الألمعي لــ«عكاظ»: الأندية الأدبية بُنيت على المفاهيم العتيقة و رجيع الجامعات !
السبت / 12 / شعبان / 1439 هـ السبت 28 أبريل 2018 02:56
علي فايع (أبها) @alma3e
لا يعترف بالأندية الأدبية ودورها اليوم.. يجد نفسه أكثر في طفولته وغنائه وبكائه ورثاء الميت بالغناء، وانفجار النور بالدراسة، والكتب التي أهداها له أبوه «الأمّي» من مكتبات مكة وهو طالب في الصف الرابع الابتدائي.. كل هذا تجدونه في هذا البوح الشفيف مع الكاتب والشاعر «إبراهيم طالع الألمعي»... فإلى نصّ الحوار:
•
الحمد لله على السلامة بعد العارض الصحي الذي ألم بك.
••
«ما تشوف الباس يا مقدامِ غاليْ
لكْ لباس العافيَهْ
واكْرمَ اكرمْ يا النواميسِ الدَّلِيلهْ»
•
كيف رأيت المرض والأصدقاء والأدب بعد الشفاء ؟
••
الحمد لله أنني لم أزل في مرحلة «ليسَ يمرض إلاَّ امْسَيْحَانْ» كما علمتَ ورأيتَ ذلك أن شعورك بأنك بين الأهل والأحبة يتغلّب دائما على أجواء المرض.
أما الأصدقاء، فهذا مصطلح تقنيّ يرتبط عندي بالـ «سوشيل ميديا»، ومصطلحي الاجتماعي هو «أهل وأحبّة». فلم أستغربْ شيئا مما رأيتموه على المستويين الرسمي ممثلا في محافظنا ومسؤولي المحافظة، وعلى المستوى الشعبيّ الذي يحمل من الوفاء والشيم والقيم والحب المعتّقِ ما لم يستطع الزمن إنهاكه رغم عادياته.
بالنسبة للأدب، فقد عزفَ على أوتار جوهر هذا المجتمع بما رأيتموه من جواهره على كل المستويات الكتابية شعرا ونثرا وفي مقدمة عازفيه «فرقة ألمع للثقافة والتراث وشعراؤها» وكثير من الشعراء والكتاب الذين كانت أغاريدهم دواء موازيا يغلب على كل دواء.
ولا أخفي عليك أن تلك «السمفونية» الراقية التي عزفها الوطن طغت نهائيا على المرض حتى شعرتُ ببؤسِ المرض أمام الغناء.. وشعرتُ كثيرا بالخجل من نفسي..
ولك أن تسأل عن مجتمعٍ باقةُ وَردِ زيارتِه مريضَه تلك «الدَّمَّة» التي عطَّرت بيت ذلك المريض!! إنها القيمُ والشيمُ العميقةُ التي قلتُ لكم مرارا بأنه يصعبُ على الزمن مناجزتها، وكما قال أحد الأحبة: يهدون مريضهم الحياة وغيرهم يعوده مهديا له كفنه.
•
ماذا بقي لديك من ذكريات الطفولة ؟
••
كلما مرت الأيام شعرتُ بالطفولة أكثر، واسترجعتها.
كل الطفولة تحضرني، أمي الحبلى وهي تحملني فوق حمْلَة الحطب في عاتيات الجبال، غنمي وكلبي، حرث الأرض وغناؤه وبكاؤه، رثاء الميت بالغناء، لغاتي الخاصة بالمواشي، انفجار النور بالدراسة، هدية أبي «الأمي» التي استهداها لي من مكتبات مكة وأنا في الصف الرابع الابتدائي: «رياض الصالحين – تفسير الجلالين – تاريخ عسير للشيخ هاشم النعمي بتقريض الشيخ/ زاهر الألمعي»، بكائي في الصف الرابع الابتدائي بعد أن أقالتني جماعة مسجد الوادي عن خطابة الجمعة من «الحكمة البالغة» لوجود أكبر مني، فرحتي بظهور الكشاف بالبطاريات حيث يمكنك أن ترى في الوادي نورا متحركا ليلا، افتتاح احتفال القبائل بمجيء لجنة من مجلس الوزراء لدراسة تطوير المنطقة بالقرآن وبطولة مسرحية الوفاء المدرسية وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وجه وهيبة مدير المدرسة، ثوب من «البفت» خاطه أول خياط في الوادي وإصراري عليه بعمل «جيبين له» بدلا عن الجيب الواحد وعندما ضحك عليّ الطلاب وافقت أبي على إزالة الأيمن.
•
ماذا عن السعودية الجديدة ؟
••
أنا ممن لا يستوعبُ ببساطة ما يحدث، لأنني ضمن منظومة كان قد ران عليها صدأ ما كان واقعا، ففي عام 1394 هـ كنا في معهد الإدارة العامة بالرياض الذي ينفّذ برنامجا اسمه «برنامج دراسات الأنظمة» من متخرجي كلية الشريعة، فاحتدمت ندوة كان أحد طرفيها: د. سليمان السليم – د. غازي القصبي – ومجموعة من المتنورين، وكان الطرف الثاني عميد كلية الشريعة وسواه، مهمة هؤلاء تحريم دراسة ومصطلح «أنظمة - قانون»، واليوم صار القانون والأنظمة أمرا عاديا وضرورة لمن كان يحرّمها، ما كتبته كثيرا وحوسبتُ وأوقفتُ عليه مرات عديدة أنت اليوم تطرحه وهو عادي جدا، القضاء الذي لم يكن لكاتب الحديث عنه صار تخصصيا وحين كتبت زاوية عن ضرورة تخصصه في صحيفة البلاد أيام زاويتي «دروب» منعت الزاوية !
من كان يفسقنا بالتصوير وبلاقط البث الفضائي صار مستخدما وأكثر منا إتقانا لهذا !
•
ما رأيك في الهم الثقافي ؟
••
لك أن تسأل في هذا الأستاذ الأديب الإعلامي عبد العزيز الشريف، فهو من علمنا مفهوما خاصا لهذا المصطلح. ووصيتي لك إن أردت: لا تحملْ شيئا اسمه الهم الثقافي، لأن الثقافة بالذات مقصودة التغييب لأمر لا مجال لتفسيره هنا، وأؤيّدك بتحويل همك من الأدبية مثلا إلى الإعلامية و «المباطشة والمكاعشة» فهو خير لك وأقوم سبيلا، وليتنا نستطيع اتّباع أمريكا وأوروبا في شيء واحد هو إعدام مصطلح «إعلام» علّ مصطلح «ثقافة» ينجلي بشكل أشمل من مجرد الترفيه والفنون التشكيلية التقنية.
•
لديك أفكار عظيمة تكتب عنها مقالة ثم تنقطع، لم لا تشتغل على هذه الأفكار بإنتاج كتب تُقرأ ؟
••
أشعر فعلا بهذا، ولم أزل أحاول لملمة ذاتي بعد ضعف اللياقة الكتابية التي استمرأتها منذ إيقافي الأخير عن الكتابة «رغم أنك تزجرني لذكر هذا والقنقنة به على وطني وأهلي»، ولعلي أستطيع على الأقل إخراج ما هو موجود، فضلا عن أملي في إنتاج سواه.
•
كنتَ من أوائل من أطلق على نجران «مدينة المؤمنين» ووعدت بأن يكون لك كتاب فيها، ما أخبار الكتاب ؟ ولم تأخرت في طباعته ؟!
••
أولا: لا أعلم قبلي من أطلق عليها هذا اللقب سوى سورة البروج.. وقد يكون وأنا لا أعلمه فأرجو إفادتي !
ثانيا: أنت أكثر العارفين بضعف قدرتي على الالتزام العملي الرتيب. وصلت في «مدينة المؤمنين» مرحلة لا بأس بها، ولا أريد – قدر إمكاني - للكتاب أن يكون نسخة مما خرج عنها، وعندما توقفت فترة عنه حدثت الظروف الإقليمية، وكنتُ أرجو زيارة بعض الأماكن المحيطة بنجران، ولعلي أستطيع قريبا العمل على إكمال المشروع، خصوصا أنني كنت اتفقت مع مختص وطني في قراءة النقوش بدلا عن الاعتماد على قراءة المستشرقين قبل توافر إمكاناتنا هنا من تصوير وقراءة متخصصة، ولم يفِ لي بوعده، وهو أحد أساتذة جامعة الملك سعود.
•
أنت حديث عهد بمجالس الأندية الأدبية ولا بد أنّ لديك آراء حول هذه المجالس والأندية الأدبية بشكل عام، فماذا لديك ؟
••
حديث عهد بالمجالس نعم. لكنني لست حديثه بالأندية. وعن المجالس لا قضية فيها أبدا ولا إشكال، ولو شكّلتَ مجلسا يجمع امرأ القيس والمتنبي وابن رشيق وزرياب وعمر الخيام فلن يقدِّمَ ما تريده في ضوء الظروف التي تمر بها الأندية، القضية هي في فكرة الأندية التي بنيت على إعانة سنوية كالصدقة لا تذكر، وعلى مفاهيم عتيقة عن مفهوم الثقافة على أنها قصيدة وقصة ورواية ومحاضرات نقدية أكاديمية هي رجيع من الجامعات التي بنيت أيضا في أكاديمياتها على أن أستاذ الجامعة يتقن نقل ما جاء في الكتب التراثية أو الأجنبية، ولن يتعدى المسكين مرحلة الدكتوراه ما لم يؤصل بحثه بما قاله غيره، أما هو فلا مجال لأن تكون أطروحته ميدانا ورأيا له ! فاقتحمت هذه الثقافة منابر الأندية، مما أدى بها إلى الصدأ وعزوف المبدعين عنها وطلبهم قنوات أخرى أتاحها لهم الزمن.
•
ما الحل إذن ؟
••
لا حلّ لهذه المعضلة الثقافية سوى قرار شجاع واضح بإيجاد مراكز ثقافية شاملة ثقافة الشعب على مستوى المناطق. ولستُ أدري كيف لا يُطرح سؤال بسيط مثلا: لمَ توجد جمعية للثقافة والفنون ونادٍ أدبي ؟! وما هو تعريف الثقافة الذي يعتمد عليه المخطط الإداري حتى يبقيَ هاتين القناتين وكأن الأدب ليس جزءا من الثقافة ؟!
•
شِعْرُك كما يقول بعض الناس صعب، ما رأيك ؟
••
قد يكون ذلك لعوامل منها: نوعية الدراسة فكرا ولغة، والمرحلة التي بُنِينا فيها كانت تقتضي لغة خاصة كوسيلة لتمرير ما كان يحرم علينا ويمنع ويحل لك اليوم ويمرّ، إضافة إلى حكم البيئة وطبيعتها التي تعرفها، وما يهمني هو قناعتي التامة بأنه يمثلُ مكاني وبيئتي، ولا أريد مزاحمة نزار في دمشقيته ولا شوقي في قصوره وقاهرته، ولا الجواهري في دجلتيه، وكم أرحم الذين يولدون من أرحام غير أرحامهم وأعتبرهم تكرارا لسواهم وسوى أماكنهم... هذا مجرد رأي.
•
هل أنت ممن يحتفون بما يكتبه النقاد عنهم من مديح ؟
••
نعم أفرح بما يقوله إن آنستُ فيَّ أو في ما أكتبه شيئا من هذا. وإنْ مدحني أحدٌ بما لا تراه فيَّ فلك أن تتأكدَ أنه لا يجدُ مني وجبة غداء أو عشاء، وأنه حين مدحني لم يمدح سيف الدولة لينال خِلْعته.
•
كيف هي علاقتك بالكتاب الجديد بعد أن علمنا أنّ لديك حصيلة ممتازة من القراءات التراثية ؟
••
سيئة جدا، فبعد أن تكون حفظت تلميذا ألفية ابن مالك وشروحها، كيف لك أن تهتم كثيرا بقراءة النحو الوافي لعباس حسن، أو كتاب مدرسي كــــ «لغتي» ؟! وقرأت «الفتوحات المكية» لابن عربي كيف تقرأ شيئا عن فلسفات الوجود ؟! أو قرأت ودرست «العمدة في محاسن الشعر ونقده» كيف تقرأ ما تراه من الأطروحات المجمّعة من كتب أنت درستها تلميذا ؟! أو قرأت رسالة الغفران ثم تهتم بكتاب عن مسرحٍ يعجز حتى عن محاكاة المكان ذاته ؟!
•
هل لدينا شعراء اليوم ؟
••
كثير هم الشعراء، لكنّ المشكلة أن الكلمة لم تعدْ شاعرة، والصورة لم تعد ذهنية بالكلمة، بل صارت بالرؤية. المشكلة أن الشعراء يعانون من فقدان الصلة بحركة الحياة الحقيقية التي صارت رؤية لا تجريدا، ولذا لم تعد ترى علوم البلاغة مثلا تستوعب حتى من أساتذتها ولو ذهبت إلى عقر دارها في الأزهر، فالصورة الحية صارت أبلغ من فلسفة السكاكي اللفظية، إضافة إلى أن شعر القضية صار هو الأهم لدى البشرية، والقضية في عالمنا الثالث محاصرة ومطاردة، مما يلجئ الشعراء إلى الإيغال كتذكرة للعبور.
•
من يطربك من هؤلاء الشعراء ؟
••
أصدقك القول: لا يطربني شعر لا يُغنَّى ولا ترعشُ فيه الصفوفُ الأرض، ولا أشعر معه بانتفاضي.. يطربني «الهازمي - ابْر عشقَهْ – سعد الألمعي – عبد الله القيسي – محمد هادي – إبراهيم آل عبده ـــ صوت الأرض عيسى عايض».
•
نصيحتك للأدباء الشباب.
•• أن يكتبوا من واقعهم، وألاَّ ينقلوا لي ولك ما نعرفه وغنَّى به الآخرون، أن يخرجوا مخزون هذه الأرض من التاريخ والجمال وصنوف الحياة الإنسانية والطبيعية، ألا يضع نفسه في سباق مع أديب الشام أو مصر أو غيرها ممن أهدونا أعظم ما لديهم، وأن نحاول مثلهم إهداءهم أجمل ما لدينا، وأن يكون عالميا بمكانه لا بالكتابة نيابة عن الآخرهناك والذي يكتب لنا ما لديه، وأشعر بأن هذا ظاهر جدا في أدب شبابنا اليوم، ولك أن تنظر – عبر الميديا – في كتابات الشاب «سعيد معلف» مثلا وسواه لترى أن مفرداتهم وصورهم تنبعُ من جبل «تهلل» الذي يلفّه الإيمان والحب والحياة كما تلفه السحابة.
•
الحمد لله على السلامة بعد العارض الصحي الذي ألم بك.
••
«ما تشوف الباس يا مقدامِ غاليْ
لكْ لباس العافيَهْ
واكْرمَ اكرمْ يا النواميسِ الدَّلِيلهْ»
•
كيف رأيت المرض والأصدقاء والأدب بعد الشفاء ؟
••
الحمد لله أنني لم أزل في مرحلة «ليسَ يمرض إلاَّ امْسَيْحَانْ» كما علمتَ ورأيتَ ذلك أن شعورك بأنك بين الأهل والأحبة يتغلّب دائما على أجواء المرض.
أما الأصدقاء، فهذا مصطلح تقنيّ يرتبط عندي بالـ «سوشيل ميديا»، ومصطلحي الاجتماعي هو «أهل وأحبّة». فلم أستغربْ شيئا مما رأيتموه على المستويين الرسمي ممثلا في محافظنا ومسؤولي المحافظة، وعلى المستوى الشعبيّ الذي يحمل من الوفاء والشيم والقيم والحب المعتّقِ ما لم يستطع الزمن إنهاكه رغم عادياته.
بالنسبة للأدب، فقد عزفَ على أوتار جوهر هذا المجتمع بما رأيتموه من جواهره على كل المستويات الكتابية شعرا ونثرا وفي مقدمة عازفيه «فرقة ألمع للثقافة والتراث وشعراؤها» وكثير من الشعراء والكتاب الذين كانت أغاريدهم دواء موازيا يغلب على كل دواء.
ولا أخفي عليك أن تلك «السمفونية» الراقية التي عزفها الوطن طغت نهائيا على المرض حتى شعرتُ ببؤسِ المرض أمام الغناء.. وشعرتُ كثيرا بالخجل من نفسي..
ولك أن تسأل عن مجتمعٍ باقةُ وَردِ زيارتِه مريضَه تلك «الدَّمَّة» التي عطَّرت بيت ذلك المريض!! إنها القيمُ والشيمُ العميقةُ التي قلتُ لكم مرارا بأنه يصعبُ على الزمن مناجزتها، وكما قال أحد الأحبة: يهدون مريضهم الحياة وغيرهم يعوده مهديا له كفنه.
•
ماذا بقي لديك من ذكريات الطفولة ؟
••
كلما مرت الأيام شعرتُ بالطفولة أكثر، واسترجعتها.
كل الطفولة تحضرني، أمي الحبلى وهي تحملني فوق حمْلَة الحطب في عاتيات الجبال، غنمي وكلبي، حرث الأرض وغناؤه وبكاؤه، رثاء الميت بالغناء، لغاتي الخاصة بالمواشي، انفجار النور بالدراسة، هدية أبي «الأمي» التي استهداها لي من مكتبات مكة وأنا في الصف الرابع الابتدائي: «رياض الصالحين – تفسير الجلالين – تاريخ عسير للشيخ هاشم النعمي بتقريض الشيخ/ زاهر الألمعي»، بكائي في الصف الرابع الابتدائي بعد أن أقالتني جماعة مسجد الوادي عن خطابة الجمعة من «الحكمة البالغة» لوجود أكبر مني، فرحتي بظهور الكشاف بالبطاريات حيث يمكنك أن ترى في الوادي نورا متحركا ليلا، افتتاح احتفال القبائل بمجيء لجنة من مجلس الوزراء لدراسة تطوير المنطقة بالقرآن وبطولة مسرحية الوفاء المدرسية وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وجه وهيبة مدير المدرسة، ثوب من «البفت» خاطه أول خياط في الوادي وإصراري عليه بعمل «جيبين له» بدلا عن الجيب الواحد وعندما ضحك عليّ الطلاب وافقت أبي على إزالة الأيمن.
•
ماذا عن السعودية الجديدة ؟
••
أنا ممن لا يستوعبُ ببساطة ما يحدث، لأنني ضمن منظومة كان قد ران عليها صدأ ما كان واقعا، ففي عام 1394 هـ كنا في معهد الإدارة العامة بالرياض الذي ينفّذ برنامجا اسمه «برنامج دراسات الأنظمة» من متخرجي كلية الشريعة، فاحتدمت ندوة كان أحد طرفيها: د. سليمان السليم – د. غازي القصبي – ومجموعة من المتنورين، وكان الطرف الثاني عميد كلية الشريعة وسواه، مهمة هؤلاء تحريم دراسة ومصطلح «أنظمة - قانون»، واليوم صار القانون والأنظمة أمرا عاديا وضرورة لمن كان يحرّمها، ما كتبته كثيرا وحوسبتُ وأوقفتُ عليه مرات عديدة أنت اليوم تطرحه وهو عادي جدا، القضاء الذي لم يكن لكاتب الحديث عنه صار تخصصيا وحين كتبت زاوية عن ضرورة تخصصه في صحيفة البلاد أيام زاويتي «دروب» منعت الزاوية !
من كان يفسقنا بالتصوير وبلاقط البث الفضائي صار مستخدما وأكثر منا إتقانا لهذا !
•
ما رأيك في الهم الثقافي ؟
••
لك أن تسأل في هذا الأستاذ الأديب الإعلامي عبد العزيز الشريف، فهو من علمنا مفهوما خاصا لهذا المصطلح. ووصيتي لك إن أردت: لا تحملْ شيئا اسمه الهم الثقافي، لأن الثقافة بالذات مقصودة التغييب لأمر لا مجال لتفسيره هنا، وأؤيّدك بتحويل همك من الأدبية مثلا إلى الإعلامية و «المباطشة والمكاعشة» فهو خير لك وأقوم سبيلا، وليتنا نستطيع اتّباع أمريكا وأوروبا في شيء واحد هو إعدام مصطلح «إعلام» علّ مصطلح «ثقافة» ينجلي بشكل أشمل من مجرد الترفيه والفنون التشكيلية التقنية.
•
لديك أفكار عظيمة تكتب عنها مقالة ثم تنقطع، لم لا تشتغل على هذه الأفكار بإنتاج كتب تُقرأ ؟
••
أشعر فعلا بهذا، ولم أزل أحاول لملمة ذاتي بعد ضعف اللياقة الكتابية التي استمرأتها منذ إيقافي الأخير عن الكتابة «رغم أنك تزجرني لذكر هذا والقنقنة به على وطني وأهلي»، ولعلي أستطيع على الأقل إخراج ما هو موجود، فضلا عن أملي في إنتاج سواه.
•
كنتَ من أوائل من أطلق على نجران «مدينة المؤمنين» ووعدت بأن يكون لك كتاب فيها، ما أخبار الكتاب ؟ ولم تأخرت في طباعته ؟!
••
أولا: لا أعلم قبلي من أطلق عليها هذا اللقب سوى سورة البروج.. وقد يكون وأنا لا أعلمه فأرجو إفادتي !
ثانيا: أنت أكثر العارفين بضعف قدرتي على الالتزام العملي الرتيب. وصلت في «مدينة المؤمنين» مرحلة لا بأس بها، ولا أريد – قدر إمكاني - للكتاب أن يكون نسخة مما خرج عنها، وعندما توقفت فترة عنه حدثت الظروف الإقليمية، وكنتُ أرجو زيارة بعض الأماكن المحيطة بنجران، ولعلي أستطيع قريبا العمل على إكمال المشروع، خصوصا أنني كنت اتفقت مع مختص وطني في قراءة النقوش بدلا عن الاعتماد على قراءة المستشرقين قبل توافر إمكاناتنا هنا من تصوير وقراءة متخصصة، ولم يفِ لي بوعده، وهو أحد أساتذة جامعة الملك سعود.
•
أنت حديث عهد بمجالس الأندية الأدبية ولا بد أنّ لديك آراء حول هذه المجالس والأندية الأدبية بشكل عام، فماذا لديك ؟
••
حديث عهد بالمجالس نعم. لكنني لست حديثه بالأندية. وعن المجالس لا قضية فيها أبدا ولا إشكال، ولو شكّلتَ مجلسا يجمع امرأ القيس والمتنبي وابن رشيق وزرياب وعمر الخيام فلن يقدِّمَ ما تريده في ضوء الظروف التي تمر بها الأندية، القضية هي في فكرة الأندية التي بنيت على إعانة سنوية كالصدقة لا تذكر، وعلى مفاهيم عتيقة عن مفهوم الثقافة على أنها قصيدة وقصة ورواية ومحاضرات نقدية أكاديمية هي رجيع من الجامعات التي بنيت أيضا في أكاديمياتها على أن أستاذ الجامعة يتقن نقل ما جاء في الكتب التراثية أو الأجنبية، ولن يتعدى المسكين مرحلة الدكتوراه ما لم يؤصل بحثه بما قاله غيره، أما هو فلا مجال لأن تكون أطروحته ميدانا ورأيا له ! فاقتحمت هذه الثقافة منابر الأندية، مما أدى بها إلى الصدأ وعزوف المبدعين عنها وطلبهم قنوات أخرى أتاحها لهم الزمن.
•
ما الحل إذن ؟
••
لا حلّ لهذه المعضلة الثقافية سوى قرار شجاع واضح بإيجاد مراكز ثقافية شاملة ثقافة الشعب على مستوى المناطق. ولستُ أدري كيف لا يُطرح سؤال بسيط مثلا: لمَ توجد جمعية للثقافة والفنون ونادٍ أدبي ؟! وما هو تعريف الثقافة الذي يعتمد عليه المخطط الإداري حتى يبقيَ هاتين القناتين وكأن الأدب ليس جزءا من الثقافة ؟!
•
شِعْرُك كما يقول بعض الناس صعب، ما رأيك ؟
••
قد يكون ذلك لعوامل منها: نوعية الدراسة فكرا ولغة، والمرحلة التي بُنِينا فيها كانت تقتضي لغة خاصة كوسيلة لتمرير ما كان يحرم علينا ويمنع ويحل لك اليوم ويمرّ، إضافة إلى حكم البيئة وطبيعتها التي تعرفها، وما يهمني هو قناعتي التامة بأنه يمثلُ مكاني وبيئتي، ولا أريد مزاحمة نزار في دمشقيته ولا شوقي في قصوره وقاهرته، ولا الجواهري في دجلتيه، وكم أرحم الذين يولدون من أرحام غير أرحامهم وأعتبرهم تكرارا لسواهم وسوى أماكنهم... هذا مجرد رأي.
•
هل أنت ممن يحتفون بما يكتبه النقاد عنهم من مديح ؟
••
نعم أفرح بما يقوله إن آنستُ فيَّ أو في ما أكتبه شيئا من هذا. وإنْ مدحني أحدٌ بما لا تراه فيَّ فلك أن تتأكدَ أنه لا يجدُ مني وجبة غداء أو عشاء، وأنه حين مدحني لم يمدح سيف الدولة لينال خِلْعته.
•
كيف هي علاقتك بالكتاب الجديد بعد أن علمنا أنّ لديك حصيلة ممتازة من القراءات التراثية ؟
••
سيئة جدا، فبعد أن تكون حفظت تلميذا ألفية ابن مالك وشروحها، كيف لك أن تهتم كثيرا بقراءة النحو الوافي لعباس حسن، أو كتاب مدرسي كــــ «لغتي» ؟! وقرأت «الفتوحات المكية» لابن عربي كيف تقرأ شيئا عن فلسفات الوجود ؟! أو قرأت ودرست «العمدة في محاسن الشعر ونقده» كيف تقرأ ما تراه من الأطروحات المجمّعة من كتب أنت درستها تلميذا ؟! أو قرأت رسالة الغفران ثم تهتم بكتاب عن مسرحٍ يعجز حتى عن محاكاة المكان ذاته ؟!
•
هل لدينا شعراء اليوم ؟
••
كثير هم الشعراء، لكنّ المشكلة أن الكلمة لم تعدْ شاعرة، والصورة لم تعد ذهنية بالكلمة، بل صارت بالرؤية. المشكلة أن الشعراء يعانون من فقدان الصلة بحركة الحياة الحقيقية التي صارت رؤية لا تجريدا، ولذا لم تعد ترى علوم البلاغة مثلا تستوعب حتى من أساتذتها ولو ذهبت إلى عقر دارها في الأزهر، فالصورة الحية صارت أبلغ من فلسفة السكاكي اللفظية، إضافة إلى أن شعر القضية صار هو الأهم لدى البشرية، والقضية في عالمنا الثالث محاصرة ومطاردة، مما يلجئ الشعراء إلى الإيغال كتذكرة للعبور.
•
من يطربك من هؤلاء الشعراء ؟
••
أصدقك القول: لا يطربني شعر لا يُغنَّى ولا ترعشُ فيه الصفوفُ الأرض، ولا أشعر معه بانتفاضي.. يطربني «الهازمي - ابْر عشقَهْ – سعد الألمعي – عبد الله القيسي – محمد هادي – إبراهيم آل عبده ـــ صوت الأرض عيسى عايض».
•
نصيحتك للأدباء الشباب.
•• أن يكتبوا من واقعهم، وألاَّ ينقلوا لي ولك ما نعرفه وغنَّى به الآخرون، أن يخرجوا مخزون هذه الأرض من التاريخ والجمال وصنوف الحياة الإنسانية والطبيعية، ألا يضع نفسه في سباق مع أديب الشام أو مصر أو غيرها ممن أهدونا أعظم ما لديهم، وأن نحاول مثلهم إهداءهم أجمل ما لدينا، وأن يكون عالميا بمكانه لا بالكتابة نيابة عن الآخرهناك والذي يكتب لنا ما لديه، وأشعر بأن هذا ظاهر جدا في أدب شبابنا اليوم، ولك أن تنظر – عبر الميديا – في كتابات الشاب «سعيد معلف» مثلا وسواه لترى أن مفرداتهم وصورهم تنبعُ من جبل «تهلل» الذي يلفّه الإيمان والحب والحياة كما تلفه السحابة.