ثقافة وفن

عناد المطيري ينصف الليل من جور امرئ القيس والنابغة

بيوت تسكن الناس

عناد المطيري

قراءة: علي الرباعي

سكنتني أبيات الشاعر عناد المطيري، وربما تعد قصيدته (خذ راحتك ما غير أنا وأنت والليل) قصيدة البيت الواحد، وليس هذا مأخذاً، إذ كثيرا ما طفر بيت واحد على مجمل النص حتى غدا هو بيت القصيد ومحور قوته ومكمن إعجازه.

لم يكن الليلُ بمعزل عن اشتغالات الشعراء والفنانين، بل يكاد يكون مختبر الوعي الفني، إذ فيه مساحة كافية لمناجاة محبوب، وبثُّ آهة، ومسامرة قمر، وتهجي قاموس نجوم، وبرغم الحالة الرومانسية المتماهية مع إقبال ملهم المبدعين إلا أن امرأ القيس لم يحفل به كثيراً ولعله خلّده في صورة قاتمة بما مثله له من كآبة ومخاوف «وليل كموج البحر أرخى سدوله، عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي، فقلتُ له لما تمطى بصلبه، وأردف أعجازاً وناء بكلكل، ألا أيها الليل الطويل ألا انجل، بصبح وما الإصباح منك بأمثل». في حين يشبّه النابغة الذبياني حبيبه بخطاطيف تمدها يد الليل لاصطياده «فإنك كالليل الذي هو مدركي، وإن خلْتُ أن المنتأى عنك واسع، خطاطيف حجن في حبال متينة، تمدُّ بها أيد إليك نوازع».

في حين يذهب شاعرنا المطيري إلى أنسنة الليل وتحويله إلى صديق ثالث له ولمحبوبه، بل ويمنحه الثقة المطلقة في أن يعرف السر ويؤتمن عليه فيخاطب الحبيب «خذ راحتك ما غير أنا وأنت والليل، والليل مأمون على سر الأحباب» ليقلب المعادلة ويجعل من الظلام رفيق درب ونديم مسامرة، مخالفاً ما ذهب إليه الشاعر محمد الثبيتي «فمتى كانت ليالي المدلجين خليلة، ومتى متى كان الظلام صديقا».

وبحكم استيعاب المطيري تجارب آبائه الشعراء في عصور مختلفة يستلهم مسامرة عمر ابن أبي ربيعة ويتقاطع مع حالته وإن باللاوعي «وغاب قمير كنت أرجو غيوبه، وروح رعيان ونوم سمر، فيا لك من ليل تقاصر طوله، وما كان ليلي قبل ذلك يقصر» فيقول «خل القلوب اللي عطاشا مغاليل، تروي لهيب الشوق يوم القمر غاب».

ويستمر تداعي الصور في نص فاتن بتحريك المشهد الدرامي، ليدخل المتلقي مع الشاعر حالة التواصل الإيحائي ويتداخل سواد الهدب مع سواد الليل، ويحيل دقة الشعرة إلى سيف جارح «سود العيون اللي هدبها مظاليل، تجرح سكون الليل في همس الأهداب».

وبما أن الشاعر حاول التماهي مع لقاء الخفية ليجعل منه وقود كلماته، وبقدر جسارته مطلع النص على التماسك وإبداء الإعجاب باللحظات الخاطفة وإن غير مقصودة ودون ترتيب مسبق إلا أنه ينكشف ويعترف «الحب ما تحييه غير المواصيل، وإلا بدونه تصبح أقلوبنا أغراب، أعلن خضوعي لن ما عاد بي حيل، فيما مضى منك الجفا ما له حساب».