ثقافة وفن

علي خالد الغامدي.. فارسٌ روّض مهنة المتاعب وترجّل

المحرر زائراً الكاتب علي خالد الغامدي

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

دخل علي خالد الغامدي على مهنة المتاعب من بابها، واحترم قواعد اللعبة في عالم سحري تتبدل فيه المواقع والقواعد على مدار الساعة، كان يحمله العشق، ويختزل في قلبه النقي الصدق، مع مهارة منّ الله بها عليه، إذ كان مفتتنا بحوار الأقدام وتطلّع أن يسحب البساط من تحت الجوهرة سعيد الغراب، إلا أن صديقه النادر عبدالقادر شريم أغواه بحوار الأقلام.

سبر أغوار صاحبة الجلالة، وتهندم لها بما يلزم من قيافة فوقعت في أسره، وشكّت بسهام عتمتها فؤاده، وفرضت عليه أن يتعامل مع أجناس من البشر لهم أخلاقهم المتلونة والطبيعية وسلوكياتهم القاتمة والفاتحة، وتعاملهم الدغري والملفوف، ومع كل هذا الزخم وتلك الكثافة كان يقيم جسور ود ويردد «ربك وحده عالم النوايا» لم يتقمص شخصية غيره مهما بلغ من وعي بمفردات وصيغ وأسباب الوجاهة، ولم ينتحل دور غيره كونه لا يجيد الوقوف الطويل أمام المرايا، ولم يرهن ذاته التي ظل تقديسه لها مرتبة أولى وخطاً أحمر، وبما أنه يوقن أن رهن الكرامة غير قابل للفك مستقبلاً نصب هامته ولم ينحن للريح حتى وإن كبّده ذلك هز الأغصان وحتحتة الورق، مؤملاً أن يكون حمل الغيوم أسخى لإطفاء ولع الوجدان. نشأ في حارة البحر ومن هناك بدأت الحكاية، وشقلب مدرس الإنشاء الأستاذ سلطان كيانه وهو يمنحه ستة وثلاثين ريالاً لتفوقه في التعبير، وهضم المازني والحكيم والعقاد وطه حسين وفكري أباظة، فبدأ الكتابة الساخرة ضابطاً إيقاعها، وكانت الانطلاقة في البلاط مع الجنرال محمد صلاح الدين كما يصفه، والذي حاول تدريبه على المداراة ولكنه لم ينجح، كتب القصة وكان يقتل أبطاله، فنصحه الدكتور عبدالله مناع بأن يكون رحيماً. يرى أن الناس على مختلف مستوياتها وطبقاتها وأوضاعها وظروفها لا تموت إذا فقدت غذاء العقل لكنها تموت لو فقدت غذاء البطن، ويؤكد أن الصحافة دخلها أجناس من الناس منهم أهل سخاء بالبقشيش، وأهل دهاء وتلبيش، وماهر بالتطنيش، ومنتف الريش لكنه يجيد التحريش، وبين كل هؤلاء لم يكن شغله الشاغل أن يأكل بالمهنة العيش لأنه مؤمن أنه ليس بالعيش وحده يحيا الإنسان. كتب المقالة الساخرة وكان أحد الدهاقنة في العالم العربي إلا أنه بقدر اتساع ثقافته وزيادة وزنه كانت تضيق به الزوايا، فاتجه للتحقيق الصحفي وكان أبدع وأمتع من كتب، وبقدر ما روّض جموح مهنة المتاعب إلا أن إيثاره الاحتفاظ بصفات الفارس دفعه للترجل كونه لا يرضى بوظيفة سائس محنّك. واليوم برغم تطاول المرض عليه في وحدته، وانشغال الأصدقاء، لم يشحب وجهه المضيء بوهج المعرفة، ولم يذبل قلبه العامر بالإيمان، ولم تتشنج روحه الطافرة بالحس الساخر، وإن مرّر شيئاً من عتب المحبّ.