ثقافة وفن

«النخب» يضيقون بالحوار ويكرسون ثقافة الـ«block»

مثقفون لـ «عكاظ»: مساحات التفاهم تضيق عندما يظهر رأي مخالف

هند المطيري

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

عد مثقفون عدم قدرة النخب على التحاور إشكالية كبرى، وتساءل البعض أين تجد مثقفاً وسيع الصدر، ورحب الداخل، بحيث يستوعب كل من يخالفه الرأي؟ وقالوا إن كثيرا من المثقفين يتحدثون بلغة تجد فيها مساحات من التفاهم، لكن تلك اللغة وتلك المساحات لا تجدها عندما يختلف معهم شخص آخر في الرؤية، بل إن أغلبهم سرعان ما يحجب من اختلف معه ويضع في قائمة الـ(block).

فيما التمس بعضهم العذر كوننا (عِقْد أوّل حوار) في ظل ما أثبتته حوارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من إخفاق بعضنا في تطبيق ما يدعو إليه من ثقافة التسامح والقبول بالآخر وتعدد وجهات النظر، ومن خلال استطلاع آراء مثقفين ومثقفات سجّل بعضهم تحفظاً على نرجسية بعض المثقفين وتناقض أقوالهم وتنظيراتهم مع ممارساتهم وسلوكياتهم.

وترى الشاعرة هند المطيري أن وسائل التواصل أسهمت في تفاعل المثقفين كثيرا، وأوجدت أجواء حوار مناسبة، خاصة مع الإخوة العرب، كونهم أكثر وعيا بأهمية الحوار والانفتاح على الآخر، وعدّت الفضاء الافتراضي مثريا للمثقفين السعوديين المرتادين لتلك المواقع.

وأوضحت لـ«عكاظ» أنه رغم كل ذلك لم نحقق نسبة وعي كبيرة بثقافة الحوار، فكثير من المثقفين يتعامل مع الآخرين بفوقية، وربما يهاجم الآخر المختلف عنه أو المخالف له بعنف شديد، وبعضهم يحاول أن يجبرك على أن تعترف له بالنباهة والنبوغ في مجاله وميدان تخصصه، فإن لم تفعل حشد عليك الرفاق وانهال عليك بالشتائم. وتؤكد المطيري أننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من التوعية بآداب الحوار عبر وسائل التواصل، كي لا يسجل العالم على المواطن السعودي المثقف نقاط ضعف، ولكي يأخذ عنه انطباعاً بأنه في غاية الرقي والنضج، ما يخدم صورة الوطن التي تسعى القيادة الرشيدة إلى رسمها بأدوات جديدة، في المرحلة القادمة.

فيما يؤكد الكاتب المسرحي محمد ربيع أن الاشتغال على الثقافة همٌّ نخبوي، بينما وسائل التواصل ما هي إلا منصات عامة يغلب عليها الطابع الشعبوي، ولذلك لم يكن مقدرا لتلك المنصات أن تقدم شيئا ما عدا التعارف وفتح المطلات الداخلية على النفوس التي ما ألفت النوافذ قبلها، أما الحوار فما تزال سماواته عالية جدا ولكن هذا ليس فشلا في وسائل التواصل بل هي إخفاقات البدايات فقط.

وأضاف: «هناك لغة مشتركة بين النخبة ونخبتهم، إذ تجد مساحات من التفاهم بينهم، لكن تلك اللغة وتلك المساحات لا تجدها بينهم وبين الفريق المقابل»، ويعقد ابن ربيع آمالاً على المستقبل كون الحالة لا تمثل آخر المطاف بل أوّله، مشيراً إلى أنه بعد ربع قرن من الآن سنرى الملائكة والأبالسة على طاولة واحدة.

فيما يذهب القاص والإعلامي صالح القرني إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت تغييرا كبيرا في قناعات الكثيرين، ومنهم المثقف في مفهوم التواصل والتفاعل على مستوى الحوار والحضور بغض النظر عن صيغته ولغته ومقدار النَفَس الطويل فيها، مؤكداً أن للمواقع والحضور وطبيعة الأفكار التي يطرحها المثقف تحديدا أثرها، إذ يرى من يطرح وجهة نظره أنه يملك الرؤية الدقيقة لطرح الأفكار وبثها لإثارة النقاش حولها بهدف التنوير. وأضاف: «المشكلة حين تغيب صورة المثقف الجاد وتتحول إلى مجرد حضور رقمي لإشباع نرجسية ذاتية دون حضور فاعل ومؤثر». ولفت القرني إلى أن صورة المثقف الجاد تأثرت سلبا أو تراجعت كثيرا بسبب طبيعة سلوك شبكات مواقع التواصل، إذ عوضاً عن قيادته وتوجيهها غدت هي من يقوده في المجمل، ويرى أن المتابع الحصيف يلاحظ هذا الأمر ويتعجب له.

ويؤكد الشاعر عبدالعزيز أبو لسة أن وسائل التواصل أسهمت في تفاعل المثقفين بقوة كونها الوسيلة الأولى بلا منافس إثر التراجع التقليدي من الوسائل بل وغيابه إلى حد بعيد، مشيراً إلى أنه من السهولة استعمال الوسائل الحديثة بحيث لا يحتاج المثقف إلى وسيط يمنحه تأشيرة الدخول والخروج متى شاء ومع من شاء، ويرى أننا نجحنا في ترسيخ ثقافة الحوار بالرغم من بعض الهنات والسقطات هنا وهناك وهذه طبيعة التمرحل، مؤكداً أنه حين يظهر المثقف كثيرا يترسخ لديه شعور يتجاوز حدود الثقة ويعتقد أنه الأهم والأصدق والأجدر بكل شيء، لافتاً إلى تغلغل شعور بالنرجسية عند البعض يصل إلى حد الفجر في الخصومة والتعنت في الطرح ما يخرج الحوار والتثاقف عن كل السياقات المنطقية والمعرفية.

فيما أبدت الشاعرة خديجة السيد تعجبها من نخب على مستوى عال من الثقافة والفكر ولهم أطروحات مقروءة ومرئية ومسموعة وتنظيرات عن القبول بالآخر واحترام وجهات النظر، إلا أنه سرعان ما يحجب من اختلف معه ويضع عليه (block).