كتاب ومقالات

الشغل ما هو عيب

عين الصواب

أحمد عجب

هذه المقولة المحفزة قد أخطها بماء الذهب وأضعها على ذلك المكتب المتهالك الموجود بزاوية الورشة الصناعية العائدة لذلك الرجل السبعيني، الذي حفر الصخر بهذه المهنة الشريفة بعد أن منعه شغف العيش والظروف الصعبة من الدراسة، لكنه استطاع بكده وعرق جبينه أن يتفوق على أقرانه مادياً وأن يربي ويعلم أبناءه وربما إخوانه، إلا أنني لا يمكن أن أتفهم إطلاق هذه المقولة المضللة بزمننا وقد تهيأت فيه للناس كافة الظروف المواتية ليتعلموا وينجحوا ولم يتبق لهم سوى أن توفر الجهة المختصة الوظائف المناسبة بمـا يتوازى مع مؤهلاتهم وخبراتهم وبما يؤمن لهم الحياة الكريمة والشريفة.

الشغل ما هو عيب: عبارة ملغمة أصبحت تلوكها بكثرة ألسنة المتهمين بالتسبب في تراكم أعداد البطالة، في محاولة يائسة منهم لإسقاط الإهمال على الشباب السعودي المتطلع وهم يصبغون عليه صفة الدلع واللا مبالاة!؟

هذه الجملة العابرة يرددها بعظمة ذلك التاجر الكبير في إثنينيته أو خمسينيته، كما يصرح بها ذلك المسؤول بالندوة التلفزيونية، ويتناولها بعمق المثقفون والمفكرون في الصوالين الأدبية، لكن العامل البسيط لو قدر له ووقع في حب ابنة أي من هؤلاء، وتجرأ وأخذ والده أو من يقوم مقامه وذهب ليخطبها، فإن تلك الشعارات الرنانة ستنقلب على رأسه وسيصرخ بوجهه والد الفتاة قائلاً له: أنت تتزوج بنتي، أنت ما تعرف هي بنت مين.. قم أنت وياه اطلعوا برا قبل ما ارتكب فيكم جريمة!؟

هؤلاء المتفذلكون لم يقدم لنا أي منهم تجربة واحدة حية سواء بنفسه أو بأي من أبنائه الذين يلدون وبفمهم ملعقة من ذهب، كل ما نسمعه منهم قصص قديمة ومركبة تتحدث عن كفاحهم، ونفس الشيء ستسمعه الأجيال القادمة حين يعيد الأبناء سرد نفس الأكاذيب (مع شوية بهارات) فيظهر الابن البطران الذي يسكن القصر الفاخر ويملك أسطول السيارات الفارهة، مدعياً والعبرة على خده بأنه عاش طفولة قاسية وبدأ العمل بالمرتبة الثالثة ولم يكن يتقاضى سوى ثلاثة آلاف ريال!؟

قد اتهم في هذه الأثناء بأنني أحبط الشباب أو أقلل من شأنهم بفلسفتي الفاضية، والصحيح أن من يطلقون هذه العبارة هم من ينسفون مستقبل جيل بأكمله، حين يريدونهم أن يكونوا مستخدمين وعمال ضيافة وطبقة كادحة طوال حياتهم، في زمن يبلغ فيه خريجو جامعاتنا بالعام 133 ألف خريج، وبزيادة 12.2% كل سنة، بجانب المبتعثين بكافة أنحاء العالم وبمختلف التخصصات الذين فاق عددهم في آخر إحصاء 114 ألف مبتعث، فهل من الحكمة بعد هذا المشوار الطويل أن نكرس فيهم الثقافة الانهزامية وندفعهم نحو المجهول بالعمل كبائعين بالبقالة أو بافتتاح عربة (شيز برغر)!؟