كتاب ومقالات

انهيار صندوق استثماري وتوقف 2000 وحدة سكنية

عبدالله صادق دحلان

رغم جميع الجهود التي تبذلها الدولة في دعم المشاريع الإسكانية والمتمثلة بتشريعات ونظم ولوائح جديدة وبرامج تمويل ميسرة وتوفير الخدمات والبنية التحتية وتوجيه الأمانات بتسهيل إجراءات شركات التطوير العمراني للسكن لذوي الدخل المحدود والمتوسط، وللحقيقة تمر المملكة بحالة استنفار عظيمة في مجال بناء المساكن اللائقة للمواطنين الذين لا يملكون سكنا لائقا، وتعلن كل فترة وزارة الإسكان (والتي اعتبرها من أنشط الوزارات في الوقت الحاضر) عن مشاريع إسكان جديدة أو تسليم دفعات جديدة من الوحدات السكنية في جميع مناطق المملكة للمواطنين السعوديين. وتمت مضاعفة رأسمال صندوق التنمية العقاري وفتحت مجالات تمويل متعددة عن طريق البنوك السعودية، وتحرص هيئة سوق المال على تنظيم ومتابعة عمل الصناديق العقارية الخاصة بالتطوير العقاري ضمانا للمساهمين في الصناديق والعملاء من المواطنين الراغبين بشراء الوحدات السكنية المطورة من الصناديق.

إلا أنه ومنذ 5 سنوات تم الإعلان عن صندوق استثماري عقاري ضخم للتطوير العقاري وعلى وجه الخصوص لإنشاء مدينة سكنية شمال مدينة جدة (ذهبان) في موقع إستراتيجي بوابته على طريق المدينة يتضمن (2000) وحدة سكنية على 3 مراحل، وتم الإعلان عن فتح المساهمة في الصندوق وتم تغطية المساهمة من قبل مجموعة من كبار المساهمين منهم إحدى مؤسسات البنك الإسلامي للتنمية المتخصصة لتمويل القطاع الخاص تمشيا مع دور البنك التنموي، وبعض الشركات الاستثمارية الكبيرة المحلية والإقليمية، وتم قبول أحد المساهمين يمتلك قطعة أرض لإقامة المشروع عليها وتم تقييم سعر الأرض بسعر مبالغ جدا مقابل حصة في الصندوق ثم تم تكليف الصندوق لهذا المساهم وهي شركة للمقاولات لتولي مسؤولية البناء والتسويق، وبعد بدء التسويق بنسبة 30% والانتهاء من بناء نحو (100) فيلا وتسليمها من أصل (2000) فيلا قائمة وغير منتهية التشطيب (هيكل خرساني)، انهارت شركة المقاولات نتيجة معوقات واجهتها ولم تعلن عنها أو نتيجة سوء في الإدارة مع افتراض حسن النية من فساد قد تم في التنفيذ وانسحبت من المشروع رغم حصول المشروع على تمويل من أحد البنوك المتخصص (في الإنماء) بمبلغ نحو 500 مليون ريال، وتراجع الصندوق عن دوره وانسحب بعض الشركاء الدوليين وتوقف الصندوق رغم إشراف هيئة سوق المال عليه، وبدأت شركة المقاولات تجهز أوراقها استعدادا لإعلان إفلاسها خلال الأسابيع القادمة ليتم إخلاء سبيلها. وتوقفت نحو (2000) وحدة سكنية وأصبحت كأنها أشباح وسط صحراء، وسكن نحو (70) مواطنا بعوائلهم وأبنائهم في المرحلة الأولى ولكنهم يعيشون حالة من الذعر والخوف والقلق بعد أن سحبت شركة المقاولات حراس الأمن ورفعت يدها من مسؤولية الإدارة والتشغيل والنظافة، وتوقف العمل في خطوط المياه والمجاري وأصبح السكان على وشك كارثة بيئية تواجه هذه المدينة، ويبرر بعض المسؤولين في شركة المقاولات المفلسة بأن سبب المشكلة هو عدم تعاون الأمانة مع المشروع حيث لم يتم الاستجابة لطلبات الشركة.

وتوقف العمل لصعوبة استكماله وانتهى الحال إلى خسارة بلايين الريالات وخسارة وقت وضياع أموال مستثمرين مواطنين من ذوي الدخل البسيط الذين ظلوا سنوات يدخرون من رواتبهم وإيراداتهم ليحققوا حلمهم في سكن لائق يؤويهم ويجمعهم، وضاع مالهم وتبددت أحلامهم وبدأت المعاناة، وأصبحت هذه القضية تبحث عن حلول.

وأرى شخصيا أنه من الضروري جدا تدخل وزارة الإسكان ووزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية تحت إشراف إمارة مكة المكرمة لوضع تصور جديد يبدأ من إزالة المعوقات لإكمال المشروع ثم البحث عن مطور جديد يكمل (2000) وحدة سكنية مبنية تحتاج إلى تشطيب وبناء بنية تحتية من ماء وكهرباء وشبكة مجارٍ، مع ضرورة تدخل الأمانة للمساعدة في نظافة المدينة وإنارة الطرقات كما هي ضرورة لتدخل شركة المياه لإيصال شبكة المياه والصرف الصحي. ولتحقيق الإمن والسلامة أرى أنه من الضرورة على شرطة جدة بأن يكون لها فرع أو مركز في هذه المدينة كما هو ضرورة من الدفاع المدني التواجد بمركز هناك، وعلى شركة الكهرباء التخطيط عاجلا لإيصال الكهرباء لبقية المشروع.

إن توقف مشروع مثل هذا كارثة على الثقة في الاستثمار في مدينة جدة، ومن المؤكد أنه لن تقبل وزارة الإسكان بأن تضيع فرصة إسكان (2000) مواطن سعودي في مشروع يمكن إعادة هيكلته لأن يكمل مسيرته.

ومن المؤكد لن تقبل هيئة سوق المال أن ينهار صندوق استثماري تحت إشرافها ويخسر المستثمرون فيه ويتوقف المشروع الأساسي الذي أنشئ الصندوق من أجله، ولن تقبل هيئة مكافحة الفساد أن ترى هذه الكارثة على المواطنين بدون تدخلها لمعرفة الحقيقة، ولن يعفى المسؤولون منذ بدايته حتى الآن من المساءلة، ولم ينشأ نظام الإفلاس لأن يتهرب المسؤولون من المسؤولية، وعلى هيئة الفساد أن تعيد فتح الملفات القديمة في هذا المشروع.

* كاتب اقتصادي سعودي