كتاب ومقالات

جودة الحياة وفلسفة المدينة!

عبداللطيف الضويحي

لا يكون الإنسان سعيداً حتى يأمن من الخوف ولا يأمن من الخوف حتى يكون للحياة عنده هدف ومعنى، ولا يتحقق ذلك ما لم يكن منتميا، ولا يكون منتميا، حتى يحقق هويته الثقافية، ولا يحقق هويته الثقافية، من دون أن يكون له دور حضاري مشترك مع الآخرين، ولا يكون للإنسان دور حضاري، من دون فلسفة.

إن أكبر المدن في العالم مهما بلغ تخطيطها العمراني ومهما توفر لسكانها من الخدمات وسبل العيش الحديثة، ليست أكثر من تجمعات فوضوية، ولو كان سكانها من ذوي الشهادات العلمية العليا ومارس سكانها أرقى المهن، ما لم تتأنسن تلك المدن بطباع سكانها وبتحضر سلوكياتهم تحت سقف فلسفة الحضارة.

وإن مدينة صفيح في شرق العالم أو غربه، يتشارك أهلها خبزة الهمّ المشترك دونما استعلاء من بعضهم لبعض ويشرب سكانها الماء الآسن دونما انتقاص بعضهم لبعض، لهي أقرب للحضارة.

ما معنى سعادة الفرد إذا كانت تلك السعادة محاصرة بسياج من الخوف وعلى بعد أمتار من مستنقعات البؤس والحرمان والأمية والطائفية والعصبية القبلية يتحجر فيها الضمير والقانون مخلفة وراءها التوحش والتربص والتوجس وعدم الثقة ؟

مما تقدم، يمكن قراءة وفهم إعلان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عن برنامج جودة الحياة 2020 وهو أحد البرامج التنفيذية لمحاور رؤية المملكة 2030، والذي يرمي هذا البرنامج لتهيئة البيئة اللازمة لتحسين نمط حياة الفرد والأسرة ولتوليد نطاقات وآفاق جديدة تؤكد المشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية وأنماط حياتية أخرى ملائمة لمثلث: الفرد والأسرة و البيئة، فضلاً عن خلق فرص العمل والفرص الاستثمارية، ناهيك عن تكريس مكانة المملكة في الترتيب العالمي لأفضل المدن.

هناك علاقة تفاعلية طردية بين عنصر جودة الحياة للفرد والأسرة والبعد الحضاري للمدينة التي يعيش بها هذا الفرد وأسرته بالتقاطع والالتقاء مع العامل البيئي.

كانت رحلتنا مضنية كمجتمعات خلال عقود مضت، سادت خلالها قناعات واسعة بأن المال هو ما يصنع الحياة وجودة الحياة والسعادة وما بعد السعادة ووراءها وما فوقها وتحتها، فراح البعض «ممن يملكون»، ينقّبون عن جودة الحياة والسعادة في حدود المتاح داخل مثلث بالغ التشدد: 1- الممنوع، 2- العيب، 3- الحرام. فكانت النتيجة أن اضطر البعض لافتعال سعادة وهمية باللجوء للمبالغات والإفراط بالمسكن والمركب والمأكل وكمية العلاقات والسفر والاحتفالات بالمناسبات التي تستحق أو التي لا تستحق فنبتت مع هذه الثقافة الطارئة، ثقافة المفاخرة و«المهايط» على حساب البساطة والحياة الطبيعية. ونبتت مع هذه الثقافة الطارئة، عنصرية شديدة لدى البعض منا، تضرر من هذه العنصرية فئات كثيرة من مواطنين ومقيمين بيننا.

هناك الكثير من الظواهر التي يشهدها مجتمعنا السعودي وبعض المجتمعات العربية القريبة والمماثلة، بحاجة لدراسات متعمقة ومستمرة لمعرفة التأثير والعلاقة بين هذه الظواهر والمسببات والنتائج. فقد تكون هذه الظواهر سبباً في مرحلة ونتائج في مرحلة أخرى أو قد تكون الاثنتين معاً. فالتشدد والتعصب للرأي، ونسبة حوادث السير وبعض الأمراض مثل السمنة خاصة بين الأطفال والنساء وهشاشة العظام.. إلخ.

يقول المفكر الفيلسوف مونيس بخضرة في كتابه تاريخ الوعي، إن ازدهار وتطور أية دولة يعود في الأصل إلى ازدهار مدن تلك الدولة، ولأن أريافنا لا تزال متفوقة على مدننا، تسبب ذلك بنوع من الاضطراب في المجتمعات، فإذا كانت المرحلة الأولى اتسمت بولادة المدينة من رحم الأرياف، فإن المرحلة الثانية تتسم بالصراع بين المدينة من جهة والريف والبادية من جهة أخرى، فيما نحن (حسب بخضرة) لا نزال نتوق لتغلب المدينة على الريف بالمعنى القيمي الحضاري.

لكننا نتطلع اليوم إلى أن مدننا على موعد في تناغم وحيوية مع جودة الحياة وبقية برامج ومحاور رؤية المملكة 2030 كي يعود البعد الحضاري لمدننا في علاقة تفاعلية بين المدينة وسكانها، دون حاجة لأسوار المدينة التي كانت تقام في ما مضى حول أغلب المدن العريقة ولأسباب أمنية.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org