سورية.. مسرحية الكيماوي !
الثلاثاء / 01 / شعبان / 1439 هـ الثلاثاء 17 أبريل 2018 01:48
طلال صالح بنان
ليست المرة الأولى التي يضرب النظام السوري الشعب العربي السوري بالكيماوي. للمفارقة: النظام السوري سبق واستهدف نفس المنطقة بداية الثورة السورية 21 أغسطس 2013! أيضاً: لم تكن هذه المرة الأولى التي تؤكد فيها الدول الكبرى إجماعها الإبقاء على نظام بشار الأسد ليواصل مجازره وتنكيله بالشعب العربي السوري.. ليظل عنصراً من عناصر عدم الاستقرار في المنطقة.. وتصبح سورية ساحة ضيقة، بكل احتمالات التوسع في مساحتها وعنفها، بؤرةً لعدم الاستقرار لصراع الدول الكبرى التاريخي في الشرق الأوسط.
هدد الغرب وأرعد وأزبد، عندما أقدم بشار الأسد، السبت قبل الماضي، بقصف دوما في الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، وكأنه يقول له.. ولروسيا، ولكل طرف دولي يؤيده، وهم كُثر حتى بين الدول العربية: إن هذا لم يكن اتفاقنا! لكم أن تفعلوا أي شيء بسورية وشعبها العربي والمنطقة، إلا الاقتراب مما يمكن أن يسبب لنا حرجاً، مع الرأي العام عندنا! في المرة الأولى، جاءت موسكو لنجدة الأسد ونظامه بـ«مكيدة» تخلص سورية من سلاحها الكيماوي.
حينها.. أكل العالم، وأمريكا في المقدمة، الطعم، ربما مختاراً وليس بالضرورة غفلةً منه. وكان أن دخلت روسيا بقضها وقضيضها سورية والمنطقة، وهي عازمة - هذه المرة - ألا تكرر تجربة أفغانستان.. وألا تسمح للغرب بأن يتجاهل أطماعها التوسعية، خارج ساحة صراعهما التقليدي، في أوروبا غرب الأورال والقوقاز والبلقان.. أو أن يتجرأ الغرب، أكثر، الاقتراب من عرين الدب الروسي، في المناطق المتاخمة لحدوده، بمد ذراعه الإستراتيجية (منظمة حلف شمال الأطلسي).
حال ظهور دلائل استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد سكان دوما، وهو في حقيقة الأمر لم يكن مضطراً من الناحية العسكرية لذلك، هذا إن كان هناك مبرر على الإطلاق لاستخدام السلاح الكيماوي في الحروب النظامية، دعك من أي شيء دون ذلك من أشكال العنف. سبق الهجوم الكيماوي اتفاق برعاية الروس لإجلاء المقاتلين من مدن وقرى الغوطة الشرقية. لم يكن هناك من تفسير للجوء نظام الأسد للسلاح الكيماوي، كما هو الحال في المرات السابقة، سوى استسلام الأسد ونظامه لـ«غواية» التنكيل بالشعب العربي في سورية.. وممارسة جنونه «السادي» الذي تغذيه «عقد» طائفية، جعلت من الساحة السورية، مطمعاً من قبل قوى إقليمية، إيران على وجه التحديد، لتسوية مشكلاتها وعقدها مع العرب، الذين قوضوا إيوان كسرى أنو شيروان، منذ أكثر من 14 قرناً.
الرئيس الأمريكي، الذي لديه مشكلاته الداخلية، وجد فرصة الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية، لينتقد سياسة خلفه في الأزمة، ويطلق سلسلة من التغريدات، من حسابه في «تويتر»، جعلت العالم يحبس أنفاسه انتظاراً لرفع عبء الأزمة السورية الأخلاقي والإنساني عن كاهله. كان يتوعد أن الرد سيكون مزلزلاً، لدرجة أنه هدد به الروس واتهمهم بأنهم مسؤولون مع نظام الأسد في ارتكاب الجرم. قال، في ما قال: إن أمريكا ستستخدم سلاحاً فتاكاً دقيقاً وذكياً، لن يقوى حتى الروس على صده.. وزاد: إن ذلك سيتم خلال ساعات! ومضت الساعات والأيام، حتى فقدت المفاجأة عنصر المباغتة الإستراتيجية.. وبعد أن أخذ النظام السوري وروسيا وحزب الله احتياطاتهم لتحييد أي ضربة أمريكية، أو غربية!
بعد أسبوع كامل من الهجوم الكيماوي، جاء الرد، الذي وعد الرئيس الأمريكي أن يتم خلال ساعات، ضعيفاً ونسبياً ومشتتاً وبصورة جماعية، مع فرنسا وبريطانيا! كان يمكن ألا يكون هناك رد أصلاً، لولا تسرع الرئيس ترمب، بتهديداته النارية، التي أنذر أنها ستكون خلال ساعات! فشل الغرب في استصدار قرار من مجلس الأمن يخول العالم بالرد على هذا العمل الإجرامي. ثم جاءت بداية النكوص عن القيام برد عسكري بالصورة التي توعد بها الرئيس ترمب، من وزير دفاعه (جيمس ماتيس) عندما قال: إنه يعتقد أن هناك هجوماً كيماوياً وقع في سورية، إلا أن ليس لدى واشنطن أدلة على ذلك! هذا، إلى حد كبير، يتفق مع الرواية الروسية! لولا إن فرنسا ضغطت أن يكون هناك رد، لما جاء الرد أصلاً.
الكل متهم بالهجوم الكيماوي الأخير على دوما في الغوطة الشرقية.. بل إن الكثيرين، متورطون في هذه الجريمة.. وما نظام الأسد إلا العنوان الظاهر على غلافها، وإن كان ذلك يتسق تماماً مع خلفيته الطائفية الإجرامية البغيضة. طالت الضربة الصاروخية منشآت عسكرية، أُفرِغت من عددها وعتادها.. ومراكز بحثية، هجرها النظام منذ فترة طويلة، لأولوية تنكيله وبطشه بالشعب العربي في سورية، على أية اعتبارات تنموية أخرى. لم تستهدف غارات الدول الثلاث على سورية، انتقاماً للهجوم الكيماوي على دوما بالغوطة الشرقية، أياً من مؤسسات النظام أو رموزه. كما لم تطل الغارات الصاروخية أياً من مواقع الوجود الروسي في سورية، ولو عن طريق الخطأ، وإن كان ذلك متوقعاً، ليس بسبب تفادي مواجهة كونية على الأرض السورية، بل تأكيد، على تواطؤ الجميع لما يحدث في سورية.
استخدام الكيماوي على المسرح السوري، ليس فقط خطاً أحمر، على الجميع عدم الاقتراب منه.. بل هو بمثابة ورقة التوت، التي تستر سوءات الجميع.. ويحرصون، باستماتة، على عدم نزعها!
* أستاذ وكاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
هدد الغرب وأرعد وأزبد، عندما أقدم بشار الأسد، السبت قبل الماضي، بقصف دوما في الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي، وكأنه يقول له.. ولروسيا، ولكل طرف دولي يؤيده، وهم كُثر حتى بين الدول العربية: إن هذا لم يكن اتفاقنا! لكم أن تفعلوا أي شيء بسورية وشعبها العربي والمنطقة، إلا الاقتراب مما يمكن أن يسبب لنا حرجاً، مع الرأي العام عندنا! في المرة الأولى، جاءت موسكو لنجدة الأسد ونظامه بـ«مكيدة» تخلص سورية من سلاحها الكيماوي.
حينها.. أكل العالم، وأمريكا في المقدمة، الطعم، ربما مختاراً وليس بالضرورة غفلةً منه. وكان أن دخلت روسيا بقضها وقضيضها سورية والمنطقة، وهي عازمة - هذه المرة - ألا تكرر تجربة أفغانستان.. وألا تسمح للغرب بأن يتجاهل أطماعها التوسعية، خارج ساحة صراعهما التقليدي، في أوروبا غرب الأورال والقوقاز والبلقان.. أو أن يتجرأ الغرب، أكثر، الاقتراب من عرين الدب الروسي، في المناطق المتاخمة لحدوده، بمد ذراعه الإستراتيجية (منظمة حلف شمال الأطلسي).
حال ظهور دلائل استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد سكان دوما، وهو في حقيقة الأمر لم يكن مضطراً من الناحية العسكرية لذلك، هذا إن كان هناك مبرر على الإطلاق لاستخدام السلاح الكيماوي في الحروب النظامية، دعك من أي شيء دون ذلك من أشكال العنف. سبق الهجوم الكيماوي اتفاق برعاية الروس لإجلاء المقاتلين من مدن وقرى الغوطة الشرقية. لم يكن هناك من تفسير للجوء نظام الأسد للسلاح الكيماوي، كما هو الحال في المرات السابقة، سوى استسلام الأسد ونظامه لـ«غواية» التنكيل بالشعب العربي في سورية.. وممارسة جنونه «السادي» الذي تغذيه «عقد» طائفية، جعلت من الساحة السورية، مطمعاً من قبل قوى إقليمية، إيران على وجه التحديد، لتسوية مشكلاتها وعقدها مع العرب، الذين قوضوا إيوان كسرى أنو شيروان، منذ أكثر من 14 قرناً.
الرئيس الأمريكي، الذي لديه مشكلاته الداخلية، وجد فرصة الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية، لينتقد سياسة خلفه في الأزمة، ويطلق سلسلة من التغريدات، من حسابه في «تويتر»، جعلت العالم يحبس أنفاسه انتظاراً لرفع عبء الأزمة السورية الأخلاقي والإنساني عن كاهله. كان يتوعد أن الرد سيكون مزلزلاً، لدرجة أنه هدد به الروس واتهمهم بأنهم مسؤولون مع نظام الأسد في ارتكاب الجرم. قال، في ما قال: إن أمريكا ستستخدم سلاحاً فتاكاً دقيقاً وذكياً، لن يقوى حتى الروس على صده.. وزاد: إن ذلك سيتم خلال ساعات! ومضت الساعات والأيام، حتى فقدت المفاجأة عنصر المباغتة الإستراتيجية.. وبعد أن أخذ النظام السوري وروسيا وحزب الله احتياطاتهم لتحييد أي ضربة أمريكية، أو غربية!
بعد أسبوع كامل من الهجوم الكيماوي، جاء الرد، الذي وعد الرئيس الأمريكي أن يتم خلال ساعات، ضعيفاً ونسبياً ومشتتاً وبصورة جماعية، مع فرنسا وبريطانيا! كان يمكن ألا يكون هناك رد أصلاً، لولا تسرع الرئيس ترمب، بتهديداته النارية، التي أنذر أنها ستكون خلال ساعات! فشل الغرب في استصدار قرار من مجلس الأمن يخول العالم بالرد على هذا العمل الإجرامي. ثم جاءت بداية النكوص عن القيام برد عسكري بالصورة التي توعد بها الرئيس ترمب، من وزير دفاعه (جيمس ماتيس) عندما قال: إنه يعتقد أن هناك هجوماً كيماوياً وقع في سورية، إلا أن ليس لدى واشنطن أدلة على ذلك! هذا، إلى حد كبير، يتفق مع الرواية الروسية! لولا إن فرنسا ضغطت أن يكون هناك رد، لما جاء الرد أصلاً.
الكل متهم بالهجوم الكيماوي الأخير على دوما في الغوطة الشرقية.. بل إن الكثيرين، متورطون في هذه الجريمة.. وما نظام الأسد إلا العنوان الظاهر على غلافها، وإن كان ذلك يتسق تماماً مع خلفيته الطائفية الإجرامية البغيضة. طالت الضربة الصاروخية منشآت عسكرية، أُفرِغت من عددها وعتادها.. ومراكز بحثية، هجرها النظام منذ فترة طويلة، لأولوية تنكيله وبطشه بالشعب العربي في سورية، على أية اعتبارات تنموية أخرى. لم تستهدف غارات الدول الثلاث على سورية، انتقاماً للهجوم الكيماوي على دوما بالغوطة الشرقية، أياً من مؤسسات النظام أو رموزه. كما لم تطل الغارات الصاروخية أياً من مواقع الوجود الروسي في سورية، ولو عن طريق الخطأ، وإن كان ذلك متوقعاً، ليس بسبب تفادي مواجهة كونية على الأرض السورية، بل تأكيد، على تواطؤ الجميع لما يحدث في سورية.
استخدام الكيماوي على المسرح السوري، ليس فقط خطاً أحمر، على الجميع عدم الاقتراب منه.. بل هو بمثابة ورقة التوت، التي تستر سوءات الجميع.. ويحرصون، باستماتة، على عدم نزعها!
* أستاذ وكاتب سعودي
talalbannan@icloud.com