كتاب ومقالات

صوت المنبه

شرفات

مي خالد

أحيانا أتساءل عن جدوى التقدم العلمي التاريخي المبهر للبشرية إن لم يستطع العلم تخفيف ضغوط الحياة على الإنسان المعاصر الذي تتقاذفه واجباته ومهامه اليومية الخارقة للعادة واحتياجاته العادية.

إن جيلنا البشري الحالي هو الجيل الأقدم في عمر الأرض، وليس العكس كما يفهم أغلب الناس. نحن من عاش تراكمات الأجيال السابقة حتى أصبحنا الأكبر في عمر الزمن، وأصحاب الإرث الإنساني الطويل، أما الأجيال التي نعتبرها أجيالا أقدم منا فما هم إلا طفولة البشرية وسذاجتها حيث الحياة الأبسط والأقل تعقيدا والأكثر حرية.

فمطلوب من الجيل البشري الحالي أن يعمل في وظيفة منهكة تهرس أعصابه وتنهش قواه العقلية والبدنية منذ الصباح وحتى أول المساء على الغالب، وبعضهم يعمل طوال اليوم. ثم يعود منهكا للنوم وقد وضع عقرب الساعة على الوقت الذي يجب أن يفيق فيه غدا ليعاود الكرة.

صوت جرس المنبه وهو يسحبك من دفء النوم العميق ليقظة الصباح المفاجئة الصادمة ليست بداية مريحة ليوم عملك الطويل. بعكس صياح الديكة وثغاء الأغنام التي يفيق عليها الإنسان البدائي، أو سكان الريف الذين هم في طريقهم للانقراض. إن صوت المنبه بداية قاسية مهما كنت شخصا متفائلا ومحبا لعملك أو لدراستك.

وحين قدّم العلماء بعض المساعدة بهذا الخصوص قاموا فقط باختبار بعض النغمات المفرحة على عينات من النائمين ليفيقوا على مواعيد محددة ودمجوا هذه النغمات في هواتفنا الذكية.

كلكم جرّب الاستيقاظ على مجموعة من هذه النغمات الكابوسية المتسارعة. وحتى لو وضعت نغمة من اختيارك أو لحنك المفضل وإن كان من عبقريات السمفونيات العالمية ستتوقف بعد قليل من الوقت عن الإعجاب بهذا اللحن أو الأغنية، بسبب قسوة المنبه الصباحي الذي يدفعك لمهرسة العمل الوظيفي كلما أفقت من النوم وارتديت ثيابك ثم خرجت للشارع متجها لعملك.

صوت نغمات المنبه تشبه إلى حد بعيد صوتا ساخرا لأشخاص يمدون ألسنتهم في وجهك كل صباح، والعلم يقف عاجزا عن اكتشاف طريقة لإيقاظ البشر بسهولة وراحة ودون صدمة أو إزعاج. لكنه لا يعجز عن ابتكار أساليب وأسلحة جديدة للموت كل يوم.