كتاب ومقالات

تم الدعس بنجاح

عين الصواب

أحمد عجب

كان هذا العنوان الذي يتقزز منه الكثيرون الآن، وربما يتساءلون باستغراب كيف تم السماح بنشره، يزين تلك الكعكة الشهية التي أعدتها إحدى الأمهات احتفاء بكسبها لقضية الحضانة، تلك الأم المكلومة على صغيرتها لشهور طويلة، ترى أن هذه العبارة من أهم المقادير الأساسية التي أضافت النكهة إلى الكعكة بجانب البكينج باودر والفانيلا والكريم كرملا، وأتوقع أنها حرصت عند تقطيعها بالسكين أن تحتفظ لنفسها بالقطعة المكتوب عليها هذه العبارة تحديداً حتى تتلذذ بالتهامها، بعد أن أمضت ليالي عدة تعاني فيها ألم الفراق وجفاف العاطفة لغياب حشاشة جوفها وفلذة كبدها.

ربما يكون لدى الأم قناعة أكيدة، بأنه كما أن للطلبة الحق في الاحتفال بنجاحهم بعد عام دراسي مرهق وشاق، فإن لها كامل الحق في التعبير عن فرحتها وسعادتها بنجاحها في القضية بعد أعوام مريرة من الفرقة والمماطلة والخصومة.

حسناً: لكن ماذا عن الابن أو البنت المحضونة، كيف ستتشكل شخصيته، وكيف سيكون تحصيله العلمي، ولمن يحفظ الولاء، وهو مرة يعزز من تعنت والده ومرة يكفكف دموع والدته، مرة يبدي العذر لوالده لما لقيه من معاملة سيئة من أخواله، ومرة يحن لخبز أمه (كما قالها محمود درويش) ويرتجيها أن تكلم والده للمرة الألف لعله يوافق على زيارتها، وهناك بالمقابل لا أدري حقيقة أي مردود وأي منتوج إيجابي سيحصده المجتمع من هؤلاء الغارقين حتى رؤوسهم في همومهم ومشاكلهم اليومية، خاصة إذا ما عرفنا أن آخر إحصائية سجلت 27 ألف قضية حضانة أمام محاكم الأحوال الشخصية!؟

لقد اهتمت القرارات الصادرة مؤخراً بكيفية إنهاء القضايا لا بكيفية معالجة الخلاف الدائر بين الأبوين أو ردم الفجوة الحاصلة بنفوس الأبناء، فالعبرة اليوم بمصلحة المحضون، لهذا يتم إحضار الصغير للمجلس الشرعي في مشهد تقشعر له الأبدان من أجل أن يخيره القاضي بين البقاء مع أبيه أو الانتقال للعيش مع أمه، إنه سؤال المليون الذي يعجز عن الإجابة عليه أذكى الأذكياء، فكيف بطفل صغير لم يتجاوز العاشرة من العمر لا تكاد أرجله أن تحمله من هيبة المحكمة وعلاقته العاطفية بالمتخاصمين، فكلى الخيارين يخرجانه من سباق الحياة المستقرة!؟

لقد تركت الترافع في قضايا الحضانة ضد الأم منذ 17 عاماً حين أغمي على إحداهن بالحقوق المدنية بمجرد انتزاع طفلها، واليوم يراودني الشعور نفسه في أن أترك الترافع كليا في هذه القضايا، ذلك أن الظاهر منها هو التشفي والنكاية بالآخر، وكم أتمنى أن توجه بوصلة القرارات التنظيمية نحو تدعيم وتطوير لجان إصلاح ذات البين حتى نستبدل ثقافة حب الانتقام بثقافة التسامح والعمل لمصلحة الأبناء، ليحتفي الابن حينها بمعالجة الخلاف بين أبويه بوجود كعكة كبيرة كتب عليها (تم الصلح بنجاح.. أنتما عينان في رأسي.. فكيف أخير بينكما)؟!