أخبار

تركي الفيصل: المواقف الغامضة الأوروبية والصينية والروسية تشجّع إيران على سياساتها العدوانية

«فكر16»..

صورة الجلسة الافتتاحية

«عكاظ» (دبي)

شهدت الجلسة العامّة الأولى في اليوم الأول من مؤتمر «فكر16»، نقاشاً متنوّعاً في ما يتعلق برؤى الولايات المتّحدة الأميركية وروسيا الاتحاديّة والاتّحاد الأوروبي والصين، حول الوضع في المنطقة العربية وصوَر وأشكال الفوضى فيها وأسبابها، وتصوّرات هذه الدول وسياساتها لصناعة الاستقرار، ودورها في تحقيق هذا الهدف.

الجلسة الأولى: الرؤية والسياسات والدور

تضمّنت الجلسة مداخلات لكلّ من رئيس كرسي «أرلي بورك» في الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتّحدة الأميركية الدكتور أنتوني كوردسمان، ومدير معهد الاستشراق في الأكاديمية الروسية للعلوم الدكتور فيتالي نعومكين الذي تعذّر حضوره، والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، الدكتورة فلورانس غوب، وعميد كليّة دراسات الشرق الأوسط والمدير التنفيذي لمركز الدراسات العربيّة في جامعة اللغات والثقافة في بكين، لوه لين. وعقّب على المداخلات الأمير تركي الفيصل، ورئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. فيما أدار الجلسة الدكتور جوزيف مايلا أستاذ علم الاجتماع السياسي والعلاقات الدولية.

أنتوني كوردسمان: على العرب أن يحلّوا مشكلاتهم بأنفسهم

تطرّق الدكتور أنتوني كوردسمان إلى الأهداف الاستراتيجية الأميركية الرئيسة في المنطقة، والتي تشمل ضمان تدفّق النفط الخام والغاز المُسال ومنتوجاته إلى السوق العالمية، والحفاظ على المصادر الرئيسة للإيرادات الأميركية في آسيا، وعلى صحّة الاقتصاد العالمي وضمان الخطوط الرئيسة للاتصالات. وتحدّث عن هزيمة الإرهاب والتطرّف العنيف من مصادره، أيّ الأراضي العراقية والليبية والسورية واليمنية، والوصول إلى إطار عملٍ دوليّ للتعاون مع الحرب على الإرهاب. ورأى أنّ ردع إيران واحتوائها من خلال منع حيازتها أسلحة نووية وصاروخية، ووقف توسّعها في المنطقة، هو في صلب الأهداف الأميركية، يضاف إلى تعزيز الشراكات الاستراتيجية، ووقف الانقسام داخل مجلس التعاون الخليجي، والمساعدة في تطوير بنىً سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر استقراراً.

ودعا إلى بذل جهود جماعية كبيرة لتقليص خطوط الخلاف التي يمكن أن تستغلّها إيران، وإيجاد بدائل عن سباق التسلّح المفتوح، مشدداً على أنّ كلّ ذلك غير ممكن من دون المزيد من التعاون العربي – العربي، والعربي - الأميركي. مؤكّداً أنه على أنّ الحلّ هو بيد العرب وحدهم، وإن لم يحلّوا مشاكلهم بأنفسهم، لا يمكن لأحد أن يحلّها لهم.

نعومكين: الخلافات المذهبية قوّض الاستقرار

وتلا مدير الجلسة كلمة الدكتور فيتالي نعومكين فأكّد فيها أن تقويض الاستقرار في المنطقة يعود إلى ميلٍ عميق نحو النزاع على ثلاثة مستويات: محلياً، وإقليمياً ودولياً. وأكّد أنّ الخلافات المذهبية والإثنية والدينية وغيرها لها أثر تخريبي على المنطقة كلّها، وهي تقوّض الاستقرار والتطوّر فيها. ومن الأسباب الأخرى لوصول المنطقة إلى هذه المرحلة، تراجع دور العديد من المنظّمات الدولية والإقليمية غير القادرة على التعامل مع التحدّيات العديدة، كذلك انتهاك بعض القوى الخارجية بشكلٍ غير قانوني لسيادة أمم مستقلّة في المنطقة، فضلاً عن محاولات الإطاحة بالقوّة بأنظمة غير مرغوب فيها، لم يؤدّ ذلك سوى إلى تعزيز احتمالات النزاع. وأكّد أنّ العدوّ المشترك للجميع هو الإرهاب الدولي، ويمكن للحرب على الإرهاب أن تكون عنصراً موحِّداً لمختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين، وهو ما تأمله روسيا بشدّة.

وأكّد على ضرورة التعاون بين روسيا والغرب وخصوصاً الولايات المتّحدة، للإسهام في تحقيق الاستقرار في المنطقة وليس المواجهة. وحذّر من أنّ أيّ صدام روسي أميركي سيجعل الدول العربية بشكلٍ عامّ وسورية بشكلٍ خاص ساحة لـ«آخر حرب في تاريخ البشرية». لذلك دعا إلى اعتماد الحكمة والحكم السليم لمنع وقوع هذا السيناريو الكارثي.

ورأت فلورنس غوب أنّ أوروبا هي جارة الدول العربية تجمعها بها روابط تاريخية واقتصادية واجتماعية، وأنّ رؤية الاتّحاد الأوروبي تجاه العالم العربي اليوم تقوم على ضرورة أن تكون هذه المنطقة أكثر مرونة. وطرحت بصفتها ممثّلة لأوروبا أسئلة على الحضور الذي يمثّل المنطقة العربية، السؤال الأوّل يتعلّق بالهيكليات الأمنية التي تمنع النزاعات في المنطقة أو النزاعات بين المنطقة وقوى خارجية، إذ تنشب في كلّ عقدٍ حرب تتورّط فيها دولة غير عربية و25 نزاعاً داخل دول عربية.

واعتبرت أنّ العالم العربي يحتاج إلى نظام أمنيّ يمنع الحروب مع أطراف خارجية ويمنع الحروب الأهلية. أمّا السؤال الثاني فيتعلّق بالنظام السياسي المناسب للمنطقة، فهل هي الديمقراطية على غرار أوروبا، وإن لم تكن الديمقراطية، فما هو النظام المناسب الذي يحافظ على حقوق الجميع؟ والسؤال الثالث حول النظام الاقتصادي الذي يناسب المنطقة والذي تحتاج إليه. ورأت في ختام كلمتها أنّه لا توجد إجابات لدى أوروبا على هذه الأسئلة، بل هي موجودة في المنطقة، لكنّها تتعهّد كجارة بمساعدة العرب.

وعرض الدكتور لوه لين رؤيته لأسباب الاضطرابات في المنطقة العربية، وهي بحسبه أربعة: أولاً الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعل المنطقة ساحة يستطيع فيها كلّ من لديه ذرائع بأنّه لاعب عالمي، ليبحث عن النفوذ ويبدأ الصراعات الإقليمية. ثانياً التنمية غير المتوازنة في الدول العربية التي تزيد الوضع سوءاً، حيث أدّى النمو الاقتصادي الذي يقوده النفط إلى تراجع التصنيع قبل الأوان، وعزّز الموقع الخاضع للمنطقة العربية في التسلسل الهرمي العالمي للإنتاج. ثالثاً الصراعات الدينية المتكرّرة بين الدول والقبائل. رابعاً تدخّل القوى العظمى الذي يؤدّي إلى نشوب الفوضى في المنطقة العربية. فالمنطقة لطالما كانت في دائرة الضوء سواء محليّاً أو دولياً، بسبب صراعاتها المستمرّة التي لم نتمكّن من وضع نهاية لها، وخصوصاً بعد تدخّل كبيرٍ من القادة المحليين والدوليين الذين يهدفون إلى استعادة السلام في هذه المنطقة. وشدّد على أنّه لا يمكن حلّ الاضطرابات في المنطقة العربيّة بمجرّد استخدام القوّة العسكرية، بل من خلال الصبر والتفاوض السلمي والتعاون لتحقيق الاستقرار.

وتوقّف لوه لين عند مبادرة الحزام والطريق، وهي رؤية الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013 التي تسعى إلى دمج الصين مع اليابسة الأوروبيّة الآسيويّة من خلال شبكة واسعة من ممرّات النقل وخطوط أنابيب الطاقة والبنى التحتيّة للاتصالات. وأوضح أنّ الصين تنظر إلى المنطقة العربية كشريكٍ أساسي في المبادرة. واعتبر أنّه لحلّ الاضطرابات في المنطقة، تلتزم الصين بالترويج لمحادثات السلام والتسوية السياسيّة بين الدول المختلفة، مشدّداً على أنّ بلاده تحترم جميع المقترحات للتسوية السياسية وتؤيّدها، طالما كانت مقبولة بشكلٍ عامّ للأطراف في هذه المنطقة وتتماشى مع رغبة شعبها.

بعد ذلك، عقّب الأمير تركي الفيصل على الأوراق التي قدّمها المتحدثون، فأكّد أنّ غياب الرؤى والتوجّهات الاستراتيجية عند القوى الدولية كافّة، حول متطلبات السلم والأمن الدولييْن، مسؤولة عمّا يعيشه العالم من توتر واحتقان وعدم يقين، كما أنّ السياسات الدولية المتخبّطة للدول القائدة في المنظومة الدولية، مسؤولة عن كثير مما يجري في العالم وفي منطقتنا.

ورأى أنّ ميزان القوى العالمي تغيّر وتغيّرت معه موازين القوى الإقليمية، ودخلت منطقتنا في فراغ استراتيجي أظهر طبيعة التحدّيات التي تواجه دُولنا العربية داخلياً وخارجياً. وأكّد أنّ الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع المحوري في المنطقة، وهو بؤرة عدم استقرارها منذ بدايته حتى اليوم، مشيراً إلى أنّ الشعوب العربية تنظر إلى القوى الدولية من خلال مواقفها حيال هذا الصراع الذي يشكّل حَلّه مفتاح الأمن والاستقرار في المنطقة. واعتبر أنّ هذه المواقف هي الكاشفة للنفاق السياسي للقوى الدولية، التي تنادي وتُبشّر بترسيخ قيم الحرّية وحقّ تقرير المصير والمساواة بين البشر وحكم القانون.

وتحدّث الفيصل عن المصادر الرئيسة التي تتسبّب في عدم الاستقرار الحالي في المنطقة، والدور الإيراني ما بعد ثورة 1979، سواء أكان ذلك في سعي إيران للهيمنة السياسية أم في تدخّلاتها في شؤون دولنا ونشر أفكارها الطائفية ومحاولة تصديرها إلينا ودعمها الإرهاب الطائفي، أم من خلال سعيها الحثيث إلى امتلاك مصادر القوّة غير التقليدية، أم في غموض نواياها وخططها، أم في احتلالها لجزرنا الإماراتية. ولفت إلى غموض بعض القوى الدولية في احتواء هذا الخطر، مؤكّداً أنّها لا تفهم ولا تستوعب إحساسنا بهذا الخطر الداهم، فالدول الأوروبية والصين وروسيا في مواقفها الغامضة تجاه الدور الإيراني في المنطقة، تُشجّع إيران على الاستمرار في سياساتها العدوانية.

ورأى الفيصل أنّ فشل المجموعة الدولية في معالجة الأزمتين السورية والليبية، هو دليل واضح على حدّة هذا الاستقطاب، مؤكّداً أنّ الإرهاب مصدر رئيس لعدم الاستقرار في المنطقة، وهذا الإرهاب ليس إرهاب داعش والقاعدة فحسب، بل القوى كلّها والمليشيات المتطرّفة الطائفية في العراق وسورية واليمن ولبنان وغيرها من الدول. واعتبر أن هذا الإرهاب العابر للحدود، يشكّل تهديداً وجودياً لمفهوم الدولة الوطنية في منطقتنا، وعليه، يقع على الجميع الإسهام في دحره وهزيمته وإيجاد الظروف المناسبة لمعالجة مسبّباته.

واعتبر أنّ تشخيص القوى الدولية لأوضاعنا، ورسم استراتيجياتها وسياساتها بناءً على هذا التشخيص، لم يؤدّ بنا إلّا إلى كوارث لا نهاية لها. وحذّر من أنّ عالمنا العربي هو عالم منكشف استراتيجياً على الصعد كافّة، ومفتوح على الاحتمالات كلّها. ورأى أنّ هذا الانكشاف واضح للعيان منذ عقود، إذ كانت حالة التشرذم والضعف قائمة فيه جرّاء تداعيات أحداث جسام حلّت في المنطقة خلال العقود الماضية، مشيراً إلى أنّ ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من اضطرابات وفقدان للتوازن على مستوى الدول وعلى مستوى الإقليم، كان نتيجة حتميّة لخلط السياسات والخيارات المُتّبعة داخلياً وخارجياً. وأكّد أنّ معالجة أوضاعنا وصمودنا في وجه التحدّيات الخطِرة التي تواجهنا وترتيب بيتنا العربي، هو ما يجعلنا شركاء مع القوى الدولية في حفظ أمن المنطقة واستقرارها.