كتاب ومقالات

اغتيال العاطفة ونحرها من الوريد إلى الوريد !

علي محمد الرابغي

أفاق الناس يوم الأحد الماضي على فاجعة كبيرة ومدوية لم تكن تخطر على بالٍ، ليست لقطة من لقطات أفلام الرعب في هوليود ولكنها مأساة دامية من جنبات البيت العتيق.. بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمناً.. ولكن هذه الكارثة التي أقدم عليها والد زهرات ثلاث لم يكن أهلاً بهذا الجوار المقدس الذي ارتاع وروع ذلك المعتوه الذي فقد إيمانه وفقد كل معاني النبل والإنسانية.. عندما هتك دون رحمة أو هوادة بزهراته الثلاث.. وكأنما هو لص أو عدو تجرد في تلك اللحظات من عاطفة الأبوة.. وانسكب في داخله جين الكراهية والحقد والسوداوية العمياء.. وجفت ينابيع الإنسانية وتلك العاطفة الكريمة الراقية.. عاطفة الأبوة والتحنان ليتحول إلى ذئب شرس انقض على فرائسه الواحدة تلو الأخرى.. وأقدم في حالة من غياب الوعي وغياب الإيمان على جريمة القرن بنحر بناته الثلاث.. اللاتي فاجأهن مع بواكير الفجر.. ولم يكن بمقدورهن أن يدفعن عن أنفسهن هذا العدوان الصارخ الظالم.. وربما ألجمهن هول المفاجأة فلم يدر في خلدهن أن يتنكر الأب لهن في هذا الوقت وأن يتجرد من كل مقاييس الرحمة والعدل.. أقدم المجرم على قتل ثلاث بريئات.. الكبرى عمرها ست سنوات والوسطى أربع سنوات والصغرى سنتان.. ذلك يزيد من حالة الدهشة والاستغراب، ويبرز على السطح ترى ما الذنب الذي اقترفنه، ومع تقصي المعلومات والبحث والتحري كانت النتائج أكثر صدمة وتتل القلوب من الأعماق.. إذ ثبت أن الرجل مدمن للمخدرات وفي حالة من فقدان الوعي أقدم على تلك الجريمة.. فضلاً عن الخلافات الأسرية التي دائماً ما تضرب أركان البيت وتصيبه بالتصدع.. ومن خلال الخلافات الأسرية ينعكس معها كل تلك الشحنات البغيضة المشحونة بالكراهية والعنف على تلك البراعم التي لا ذنب لها.. وبكل أسف فإننا في هذه الأعوام نعيش وسط دوامة من العنف التي تصل إلى حد القتل بالسلاح الأبيض وبالمسدسات وبالرشاشات.. وذلك أمر لم يكن موجوداً من قبل.. ولكن الدفق الخارجي طفح هذا الغثاء على الواجهة.. وقديماً كنا نسمع بحادثة قتل واحدة في السنة.. شذ عنها ذلك المعتوه الذي أقدم في السبعينات على قتل ثلاثة أنفار في الطائف.. وسبحان الله فإن صخب الحياة وتدفق المؤثرات من أفلام ومن وسائل التواصل الاجتماعي أديا إلى العزلة في البيت الواحد.. وترى العائلة مشتتة ومنقسمة على نفسها.. كل في طريق ولكل دنياه وسماؤه وميدانه الذي يحلق فيه.. كل ذلك في غياب المراقبة من الأب ومن الأم والتوجيه السليم.. الأمر الذي يولد انفعالات كهربائية تفجر طاقات غير إيجابية.. يقع بكل أسف بعض فلذات الأكباد فريسة وضحية ينقاد معها تحت وطأة أفكار غريبة تصدر عن بؤر مريضة وحينها ولات حين مناص؛ إذ إن البعض وقع تحت تأثير الفكر المنحرف، وانقاد إلى اتباع المنظمات الهادمة.. وبعضهم لجأ إلى المخدرات تعاطياً وتوزيعاً.. وبكل أسف فإن المنظمات النفسية ومستشفى الأمل بجدة لم يعد فيه سرير فاضٍ.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.. تلك آفة مجتمعية ووالد تلك الزهرات عينة لأولئك الذين استدرجوا حتى وقعوا في شباك الذين لا يخافون الله ولا ضمير ولا إيمان يردعهم.. فكانت تلك الموجات السالبة في مقدمتها ذلك الأب الذي أقدم في حالة فقد فيها عقله وإرادته ومارس القوة والتسلط على من لا يملكها.. وكانت النتيجة هذه الكارثة المدوية.. وأحسب أني وزملائي وكل من على عواتقهم التوجيه والنقد الموضوعي والتربية والتعليم ووسائل الإعلام أن يمارسوا دوراً استثنائياً في تقصي خصوصية الخلوات.. وإدراك من وقعوا في شراك التنظيمات أو المخدرات في وقت مبكر لتلافي الوصول إلى ما وصل إليه ذلك الأب المجرم.. وحسبي الله ونعم الوكيل.

* كاتب سعودي

alialrabghi9@gmail.com