ليلة بلا أُمّ
بالسكين
الجمعة / 11 / شعبان / 1439 هـ الجمعة 27 أبريل 2018 01:43
علي بن محمد الرباعي
كانت لصلابتها وطيب معدنها فضل في بقاء جدران بيتها المتهالك أمتن من بيت شيخ التجر. الصغار مبثوثون في شقيق واحد، يضمهم ويضم قطتهم، وعنزهم المصرية الولود الحلوب، ودجاجة رقطاء وديك أحمر.
لم يشعروا بفقد الأب، بل آخر ما يتوقعونه أنهم أيتام، فـ(مصباح) تنير أرواحهم بعاطفة لو قسمت على أهل الأرض لكفتهم، وتجتهد في سبيل إسعادهم على حساب راحتها وصحتها.
ذات مساء بعد أن كبّت على خبزتها في الملة، استقربت طاسة الحناء، وطلبت من مهجة فؤادها (حميدة) ذات الأعوام التسعة تحنّي كفيها ورجليها، وقالت: يا فرختي بكرة باروح مع بنت جيراننا، زوجوها أهلها في اليمانية، وإنتي التكلة بعد الله عليك، في بيتك، وإخوانك.الله الله، الحُرّة تغدي حُرّة، لم تعلق المسكينة تيبست شفتاها وتبلكمت.
دخلت فراشها وشلّها الراقف تحت البطانية. لم تنجح في اختلاس ساعة نوم، طيلة ليلها وهي تشيل وتحط، ولم تبق أمنية، أو دعوة تعطّل الزواج إلا بذلتها، حتى تمنت موت العروس، أو مرض أمها حتى لا تذهب وتتركهم.
قاموا ضحى والأم تقلي بيضتين في الطاوة، والخبزة مسنودة على الحرانة. الصغار لم يعلموا بالأمر، وحميدة لا تلتفت في وجه أمها، لو بنظرة واحدة خشية أن تهتلها.
أطعمت صغارها، وطلبت من حميدة تولع الفانوس أمامها لتطمئن على خبرتها، ثم احتضنتهم، وقالت: ما بحوي بكرة وأنا عندكم، وانحاني خليت لكم حليب في الحلة، وخبزة وتمر في العدلة، وبعد المغرب صكوا بابكم وسموا بالرحمن تعشوا وارقدوا.
طيلة الطريق إلى منزل العريس وعين مصباح وراءها، حلّ الظلام، فلملمت الصبية نفسها وإخوانها جوار الملة، ونجحت في شبّ النار، وتسخين الحليب، وخلطته بسكر وبدأت تفت الخبزة لإخوتها.
بعد العشاء دبّ الخوف في قلبها. بدأت حرارة (أحمد) أصغر إخوتها ترتفع، وكانت تذهب إلى الباب وتعود، لا أحد في القرية، سكون تام، توتر الصغار كلهم، والتفوا في حجر حميدة وكأنهم الهدبة، ولم يتردد (حمدان) في التفوه بكلمة جارحة.
استشعرت مصباح فداحة ما أقدمت عليه، ونغزها قلبها، وبعد انتهاء حفلة الليل. أقسمت ما تثنيها، حذرتها النسوة من الذيابة وسبع الليل، قالت: الحافظ فالسما والله لو ما يبقى مني نتفة. تناولت الجبال، ولم يكد ينتصف الليل إلا والباب يدق، صاح حمدان وحميدة من؟ أجابت: أمكم افتحوا. لم يصدقوا. كانت الأنجم شاهدة على نحيب وشهب تتساقط. علمي وسلامتكم.
لم يشعروا بفقد الأب، بل آخر ما يتوقعونه أنهم أيتام، فـ(مصباح) تنير أرواحهم بعاطفة لو قسمت على أهل الأرض لكفتهم، وتجتهد في سبيل إسعادهم على حساب راحتها وصحتها.
ذات مساء بعد أن كبّت على خبزتها في الملة، استقربت طاسة الحناء، وطلبت من مهجة فؤادها (حميدة) ذات الأعوام التسعة تحنّي كفيها ورجليها، وقالت: يا فرختي بكرة باروح مع بنت جيراننا، زوجوها أهلها في اليمانية، وإنتي التكلة بعد الله عليك، في بيتك، وإخوانك.الله الله، الحُرّة تغدي حُرّة، لم تعلق المسكينة تيبست شفتاها وتبلكمت.
دخلت فراشها وشلّها الراقف تحت البطانية. لم تنجح في اختلاس ساعة نوم، طيلة ليلها وهي تشيل وتحط، ولم تبق أمنية، أو دعوة تعطّل الزواج إلا بذلتها، حتى تمنت موت العروس، أو مرض أمها حتى لا تذهب وتتركهم.
قاموا ضحى والأم تقلي بيضتين في الطاوة، والخبزة مسنودة على الحرانة. الصغار لم يعلموا بالأمر، وحميدة لا تلتفت في وجه أمها، لو بنظرة واحدة خشية أن تهتلها.
أطعمت صغارها، وطلبت من حميدة تولع الفانوس أمامها لتطمئن على خبرتها، ثم احتضنتهم، وقالت: ما بحوي بكرة وأنا عندكم، وانحاني خليت لكم حليب في الحلة، وخبزة وتمر في العدلة، وبعد المغرب صكوا بابكم وسموا بالرحمن تعشوا وارقدوا.
طيلة الطريق إلى منزل العريس وعين مصباح وراءها، حلّ الظلام، فلملمت الصبية نفسها وإخوانها جوار الملة، ونجحت في شبّ النار، وتسخين الحليب، وخلطته بسكر وبدأت تفت الخبزة لإخوتها.
بعد العشاء دبّ الخوف في قلبها. بدأت حرارة (أحمد) أصغر إخوتها ترتفع، وكانت تذهب إلى الباب وتعود، لا أحد في القرية، سكون تام، توتر الصغار كلهم، والتفوا في حجر حميدة وكأنهم الهدبة، ولم يتردد (حمدان) في التفوه بكلمة جارحة.
استشعرت مصباح فداحة ما أقدمت عليه، ونغزها قلبها، وبعد انتهاء حفلة الليل. أقسمت ما تثنيها، حذرتها النسوة من الذيابة وسبع الليل، قالت: الحافظ فالسما والله لو ما يبقى مني نتفة. تناولت الجبال، ولم يكد ينتصف الليل إلا والباب يدق، صاح حمدان وحميدة من؟ أجابت: أمكم افتحوا. لم يصدقوا. كانت الأنجم شاهدة على نحيب وشهب تتساقط. علمي وسلامتكم.