كوريا: عداوة الإخوة.. ولقاء الخطوة!
الثلاثاء / 22 / شعبان / 1439 هـ الثلاثاء 08 مايو 2018 02:10
طلال صالح بنان
يوم الجمعة قبل الماضي اجتمع زعيما الكوريتين ( الشمالية والجنوبية ) على خط الهدنة الفاصل بين الدولتين، عقب الحرب الكورية ١٩٥٣، لتدبر إمكانية التغلب على حالة العداء بينهما، التي استمرت لخمسٍ وستين سنة. من قبل التاريخ ( ٢٤٠٠ ق. م ) وشبه الجزيرة الكورية، تشكل وحدة سياسية لأمة واحدة، تطورت إلى إمبراطورية قوية، في القرن السابع عشر، تعاقبت عليها سلالتان إمبراطوريتان كبيرتان، حتى تم احتلال شبه الجزيرة، من قبل اليابان ( ١٩١٠ )، الذي استمر حتى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية ( أغسطس ١٩٤٥ ).
في شرق آسيا والهند الصينية، شهدت ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية، أشد بؤر نظام الحرب الباردة سخونة، في العالم بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي. بينما كانت ساحة المواجهة بين الدولتين العظميين ( الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة )، في شبه الجزيرة الكورية، أبكر في اندلاعها، من ڤيتنام، إلا أن جبهة ڤيتنام حُسمت لصالح الشيوعيين عام ١٩٧٥، بتوحيد شطري ڤيتنام بالقوة، بينما استمر الوضع معلقاً، بل ومتوتراً، في شبه الجزيرة الكورية، إلى الآن.
من أهم ما يجمع تجربتي فيتنام وشبه الجزيرة الكورية، الإجماع بين طرفي النزاع المحليين، على وحدة الكيان السياسي للدولة الموحدة. كما أن الصراع في تجربة الدولتين، لم يستثن اللجوء إلى القوة لفرض إرادة أيٍ من النظامين الحاكمين، بأيدلوجيتهما غير المتسامحة، على شعب الدولتين الواحد. إضافة إلى التأثير المباشر والقوي، للمتغير الخارجي، في حركة الصراع المحتدمة بين شقي الأزمة في كلٍ من تجربتي ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية.
في ما يخص تجربة شبه الجزيرة الكورية، طغى الصراع العقائدي بين بيونغ يانغ وسيول، بخلفيته الأيديولوجية المتطرفة، على الهوية الوطنية للشعب الكوري. تشهد كوريا الشمالية منذ الاستقلال نظاما اشتراكيا صارما بزعامة الحزب الشيوعي، يُعَدُّ من أشد الأنظمة الشمولية قسوة وعزلة، في العصر الحديث. كما تطور في الشطر الجنوبي، في البداية، نظام رأسمالي تحكمه «طغمة» عسكرية، لا يقل قسوة وشمولية عن ذلك الذي يحكم الشطر الشمالي من شبه الجزيرة.
إلا أنه ومنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، تطور في كوريا الجنوبية نظام ديمقراطي تعددي، التقى مع النهضة الرأسمالية، التي شهدتها البلاد منذ نهاية الحرب الكورية خمسينات القرن الماضي، لتصبح كوريا الجنوبية في مقدمة الدول الصناعية المتقدمة، التي يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي ٤١ ألف دولار، لتحتل المرتبة ١١ بين مجموعة الدول العشرين الأغنى عالمياً. بينما لا يتعدى نصيب الفرد ١١٠٠ دولار من الناتج الإجمالي في كوريا الشمالية. في حين أن عدد السكان في كوريا الجنوبية يتعدى الخمسين مليون نسمة، بينما لا يتجاوز نصف هذا العدد في كوريا الشمالية... في الوقت الذي تسيطر بيونغ يانغ على ضعف المساحة من شبه الجزيرة الكورية مقارنة بمساحة كوريا الشمالية.
هذه الفروق الحادة، من جميع النواحي، بين دولتي شبه الجزيرة الكورية، جعل الصراع في تلك المنطقة من أكثر بؤر التوتر، الذي استمر إلى الآن. من خطورة هذا الصراع الإستراتيجية، أنه: يتجاوز محيطه الإقليمي الضيق، إلى منطقة شرق آسيا. ومما يجعل الصراع في شبه الجزيرة الكورية خطراً إستراتيجياً ناجزا على سلام العالم وأمنه دخول الولايات المتحدة كطرف إستراتيجي، معني مباشرةً بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، بعد أن نجحت بيونغ يانغ مؤخراً من تطوير قدرة نووية ضاربة مجهزة بنظام توصيل، تمت تجربته بنجاح، بإمكانه أن يهدد ليس فقط غرب الولايات المتحدة، بل يصل إلى وسطها... وحتى إلى ساحل المحيط الأطلسي شرق الولايات المتحدة.
بهذا البعد الإستراتيجي الخطير للنزاع في شبه الجزيرة الكورية، الذي يهدد سلام العالم وأمنه، وليس فقط الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا، لم يكن من خيار أمام شعبي الأمة الواحدة، إلا النظر بجدية لفرص اللقاء بينهما، لاستحالة تصفية النزاع بينهما، وفقاً لمعطيات النظرية الصفرية، التي شابت علاقاتهما، منذ الاستقلال.
لم تفلح العزلة السياسية والحصار الاقتصادي المفروض على كوريا الشمالية، بالرغم من شدة وطأته على أكثر من ٢٥ مليون إنسان. كما لم تفلح تهديدات الولايات المتحدة بالتخلص من إمكانات كوريا الشمالية الإستراتيجية غير التقليدية، لا بتقديم الجزرة.. ولا التهديد بالعصا. كل تلك المحاولات الإقليمية والدولية لم تفلح في حل النزاع المحتدم في شبه القارة الكورية، الذي يتوقف عليه نزع فتيل الأزمة عالمياً.
لم يبق إلا محاولة الخطوة الأخيرة للتقارب بين الدولتين، التي رسمت معالمها الرمزية والإستراتيجية، تلك الخطوة التي عبر بها زعيم كوريا الشمالية القوي خط الهدنة بين الدولتين ليلتقي بـ «شقيقه» على الجانب الآخر من الخط، ليبدو للعالم، ولأول مرة منذ أكثر من ٦٥ سنة من الصراع، الذي تعدى خطره منطقته إلى العالم، بأن الحل هو أقرب مما يتصور الكثيرون، لا يتجاوز مسافة الخطوة الواحدة، يخطوها شقيق تُتقبل بترحاب، من شقيقه، على الجانب الآخر.
إلا أن الأمر، من شدة تعقيداته وحساسيته وخطورته، من الصعب توقع حله برمزية الخطوة ورومانسيتها. في المقابل، من ناحية أخرى، أليس يُقال: أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. في كل الأحوال: المسافة بين الأشقاء، لا تتعدى الخطوة الواحدة، رغم ما قد تباعد بينهم الأميال.
*كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com
في شرق آسيا والهند الصينية، شهدت ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية، أشد بؤر نظام الحرب الباردة سخونة، في العالم بين المعسكرين: الاشتراكي والرأسمالي. بينما كانت ساحة المواجهة بين الدولتين العظميين ( الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة )، في شبه الجزيرة الكورية، أبكر في اندلاعها، من ڤيتنام، إلا أن جبهة ڤيتنام حُسمت لصالح الشيوعيين عام ١٩٧٥، بتوحيد شطري ڤيتنام بالقوة، بينما استمر الوضع معلقاً، بل ومتوتراً، في شبه الجزيرة الكورية، إلى الآن.
من أهم ما يجمع تجربتي فيتنام وشبه الجزيرة الكورية، الإجماع بين طرفي النزاع المحليين، على وحدة الكيان السياسي للدولة الموحدة. كما أن الصراع في تجربة الدولتين، لم يستثن اللجوء إلى القوة لفرض إرادة أيٍ من النظامين الحاكمين، بأيدلوجيتهما غير المتسامحة، على شعب الدولتين الواحد. إضافة إلى التأثير المباشر والقوي، للمتغير الخارجي، في حركة الصراع المحتدمة بين شقي الأزمة في كلٍ من تجربتي ڤيتنام وشبه الجزيرة الكورية.
في ما يخص تجربة شبه الجزيرة الكورية، طغى الصراع العقائدي بين بيونغ يانغ وسيول، بخلفيته الأيديولوجية المتطرفة، على الهوية الوطنية للشعب الكوري. تشهد كوريا الشمالية منذ الاستقلال نظاما اشتراكيا صارما بزعامة الحزب الشيوعي، يُعَدُّ من أشد الأنظمة الشمولية قسوة وعزلة، في العصر الحديث. كما تطور في الشطر الجنوبي، في البداية، نظام رأسمالي تحكمه «طغمة» عسكرية، لا يقل قسوة وشمولية عن ذلك الذي يحكم الشطر الشمالي من شبه الجزيرة.
إلا أنه ومنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، تطور في كوريا الجنوبية نظام ديمقراطي تعددي، التقى مع النهضة الرأسمالية، التي شهدتها البلاد منذ نهاية الحرب الكورية خمسينات القرن الماضي، لتصبح كوريا الجنوبية في مقدمة الدول الصناعية المتقدمة، التي يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي ٤١ ألف دولار، لتحتل المرتبة ١١ بين مجموعة الدول العشرين الأغنى عالمياً. بينما لا يتعدى نصيب الفرد ١١٠٠ دولار من الناتج الإجمالي في كوريا الشمالية. في حين أن عدد السكان في كوريا الجنوبية يتعدى الخمسين مليون نسمة، بينما لا يتجاوز نصف هذا العدد في كوريا الشمالية... في الوقت الذي تسيطر بيونغ يانغ على ضعف المساحة من شبه الجزيرة الكورية مقارنة بمساحة كوريا الشمالية.
هذه الفروق الحادة، من جميع النواحي، بين دولتي شبه الجزيرة الكورية، جعل الصراع في تلك المنطقة من أكثر بؤر التوتر، الذي استمر إلى الآن. من خطورة هذا الصراع الإستراتيجية، أنه: يتجاوز محيطه الإقليمي الضيق، إلى منطقة شرق آسيا. ومما يجعل الصراع في شبه الجزيرة الكورية خطراً إستراتيجياً ناجزا على سلام العالم وأمنه دخول الولايات المتحدة كطرف إستراتيجي، معني مباشرةً بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، بعد أن نجحت بيونغ يانغ مؤخراً من تطوير قدرة نووية ضاربة مجهزة بنظام توصيل، تمت تجربته بنجاح، بإمكانه أن يهدد ليس فقط غرب الولايات المتحدة، بل يصل إلى وسطها... وحتى إلى ساحل المحيط الأطلسي شرق الولايات المتحدة.
بهذا البعد الإستراتيجي الخطير للنزاع في شبه الجزيرة الكورية، الذي يهدد سلام العالم وأمنه، وليس فقط الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شرق آسيا، لم يكن من خيار أمام شعبي الأمة الواحدة، إلا النظر بجدية لفرص اللقاء بينهما، لاستحالة تصفية النزاع بينهما، وفقاً لمعطيات النظرية الصفرية، التي شابت علاقاتهما، منذ الاستقلال.
لم تفلح العزلة السياسية والحصار الاقتصادي المفروض على كوريا الشمالية، بالرغم من شدة وطأته على أكثر من ٢٥ مليون إنسان. كما لم تفلح تهديدات الولايات المتحدة بالتخلص من إمكانات كوريا الشمالية الإستراتيجية غير التقليدية، لا بتقديم الجزرة.. ولا التهديد بالعصا. كل تلك المحاولات الإقليمية والدولية لم تفلح في حل النزاع المحتدم في شبه القارة الكورية، الذي يتوقف عليه نزع فتيل الأزمة عالمياً.
لم يبق إلا محاولة الخطوة الأخيرة للتقارب بين الدولتين، التي رسمت معالمها الرمزية والإستراتيجية، تلك الخطوة التي عبر بها زعيم كوريا الشمالية القوي خط الهدنة بين الدولتين ليلتقي بـ «شقيقه» على الجانب الآخر من الخط، ليبدو للعالم، ولأول مرة منذ أكثر من ٦٥ سنة من الصراع، الذي تعدى خطره منطقته إلى العالم، بأن الحل هو أقرب مما يتصور الكثيرون، لا يتجاوز مسافة الخطوة الواحدة، يخطوها شقيق تُتقبل بترحاب، من شقيقه، على الجانب الآخر.
إلا أن الأمر، من شدة تعقيداته وحساسيته وخطورته، من الصعب توقع حله برمزية الخطوة ورومانسيتها. في المقابل، من ناحية أخرى، أليس يُقال: أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة. في كل الأحوال: المسافة بين الأشقاء، لا تتعدى الخطوة الواحدة، رغم ما قد تباعد بينهم الأميال.
*كاتب سعودي
talalbannan@icloud.com