات توقيع الكتب، وأستحي أن أقول للناس اشتروا كتابي، وتعالوا أوقعه لكم، لكنني لا أعترض على اختيارات غيري ولا أتدخل فيها».
فيما يرى الناقد محمد العباس أنَّ «التوقيع لا خلاف عليه وهو تقليد عالمي، ولكن ليس بهذه البلاهة»، ويضيف «المفروض تحويل السؤال بقوة ناحية القائمين على المعرض».
وفي المقابل، فإن هناك فئة تدافع عن هذه الظاهرة وتراها إيجابية، إذ يرى الناقد حسين بافقيه أنَّ «حفلة توقيع الكتاب تعدُّ تدشيناً له، وإعلاناً تسويقياً مؤدباً، ولفتاً لانتباه مرتادي المعرض إلى هذا الكتاب أو ذاك». ويقول إن حفلات التوقيع احتلت موقعاً مميزاً في المعرض هذا العام، ولفتت الانتباه بكثرتها، وصارت مادة للتندر والسخرية، وكان أهم ما فيها حضور «المؤلفين الجدد»، واصفاً بعض الكتب بـ «التفاهة» أو «الركاكة»، معتبراً كل ذلك ظواهر تستحق الدراسة والتأمل.
ويضيف: «مهما كانت أحكامنا، فإن انصراف جمهرة واسعة من الشبان والشابات إلى التأليف أمر حميد، ويستحق الإشادة والمؤازرة، ولعل الشاب الذي أصدر كتاباً، سيخلص في كتابه القادم ويجوِّد حتى يكون كتابه إضافة مفيدة لثقافتنا وفكرنا، وأتصور أن اتجاه المؤلفين الجدد إلى حفلات التوقيع، على ما فيه من زهو، لا غضاضة فيه، فمعارض الكتب إنما تقوم على العرض والطلب، ومن حق المؤلف أن يعرض نتاج تفكيره، ومن حق القارئ الإقدام أو الإحجام».
موقف أبوجفين
وفي الوقت الذي يستحضر البعض موقف فئة كبيرة من المثفقين والأدباء والجمهور قضية توقيع أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي «أبو جفين» في معرض الدولي للكتاب بالرياض، إذ يصفونه بالتسطيح والسخافة، فإن فئة أخرى تدافع عن محاولات المشاهير وتعتبرها حقا متاحا لهم ما لم يكون فيها تجاوز ديني أو أخلاقي ومنهم الإعلامي عبدالرحمن الراشد، الذي دون على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا: «مع احترامي، تذكروا انتهى زمن الوصاية على المجتمع. أبوجفين سيكتب ما يعجبه، شاء من شاء، وقرأ من قرأ، وامتنع من امتنع. حدود وصايتكم على أطفالكم في بيوتكم هذا إن استطعتم». وذيله باستفتاء عبر حسابه هل تؤيد «أبو جفين» في أن ينشر كتبه حتى لو لم تعجبك؟ مستعرضا آراء الجماهير حيال تجربة «أبو جفين».
ويشير أستاذ علم المعلومات بجامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى السابق الدكتور جبريل العريشي إلى أن توقيع الكتب هي احتفاليات تنظمها دور النشر، أو الكتاب أنفسهم، للتوقيع على الكتب للقراء. وهي من الأساليب التسويقية المعروفة على مستوى العالم، والتي تعرف بالكتاب وتزيد من فرص اقتنائه ومن ثم انتشاره، وخصوصا أن العديد ممن يتطلعون إلى شراء هذا الكتاب يشعرون بالزهو عند حصولهم على توقيع المؤلف على الكتاب، لاسيما إذا كان من الكتاب المعروفين، ويعتبرون أن ذلك يزيد من قيمته المعنوية لديهم.
ولفت إلى أن كثيرا من القراء يحرصون على حضور احتفاليات التوقيع التي تخص الكاتب المعروف، ليس فقط من أجل الحصول على توقيعه، ولكن من أجل تشوقهم إلى معرفة تفاصيل تجربته في الحياة، وكذا معرفة وجهة نظره في القضايا المعاصرة.
المؤلفون الشباب
واستدرك العريشي: «أما بالنسبة لصغار الكتاب من الشباب، فإنهم يحرصون على تنظيم مثل هذه الاحتفاليات، بل ويدفعون تكلفتها، ويدعون أسرهم وأصدقاءهم ومعارفهم للحضور، ويعلنون عن أماكن ومواعيد إقامتها باعتبارها تتويج لإبداعهم الذي يحقق لهم قيمة مجتمعية، وفي نفس الوقت فإنهم قد يحققون من ورائها مبيعات معقولة».
ويؤكد عضو مجلس الشورى السابق أن معيار نجاح هذه الفئة من صغار الكتاب، هو أن يجدوا من يهتم بما يكتبون، وهو الاهتمام الذي يحقق لهم مكاسب مادية. فهم لا يكتبون فقط لأن لديهم أفكارا يريدون الوصول بها إلى عقول القراء، أو لأن لديهم دافعا ملحا للتعبير عن مشاعرهم، بل لأن الكتابة هي مهنتهم التي يسعون لكي يتكسبوا منها، فهم يعملون فيما يسمى باقتصاد جذب الانتباه attention economy، وهو الاقتصاد الذي يتكسب فيه الناس من قدرتهم على جذب انتباه الآخرين، فيقاس نجاحهم -وبالتالي مكاسبهم المالية- بمدى اهتمام الناس أو «انتباههم» لفحوى ما يكتبون.
ولاحظ العريشي أن عدد الحاضرين في احتفاليات التوقيع ليس بالضرورة معيارا لشهرة الكاتب وأهمية الكتاب، بل قد يكون في كثير من الأحيان، معيارا على القدرة التسويقية لدار النشر التي تسعى لزيادة مبيعاتها من الكتاب. فمكان الاحتفالية وزمانها له أثر كبير على حجم المبيعات المواكب لها. لذا فنجد أن أنجح هذه الاحتفاليات هو ما كان في معارض الكتب، حيث يوجد الجمهور المثقف الذي يسعى وراء الكتاب، ولا ينتمي بالضرورة للنخبة من المثقفين.
تنظيم احتفاليات
ولا يرى الدكتور العريشي حرجا فيما يقوم به الكتاب ودور النشر من تنظيم لاحتفاليات التوقيع. فهو تقليد عالمي تتبعه كل دور النشر، صغيرها وكبيرها، على مستوى العالم. ومن ثم فهو ليس استجداءً للاهتمام، ولكنه استخدام لأحد أهم آليات العصر التسويقية بالنسبة للكتاب، التي تساعد على زيادة مبيعاته. فإذا كان الكاتب من صغار الكتاب، فهي فرصة له لتحقيق بعض المبيعات، ولعله يصعد بهذه الفرصة إلى قائمة الكتاب المعروفين، ويبتعد عن نظرائه من أصحاب الفرص الضعيفة والحظوظ القليلة، وإذا كان من الكتاب المعروفين، فهي فرصة له أيضا لكي يزداد شهرة على شهرة، ويحقق مبيعات كبيرة، ويشعر بالزهو وسط قرائه ومتابعيه. وخلص العريشي إلى أن احتفاليات توقيع الكتب هي ظاهرة إيجابية بالتأكيد، ليست بهرجة اجتماعية ولكنها احتفاء بالإنجاز والإبداع، واتباع لأشهر الوسائل المعاصرة لتسويق الكتاب في صناعة النشر. وشدد على أن تعدد هذه الاحتفاليات هو دليل على زيادة عدد المبدعين، أو عدد من هم في طريق الإبداع، الذين يسعون لجذب الانتباه إليهم، ودليل على الحراك الثقافي في المجتمع.
العاصم: لا نمنع التوقيع لو توفرت الشروط
يؤكد المشرف العام على الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبدالرحمن بن ناصر العاصم صعوبة منع توقيع الكتب للمشاهير أو الشبان أو غيرهم ما دامت الشروط تنطبق على الكتاب.
وأبان العاصم أن الكاتب لا بد أن يكون مفسوحا من الوزارة، ولا يحوي شيئا مخلا بالدين أو الأدب والأخلاق، إضافة إلى ضرورة أن تكون دار النشر مسموحا لها بالعمل. واعتبر منصات توقيع الكتب في معارض الكتاب والحفلات المصاحبة بأنها حق مشروع للكاتب. وأفاد العاصم بأن هناك تنظيما لمنصات التوقيع في معارض الكتاب، إذ يتم تسجيل قوائم بالكتاب الموقعين وعمل جداول لهم قبل بدء المعرض. وأبان بأن إدارات المعارض ترفض توقيع المؤلفين داخل الأجنحة، لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة لأن الأجنحة عبارة عن ممرات صغيرة وأقسام صغيرة.
مؤلفون شباب: المنصات نافذتنا للالتقاء بالقراء
يعتبر الكتاب الشبان بأن منصات التوقيع في المعارض وحفلات توقيع الكتب حق متاح لهم، مشددين على أنها ظاهرة عالمية تساعد على التعريف بالكاتب وكتابه، كما أنها جزء من الدعاية لدار النشر.
وتؤكد الكاتبة الشابة ريوف الفيصل أن منصة التوقيع تعتبر نافذة للقاء بين الكاتب والقارئ، إذ يشعر الكاتب أن ما قدمه من منتج محل اهتمام، وأن شعوره وصل لكم كبير من القراء. وأضافت أن منصات التوقيع حلم لكل كاتب، مبدية تضجرها من قصر مدة التوقيع للكاتب بخلاف ما كان يحدث سابقا، إذ يتاح له وقت أطول للتوقيع واللقاء بالقراء. وتشير الكاتبة الشابة علياء حسونة إلى أن فوائد حفلات التوقيع لا تقتصر على اللقاء مع القارئ، لكنها تعتبر وسيلة مهمة للترويح والتسويق للكاتب ودار النشر والمؤلف على حد سواء. ويرفض الكاتب حجي جابر لغة التعميم في وصف حفلات توقيع الكتب بأنها نفاق اجتماعي أو إجبار للقراء على شراء الكتب بطريقة غير مباشرة عن طريق الإحراج. ورأى أن هذه الحفلات والمنصات حق من حقوق الكاتب وأضحت موضة، معترفا بأن البعض أساء استخدامها، وهناك فئة تعاني من النرجسية تحاول أن تسوق منتجها ولو كان رديئا من خلالها.
دور النشر: بريئون من الاستغلال.. المنصات وسيلة دعائية
يرفض أصحاب دور النشر التهم التي توجه لهم بأنهم يستغلون المؤلفين الشباب والمشاهير للترويح لدورهم عبر بوابة منصات توقيع الكتب.
لكنهم في الوقت نفسه يقرون بأن منصات التوقيع تعتبر دعاية للكتاب والمؤلف ودار النشر بشكل غير مباشر. ويشير سمير عبدالستار، من دار النهضة الإماراتية، إلى أن منصات التسويق تعد وسيلة ترويجية للكاتب والكتاب ويأتي ثالثا دار النشر، لافتا إلى أن القيمة الأهم هي الدعايات الترويجية غير المباشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي لجماهير وأصدقاء الكتاب، وهي أمر ينعكس بشكل إيجابي على دار النشر. ولا يذهب مدير عام شركة بلاتينيوم جاسم اشكناني بعيدا عن رؤية سابقه، إذ يؤكد أن منصات التوقيع تعتبر تسويقا وترويجا للكتاب والكاتب، دون أن يعترف بأن بعض دور النشر أضحت تستقطب المشاهير وقد تطبع كتبهم مجانا مقابل الشهرة الكبيرة من الدعاية خصوصا في منصات التوقيع عبر معارض الكتاب في عدة دول.
ويعلل فهد العيد مدير دار كلمات للنشر، حرص دور النشر على استقطاب الشباب وطباعة كتبهم لأنها تستفيد من أصدقائهم ومنصات تواصلهم الاجتماعي، مشددا على أن هناك قيمة أخرى غير الترويج هي تشجيع الشباب على التأليف وصناعة محتوى جيد.
ويؤكد عادل المصري مدير دار أطلس للنشر، أن حفلات توقيع الكتب باتت شيئاً مهماً، مشدداً على أن هذه الظاهرة ليست بدعة ابتدعها المجتمع الثقافي في العالم العربي، بل هي طقس ثقافي عالمي مُنتشر..
ويضيف المصري: الكثير من كبار الكُتاب يحرص على إقامة هذه الحفلات للإصدارات الجديدة؛ رغبة من هؤلاء في مُقابلة جمهورهم والتعرف على آرائهم ووجهات نظرهم حول ما جاء في الكتاب. كما أن القارئ يرغب في التعرف على كاتبه المفضل عن قرب، محاولاً معرفة تفاصيل تجربته الحياتية..
النفسيون يختلفون بين نرجسية الكتاب وردة فعل المجتمع
لا يتفق النفسيون حيال وصف الكتاب الحريصين على حفلات توقيع كتبهم بـ«النرجسية»، إذ يختلفون فيما بينهم حيال ذلك.
ففي الوقت الذي يرى الطبيب النفسي الدكتور طارق الحبيب ظاهرة عالمية، استنكرها البعض لأنها جديدة على عاداتنا، وليس على عادات الشعوب.
وعدد فوائد هذه الحفلات من تشجيع الكاتب خصوصا فئة الشباب وتعويدهم على القراءة وتطوير أنفسهم ثقافيا.
ويرى المشكلة الحقيقة في ردة الفعل من الناس، إما رفضا للجديد من قبل التقليديين أو حسدا من قبل البعض.
بينما يرفض استشاري الصحة النفسية الدكتور محمد أيمن العرقسوسي لغة التعميم، إذ يشير لوجود بعض من يعاني عقدة النقص أو حب الذات بشكل مبالغ، فيلجأ لمثل هذه الحفلات، فيما توجد فئة تريد أن التعريف فعلا بمنتجها الثقافي والالتقاء مع الجمهور، والتشجيع على التأليف.
ويزداد الأمر غرابة لجوء بعض المشاهير ممن تظهر عليهم بوادر الأمية الثقافية والسطحية في أطروحاتهم عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي لكتب تتحدث عن تجاربهم تارة أو القيم والمبادئ في أحيان أخرى.
وتزدهر حفلات توقيع الكتب في معارض الكتاب المنتشرة في كبرى مدن المملكة، إذ تتناثر منصات التوقيع لمئات الكتاب والكاتبات من ذوي الخبرة وأهل الثقافة والمعرفة والأدب إلى الشبان والشابات وصولا لرجال الأعمال والمشاهير.
وقد اضطلعت دور الطباعة والنشر في السنوات الأخيرة بمهمات وأساليب جديدة ومتنوعة لترويج الكاتب والكتاب معا، وتعتبر ظاهرة «توقيع الكتب» واحدة من أهم هذه الأساليب قامت بها أكبر دور النشر والمكتبات في العالم على اعتبار أن حفلة التوقيع تسهم في تقريب المسافة بين القارئ والكاتب، وتمنح القارئ فرصة للتعرف على الكاتب نفسه، والحصول على نسخة ممهورة بتوقيع صاحب الكتاب.
تاريخيا كان الظهور الأول لحفلات التوقيع في أوروبا، ثم انتقلت إلى العالم العربي عبر مصر، وأصبح الكثير من كبار الكتاب يحرصون على إقامة هذه الحفلات للإصدارات الجديدة؛ رغبة منهم في لقاء جمهورهم والتعرف على آرائهم ووجهات نظرهم حول ما جاء في الكتاب، كما أن القارئ يرغب في التعرف على كاتبه المفضل عن قرب.
وقد أحدثت هذه الحفلات ومنصات التوقيع في المعارض جدلا كبيرا بين المثقفين والأدباء، ففي الوقت الذي يراها النخبة بأنها تقليد أعمى ما دفع بعض الكتاب الكبار لاعتزال هذه الحفلات كما حدث في سنوات مضت، عندما لم يوجد الناقد الدكتور عبدالله الغذامي لتوقيع كتابه في معرض الرياض قبل سنوات، وكتب عبر حسابه في تويتر: «أنا أكره حفلات توقيع الكتب، وأستحي أن أقول للناس اشتروا كتابي، وتعالوا أوقعه لكم، لكنني لا أعترض على اختيارات غيري ولا أتدخل فيها».
فيما يرى الناقد محمد العباس أنَّ «التوقيع لا خلاف عليه وهو تقليد عالمي، ولكن ليس بهذه البلاهة»، ويضيف «المفروض تحويل السؤال بقوة ناحية القائمين على المعرض».
وفي المقابل، فإن هناك فئة تدافع عن هذه الظاهرة وتراها إيجابية، إذ يرى الناقد حسين بافقيه أنَّ «حفلة توقيع الكتاب تعدُّ تدشيناً له، وإعلاناً تسويقياً مؤدباً، ولفتاً لانتباه مرتادي المعرض إلى هذا الكتاب أو ذاك». ويقول إن حفلات التوقيع احتلت موقعاً مميزاً في المعرض هذا العام، ولفتت الانتباه بكثرتها، وصارت مادة للتندر والسخرية، وكان أهم ما فيها حضور «المؤلفين الجدد»، واصفاً بعض الكتب بـ «التفاهة» أو «الركاكة»، معتبراً كل ذلك ظواهر تستحق الدراسة والتأمل.
ويضيف: «مهما كانت أحكامنا، فإن انصراف جمهرة واسعة من الشبان والشابات إلى التأليف أمر حميد، ويستحق الإشادة والمؤازرة، ولعل الشاب الذي أصدر كتاباً، سيخلص في كتابه القادم ويجوِّد حتى يكون كتابه إضافة مفيدة لثقافتنا وفكرنا، وأتصور أن اتجاه المؤلفين الجدد إلى حفلات التوقيع، على ما فيه من زهو، لا غضاضة فيه، فمعارض الكتب إنما تقوم على العرض والطلب، ومن حق المؤلف أن يعرض نتاج تفكيره، ومن حق القارئ الإقدام أو الإحجام».
موقف أبوجفين
وفي الوقت الذي يستحضر البعض موقف فئة كبيرة من المثفقين والأدباء والجمهور قضية توقيع أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي «أبو جفين» في معرض الدولي للكتاب بالرياض، إذ يصفونه بالتسطيح والسخافة، فإن فئة أخرى تدافع عن محاولات المشاهير وتعتبرها حقا متاحا لهم ما لم يكون فيها تجاوز ديني أو أخلاقي ومنهم الإعلامي عبدالرحمن الراشد، الذي دون على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا: «مع احترامي، تذكروا انتهى زمن الوصاية على المجتمع. أبوجفين سيكتب ما يعجبه، شاء من شاء، وقرأ من قرأ، وامتنع من امتنع. حدود وصايتكم على أطفالكم في بيوتكم هذا إن استطعتم». وذيله باستفتاء عبر حسابه هل تؤيد «أبو جفين» في أن ينشر كتبه حتى لو لم تعجبك؟ مستعرضا آراء الجماهير حيال تجربة «أبو جفين».
ويشير أستاذ علم المعلومات بجامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى السابق الدكتور جبريل العريشي إلى أن توقيع الكتب هي احتفاليات تنظمها دور النشر، أو الكتاب أنفسهم، للتوقيع على الكتب للقراء. وهي من الأساليب التسويقية المعروفة على مستوى العالم، والتي تعرف بالكتاب وتزيد من فرص اقتنائه ومن ثم انتشاره، وخصوصا أن العديد ممن يتطلعون إلى شراء هذا الكتاب يشعرون بالزهو عند حصولهم على توقيع المؤلف على الكتاب، لاسيما إذا كان من الكتاب المعروفين، ويعتبرون أن ذلك يزيد من قيمته المعنوية لديهم.
ولفت إلى أن كثيرا من القراء يحرصون على حضور احتفاليات التوقيع التي تخص الكاتب المعروف، ليس فقط من أجل الحصول على توقيعه، ولكن من أجل تشوقهم إلى معرفة تفاصيل تجربته في الحياة، وكذا معرفة وجهة نظره في القضايا المعاصرة.
المؤلفون الشباب
واستدرك العريشي: «أما بالنسبة لصغار الكتاب من الشباب، فإنهم يحرصون على تنظيم مثل هذه الاحتفاليات، بل ويدفعون تكلفتها، ويدعون أسرهم وأصدقاءهم ومعارفهم للحضور، ويعلنون عن أماكن ومواعيد إقامتها باعتبارها تتويج لإبداعهم الذي يحقق لهم قيمة مجتمعية، وفي نفس الوقت فإنهم قد يحققون من ورائها مبيعات معقولة».
ويؤكد عضو مجلس الشورى السابق أن معيار نجاح هذه الفئة من صغار الكتاب، هو أن يجدوا من يهتم بما يكتبون، وهو الاهتمام الذي يحقق لهم مكاسب مادية. فهم لا يكتبون فقط لأن لديهم أفكارا يريدون الوصول بها إلى عقول القراء، أو لأن لديهم دافعا ملحا للتعبير عن مشاعرهم، بل لأن الكتابة هي مهنتهم التي يسعون لكي يتكسبوا منها، فهم يعملون فيما يسمى باقتصاد جذب الانتباه attention economy، وهو الاقتصاد الذي يتكسب فيه الناس من قدرتهم على جذب انتباه الآخرين، فيقاس نجاحهم -وبالتالي مكاسبهم المالية- بمدى اهتمام الناس أو «انتباههم» لفحوى ما يكتبون.
ولاحظ العريشي أن عدد الحاضرين في احتفاليات التوقيع ليس بالضرورة معيارا لشهرة الكاتب وأهمية الكتاب، بل قد يكون في كثير من الأحيان، معيارا على القدرة التسويقية لدار النشر التي تسعى لزيادة مبيعاتها من الكتاب. فمكان الاحتفالية وزمانها له أثر كبير على حجم المبيعات المواكب لها. لذا فنجد أن أنجح هذه الاحتفاليات هو ما كان في معارض الكتب، حيث يوجد الجمهور المثقف الذي يسعى وراء الكتاب، ولا ينتمي بالضرورة للنخبة من المثقفين.
تنظيم احتفاليات
ولا يرى الدكتور العريشي حرجا فيما يقوم به الكتاب ودور النشر من تنظيم لاحتفاليات التوقيع. فهو تقليد عالمي تتبعه كل دور النشر، صغيرها وكبيرها، على مستوى العالم. ومن ثم فهو ليس استجداءً للاهتمام، ولكنه استخدام لأحد أهم آليات العصر التسويقية بالنسبة للكتاب، التي تساعد على زيادة مبيعاته. فإذا كان الكاتب من صغار الكتاب، فهي فرصة له لتحقيق بعض المبيعات، ولعله يصعد بهذه الفرصة إلى قائمة الكتاب المعروفين، ويبتعد عن نظرائه من أصحاب الفرص الضعيفة والحظوظ القليلة، وإذا كان من الكتاب المعروفين، فهي فرصة له أيضا لكي يزداد شهرة على شهرة، ويحقق مبيعات كبيرة، ويشعر بالزهو وسط قرائه ومتابعيه. وخلص العريشي إلى أن احتفاليات توقيع الكتب هي ظاهرة إيجابية بالتأكيد، ليست بهرجة اجتماعية ولكنها احتفاء بالإنجاز والإبداع، واتباع لأشهر الوسائل المعاصرة لتسويق الكتاب في صناعة النشر. وشدد على أن تعدد هذه الاحتفاليات هو دليل على زيادة عدد المبدعين، أو عدد من هم في طريق الإبداع، الذين يسعون لجذب الانتباه إليهم، ودليل على الحراك الثقافي في المجتمع.
العاصم: لا نمنع التوقيع لو توفرت الشروط
يؤكد المشرف العام على الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبدالرحمن بن ناصر العاصم صعوبة منع توقيع الكتب للمشاهير أو الشبان أو غيرهم ما دامت الشروط تنطبق على الكتاب.
وأبان العاصم أن الكاتب لا بد أن يكون مفسوحا من الوزارة، ولا يحوي شيئا مخلا بالدين أو الأدب والأخلاق، إضافة إلى ضرورة أن تكون دار النشر مسموحا لها بالعمل. واعتبر منصات توقيع الكتب في معارض الكتاب والحفلات المصاحبة بأنها حق مشروع للكاتب. وأفاد العاصم بأن هناك تنظيما لمنصات التوقيع في معارض الكتاب، إذ يتم تسجيل قوائم بالكتاب الموقعين وعمل جداول لهم قبل بدء المعرض. وأبان بأن إدارات المعارض ترفض توقيع المؤلفين داخل الأجنحة، لأسباب تتعلق بالأمن والسلامة لأن الأجنحة عبارة عن ممرات صغيرة وأقسام صغيرة.
مؤلفون شباب: المنصات نافذتنا للالتقاء بالقراء
يعتبر الكتاب الشبان بأن منصات التوقيع في المعارض وحفلات توقيع الكتب حق متاح لهم، مشددين على أنها ظاهرة عالمية تساعد على التعريف بالكاتب وكتابه، كما أنها جزء من الدعاية لدار النشر.
وتؤكد الكاتبة الشابة ريوف الفيصل أن منصة التوقيع تعتبر نافذة للقاء بين الكاتب والقارئ، إذ يشعر الكاتب أن ما قدمه من منتج محل اهتمام، وأن شعوره وصل لكم كبير من القراء. وأضافت أن منصات التوقيع حلم لكل كاتب، مبدية تضجرها من قصر مدة التوقيع للكاتب بخلاف ما كان يحدث سابقا، إذ يتاح له وقت أطول للتوقيع واللقاء بالقراء. وتشير الكاتبة الشابة علياء حسونة إلى أن فوائد حفلات التوقيع لا تقتصر على اللقاء مع القارئ، لكنها تعتبر وسيلة مهمة للترويح والتسويق للكاتب ودار النشر والمؤلف على حد سواء. ويرفض الكاتب حجي جابر لغة التعميم في وصف حفلات توقيع الكتب بأنها نفاق اجتماعي أو إجبار للقراء على شراء الكتب بطريقة غير مباشرة عن طريق الإحراج. ورأى أن هذه الحفلات والمنصات حق من حقوق الكاتب وأضحت موضة، معترفا بأن البعض أساء استخدامها، وهناك فئة تعاني من النرجسية تحاول أن تسوق منتجها ولو كان رديئا من خلالها.
دور النشر: بريئون من الاستغلال.. المنصات وسيلة دعائية
يرفض أصحاب دور النشر التهم التي توجه لهم بأنهم يستغلون المؤلفين الشباب والمشاهير للترويح لدورهم عبر بوابة منصات توقيع الكتب.
لكنهم في الوقت نفسه يقرون بأن منصات التوقيع تعتبر دعاية للكتاب والمؤلف ودار النشر بشكل غير مباشر. ويشير سمير عبدالستار، من دار النهضة الإماراتية، إلى أن منصات التسويق تعد وسيلة ترويجية للكاتب والكتاب ويأتي ثالثا دار النشر، لافتا إلى أن القيمة الأهم هي الدعايات الترويجية غير المباشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي لجماهير وأصدقاء الكتاب، وهي أمر ينعكس بشكل إيجابي على دار النشر. ولا يذهب مدير عام شركة بلاتينيوم جاسم اشكناني بعيدا عن رؤية سابقه، إذ يؤكد أن منصات التوقيع تعتبر تسويقا وترويجا للكتاب والكاتب، دون أن يعترف بأن بعض دور النشر أضحت تستقطب المشاهير وقد تطبع كتبهم مجانا مقابل الشهرة الكبيرة من الدعاية خصوصا في منصات التوقيع عبر معارض الكتاب في عدة دول.
ويعلل فهد العيد مدير دار كلمات للنشر، حرص دور النشر على استقطاب الشباب وطباعة كتبهم لأنها تستفيد من أصدقائهم ومنصات تواصلهم الاجتماعي، مشددا على أن هناك قيمة أخرى غير الترويج هي تشجيع الشباب على التأليف وصناعة محتوى جيد.
ويؤكد عادل المصري مدير دار أطلس للنشر، أن حفلات توقيع الكتب باتت شيئاً مهماً، مشدداً على أن هذه الظاهرة ليست بدعة ابتدعها المجتمع الثقافي في العالم العربي، بل هي طقس ثقافي عالمي مُنتشر..
ويضيف المصري: الكثير من كبار الكُتاب يحرص على إقامة هذه الحفلات للإصدارات الجديدة؛ رغبة من هؤلاء في مُقابلة جمهورهم والتعرف على آرائهم ووجهات نظرهم حول ما جاء في الكتاب. كما أن القارئ يرغب في التعرف على كاتبه المفضل عن قرب، محاولاً معرفة تفاصيل تجربته الحياتية..
النفسيون يختلفون بين نرجسية الكتاب وردة فعل المجتمع
لا يتفق النفسيون حيال وصف الكتاب الحريصين على حفلات توقيع كتبهم بـ«النرجسية»، إذ يختلفون فيما بينهم حيال ذلك.
ففي الوقت الذي يرى الطبيب النفسي الدكتور طارق الحبيب ظاهرة عالمية، استنكرها البعض لأنها جديدة على عاداتنا، وليس على عادات الشعوب.
وعدد فوائد هذه الحفلات من تشجيع الكاتب خصوصا فئة الشباب وتعويدهم على القراءة وتطوير أنفسهم ثقافيا.
ويرى المشكلة الحقيقة في ردة الفعل من الناس، إما رفضا للجديد من قبل التقليديين أو حسدا من قبل البعض.
بينما يرفض استشاري الصحة النفسية الدكتور محمد أيمن العرقسوسي لغة التعميم، إذ يشير لوجود بعض من يعاني عقدة النقص أو حب الذات بشكل مبالغ، فيلجأ لمثل هذه الحفلات، فيما توجد فئة تريد أن التعريف فعلا بمنتجها الثقافي والالتقاء مع الجمهور، والتشجيع على التأليف.