دروس في الحرية
الجمعة / 08 / صفر / 1429 هـ الجمعة 15 فبراير 2008 21:55
عبدالله بن فخري الأنصاري
من كان يظن أن تركيا ستلقن يوما ما المجتمعات الأوروبية دروسا في حرية التفكير والتعبير والدين واحترام مبادئ الديمقراطية! فقد وافق البرلمان التركي بالأغلبية على تعديل المادة 222 في الدستور التركي لتخفيف الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في الجامعات التركية. وتعود القيود على ارتداء الحجاب في تركيا إلى عام 1923 على يد مؤسس تركيا العلمانية مصطفى كمال أتاتورك، إلا أن حظر ارتدائه في الجامعات فرض بعد الانقلاب العسكري في عام 1980، وتعزز فرضه بشكل كبير في عام 1997 عندما أطاح جنرالات الجيش آنذاك بالحكومة ذات التوجه الإسلامي. وتحظر المادة 222 على النساء اللواتي يرفضن خلع الحجاب الالتحاق بالمدارس والجامعات ومؤسسات الدولة أو تولي وظائف إدارية، وهو الأمر الذي حرم المحجبات في هذا البلد المسلم من التعليم الجامعي، وأسهم في خلق نوع من التباين الثقافي بين نساء المجتمع التركي. ومن السابق لأوانه الحديث عن نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية في إقرار هذه الإصلاحات في ظل المواجهة بينها وصفوة علمانية تضم قضاة من المحكمة الإدارية العليا، وجنرالات الجيش ، ورؤساء الجامعات والتي ترى أن الحجاب يمثل تهديدا لمبادئ العلمانية.
وللوهلة الأولى تبدو هذه الإصلاحات جزءا من سياسة الإصلاحات الديمقراطية التي تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضواء تحت مظلته، إلا أن دولا عدة في هذه القارة ترى في الحجاب مصدر قلق وتهديداً للهوية والقيم الأوروبية. فقد قامت فرنسا في عام 2004 بحظر الحجاب في المدارس الحكومية وعلى المدرسين والموظفين المدنيين تحت مظلة قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الحكومية ومنها الحجاب. وفي نفس العام قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن من حق تركيا حظر ارتداء الحجاب في الجامعات واعتبرت أن حظر الحجاب في الجامعة يمكن اعتباره "ضرورة في مجتمع ديمقراطي" لحفظ النظام، ولتجنب تفضيل ديانة على أخرى. وبالكاد تراجعت الحكومة الهولندية مؤخرا عن خطط لحظر عام لارتداء النقاب، إلا أنها تعد خططا لحظره في الجامعات والأماكن العامة. وتمنع قوانين ولايات ألمانية عدة ارتداء الحجاب في المدارس فقط، وتسمح بذلك ولايات أخرى. وبالكاد أيضا أبطل البرلمان الأوروبي في شهر يناير من هذا العام محاولة لدعوة دول الاتحاد الأوروبي لحظر ارتداء الحجاب على الفتيات المسلمات في المدارس الابتدائية في جميع الدول الأوروبية قاطبة... فالعديد من المجتمعات الأوروبية ترى في الحجاب دليلا على رفض المهاجرين المسلمين للقيم الأوروبية كالديمقراطية والعلمانية والحداثة...، وتبدي تخوفها من الصحوة الإسلامية وتصاعد المد الإسلامي في بلادها. وهو ما أدى إلى رفض العديد من المجتمعات الأوروبية لمفهوم التعددية الثقافية باعتبارها العائق الأساسي أمام جهودها لدمج المهاجرين في المجتمع الأوروبي. لذا سعت نخب وجماعات سياسية داخلية إلى فرض قيم المجتمع الأوروبي على الجالية الإسلامية بدعوى الاندماج في تلك المجتمعات، وبات المسلمون في هذه البلدان عند مفترق طرق إما الاندماج والتحرر، أو التمسك بالهوية الإسلامية ومن ثم مواجهة العزلة والتهميش والإقصاء.
وتأتي المرأة والحجاب في أولويات أجندة هذه الدول إيمانا منها بأن تنحية الهوية الدينية للمرأة المسلمة، ودمجها في المجتمع الأوروبي من شأنه أن يسهل عملية اندماج الأسرة المسلمة ومن ثم الجالية الإسلامية في هذا المجتمع وبالتالي تبني القيم الأوربية بكل أبعادها. لذا سعت العديد من هذه الدول إلى فرض الحظر على الحجاب في سن مبكرة حتى يسهل التأثير على حرية الاختيار بين القيم الأوروبية والقيم الإسلامية في سن النضج. وتم الترويج للحجاب على أنه رمز من رموز التخلف، وعلامة على تبني الفكر المتطرف والإرهاب. بل وجدت مسألة الحجاب طريقها إلى الأجندة السياسية الحزبية في بعض الدول الأوربية حيث بات الخطاب العنصري تجاه المهاجرين المسلمين البضاعة الرخيصة للأحزاب اليمينية الأوروبية المحافظة لكسب الانتخابات. ولا أدل على ذلك من "رولاند كوخ" رئيس حكومة ولاية هيسن المنتمي للحزب المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل - والذي يكافح من أجل إعادة انتخابه - والذي دعا إلى فرض الحظر على ارتداء البرقع في المدارس. إلا أن دعوته أتت بردود فعل عكسية بعد أن ظهر عدم وجود تلميذة واحدة ترتدي البرقع في الولاية.
ويأتي إقرار البرلمان التركي لرفع الحظر عن ارتداء الحجاب بالجامعات بمثابة الصفعة لدعاة حظر الحجاب في تركيا والتي سعت لإغلاق ملف الحجاب في تركيا بل وفي أوروبا بكاملها. الا أن الشعب التركي أبى إلا أن يلقن أوروبا وحماة العلمانية دروسا في الحرية والتمسك بالقيم الإسلامية. تلك الدروس التي بدأها بإسقاط رعاة العلمانية في الانتخابات البرلمانية ـ ممن يصرون على فرض قيم معينة وأخلاق ومعايير خاصة بهم على الآخرين - واختياره لمن يحقق له قيمه وأغراضه وتوازنه. ولا أدل على ذلك من تأييد الغالبية العظمى من الشعب التركي لهذه الإصلاحات.
afansary@yahoo.com
وللوهلة الأولى تبدو هذه الإصلاحات جزءا من سياسة الإصلاحات الديمقراطية التي تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضواء تحت مظلته، إلا أن دولا عدة في هذه القارة ترى في الحجاب مصدر قلق وتهديداً للهوية والقيم الأوروبية. فقد قامت فرنسا في عام 2004 بحظر الحجاب في المدارس الحكومية وعلى المدرسين والموظفين المدنيين تحت مظلة قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس والمؤسسات الحكومية ومنها الحجاب. وفي نفس العام قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن من حق تركيا حظر ارتداء الحجاب في الجامعات واعتبرت أن حظر الحجاب في الجامعة يمكن اعتباره "ضرورة في مجتمع ديمقراطي" لحفظ النظام، ولتجنب تفضيل ديانة على أخرى. وبالكاد تراجعت الحكومة الهولندية مؤخرا عن خطط لحظر عام لارتداء النقاب، إلا أنها تعد خططا لحظره في الجامعات والأماكن العامة. وتمنع قوانين ولايات ألمانية عدة ارتداء الحجاب في المدارس فقط، وتسمح بذلك ولايات أخرى. وبالكاد أيضا أبطل البرلمان الأوروبي في شهر يناير من هذا العام محاولة لدعوة دول الاتحاد الأوروبي لحظر ارتداء الحجاب على الفتيات المسلمات في المدارس الابتدائية في جميع الدول الأوروبية قاطبة... فالعديد من المجتمعات الأوروبية ترى في الحجاب دليلا على رفض المهاجرين المسلمين للقيم الأوروبية كالديمقراطية والعلمانية والحداثة...، وتبدي تخوفها من الصحوة الإسلامية وتصاعد المد الإسلامي في بلادها. وهو ما أدى إلى رفض العديد من المجتمعات الأوروبية لمفهوم التعددية الثقافية باعتبارها العائق الأساسي أمام جهودها لدمج المهاجرين في المجتمع الأوروبي. لذا سعت نخب وجماعات سياسية داخلية إلى فرض قيم المجتمع الأوروبي على الجالية الإسلامية بدعوى الاندماج في تلك المجتمعات، وبات المسلمون في هذه البلدان عند مفترق طرق إما الاندماج والتحرر، أو التمسك بالهوية الإسلامية ومن ثم مواجهة العزلة والتهميش والإقصاء.
وتأتي المرأة والحجاب في أولويات أجندة هذه الدول إيمانا منها بأن تنحية الهوية الدينية للمرأة المسلمة، ودمجها في المجتمع الأوروبي من شأنه أن يسهل عملية اندماج الأسرة المسلمة ومن ثم الجالية الإسلامية في هذا المجتمع وبالتالي تبني القيم الأوربية بكل أبعادها. لذا سعت العديد من هذه الدول إلى فرض الحظر على الحجاب في سن مبكرة حتى يسهل التأثير على حرية الاختيار بين القيم الأوروبية والقيم الإسلامية في سن النضج. وتم الترويج للحجاب على أنه رمز من رموز التخلف، وعلامة على تبني الفكر المتطرف والإرهاب. بل وجدت مسألة الحجاب طريقها إلى الأجندة السياسية الحزبية في بعض الدول الأوربية حيث بات الخطاب العنصري تجاه المهاجرين المسلمين البضاعة الرخيصة للأحزاب اليمينية الأوروبية المحافظة لكسب الانتخابات. ولا أدل على ذلك من "رولاند كوخ" رئيس حكومة ولاية هيسن المنتمي للحزب المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل - والذي يكافح من أجل إعادة انتخابه - والذي دعا إلى فرض الحظر على ارتداء البرقع في المدارس. إلا أن دعوته أتت بردود فعل عكسية بعد أن ظهر عدم وجود تلميذة واحدة ترتدي البرقع في الولاية.
ويأتي إقرار البرلمان التركي لرفع الحظر عن ارتداء الحجاب بالجامعات بمثابة الصفعة لدعاة حظر الحجاب في تركيا والتي سعت لإغلاق ملف الحجاب في تركيا بل وفي أوروبا بكاملها. الا أن الشعب التركي أبى إلا أن يلقن أوروبا وحماة العلمانية دروسا في الحرية والتمسك بالقيم الإسلامية. تلك الدروس التي بدأها بإسقاط رعاة العلمانية في الانتخابات البرلمانية ـ ممن يصرون على فرض قيم معينة وأخلاق ومعايير خاصة بهم على الآخرين - واختياره لمن يحقق له قيمه وأغراضه وتوازنه. ولا أدل على ذلك من تأييد الغالبية العظمى من الشعب التركي لهذه الإصلاحات.
afansary@yahoo.com