كتاب ومقالات

حبّ الوطن

شرفات

مي خالد

لأنهم يقولون إننا لا ندرك قيمة الأشياء إلا إذا فقدناها، فلا نكرم المبدعين إلا بعد موتهم ولا نضع الصحة تاجاً على رؤوس الأصحاء إلا بعد أن نمرض. ولا نعرف قيمة برّ الوالدين إلا بعد فقدهما أو فقد أحدهما على الأقل.. لذلك سألت صديقتي السورية التي هاجرت إلى سويسرا بعد أن اشتدت الحرب السورية وكادت أن تموت أو تفقد عائلتها. سألتها: هل نحن العرب نحب أوطاننا للحد الذي دفعنا للاقتتال على هذا النحو الوحشي؟

فروت لي حادثتين عاصرتهما في سويسرا كنوع من الإجابة:

الحادثة الأولى:

قامت الحكومة السويسرية بالتصويت لصالح قانون تمنح الدولة بناء عليه 1000 فرنك سويسري لكل مواطن سويسري، سواء كان يعمل أو باحثاً عن عمل، بمدة مفتوحة وحتى يجد المواطن العمل الذي يحبه ويجيده وليس العمل الذي يؤمن له الدخل المناسب. وبذلك تجعل الشعب أكثر سعادة ورضا.

لكن ما الذي حدث إبّان التصويت الشعبي على الاقتراح؟

لقد صوّت الشعب السويسري بالأغلبية على رفض تمرير القرار حرصا منهم على الاقتصاد السويسري!. وحتى لا يعتاد الشعب على الكسل.

قالت صديقتي إنها سألت نفسها، هل هناك مواطن عربي واحد سيقدم اقتصاد وطنه عن مصالحه الشخصية كما فعل السويسريون؟

فقلت لها: لا أعرف، ما أعرفه أن الشعب السعودي يطالب بتمديد سنوات صرف حافز وزيادة مبلغه!

ابتسمت وقالت لي: دعيني أسألك سؤالا عنك أنتِ، هل سبق وانحنيتي على أرضية الرصيف كي تزيلي «علكة» ملتصقة به؟

لم أجبها، فأكملت، الحادثة الثانية:

رأيت امرأة سويسرية وقورة ترتدي أغلى الثياب وقد نزلت على ركبتيها على الرصيف لتزيل «علكة»، بعد أن بصقها شاب عربي من فمه على الأرض، نزعتها من الرصيف ثم حملتها في منديل لتلقيها في حاوية القمامة.

حين رآها الشاب العربي شعر بالخجل وقال لها لو تركتِها لدفنتها الريح في التراب.

أجابته بهدوء: وإن يكن، إنها مضرة بالبيئة وقد تبتلعها الطيور فتختنق.

انتهت مكالمة صديقتي بعد أن تشعب الحوار لمواضيع أخرى. والوطن مثل الصحة تاج على رؤوس الأصحاء والمواطنين الصالحين. لا يراه إلا المرضى ومن هاجروا قسرا.