الشريم: رمضان شهر الجود والإنفاق.. ويجمع كل مقومات التقوى
الجمعة / 03 / رمضان / 1439 هـ الجمعة 18 مايو 2018 14:31
«عكاظ» (مكة المكرمة)
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه.
وقال الشريم في خطبة الجمعة في المسجد الحرام اليوم: إن الزمان يدور كما تدور الرحى، عشية تمضي وتأتي بكرة، والناس فيه بين مقل ومكثر، وكادح وراقد، وجاد وهازل، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والسعيد منهم من عرف حظه من مواسمه فاغتنمها، وشمر عن ساعدي الجد وما فرط فيها، فإن في مواسم الخيرات لمربحا ومغنما، وفي أوقات البركات والنفحات لطريقا إلى الله وسلما، يوفق إليها الساعون المجدون، ويذاد عنها الكسولون القعدة، والزمن إبان ذلكم كله وحِيُّ التقضِّي، بطيء الرجوع، من فرط في لحظة منه فلن يدركها مرة أخرى، لأن ما مضى فات، والمؤمل غيب، وليس للمرء إلا ساعته التي هو فيها، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
وأوضح الشريم أن قلوب البشر يعتريها ما يعتري غيرها من عوامل التأثير، فقد تصدأ كما يصدأ الحديد، وتجف كما يجف الضرع، وتيبس كما ييبس الزرع، فهي أحوج ما تكون إلى ما يعيد مادة النماء إليها، فيجلي صدأها، ويدر جفافها، وينبت يبسها، فإن النفس قد تلهو مع زحام الأيام وكدحها حتى تتراكم عليها الشواغل فتحجزها عن مقومات التصفية والتخلية فضلا عن شحذها وتحليتها.
وأردف الشريم ألا إن الشهر الذي أظلكم لهو خير معين على ذلكم كله، إنه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، إنه شهر البر والصوم والصلاة والرحمة والتراحم، شهر لجام الشهوة، وقصر النفس وأطرها على البر أطرا، وإخراجها من دائرة توهم الكمال الزائف الذي يشكل حاجزا وهميا آخر يحول دون اغتنام الفرص، وانتشال النفس كذلكم من كثرة الانشغال بمباحات تزاحم الطاعات فينغمس المرء فيها حتى يثقل ويركن إليها حتى يبرد فيفوت من الطاعات ما يجعله أسير هواه وكسله وركونه، ألا إن هذا الشهر شهر الاستزادة من التقوى، وليس ثمة أحد يستغني عن الاستزادة من الطاعة والتفرغ لها في شهر رمضان.
وتابع: لقد شغلتنا أموالنا وأهلونا عن صقل قلوبنا وتخليتها استعدادا لتحليتها، وإن في بعض القلوب لقسوة فلتستلهم خلق الرحمة من رمضان، وإن في بعض الأموال لجفاء فلتلتمس النماء والزكاء في رمضان، وإن في بعض الألسن لسلاطة وحدة فلتلتمس طيب الكلام في رمضان، وإن في بعض الجسوم لكسلا فلتلتمس القوة والهمة في رمضان، إنه شهر متكامل يجمع كل مقومات التقوى لمن يبحث عنها (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
أيها المسلمون: إن المرء الغيور ليؤسفه أشد الأسف ما يراه في كثير من الناس في هذا الشهر المبارك من سلوك طريق تقليدية تحكمها حركة العادة، لا حركة العبادة، دون تأمل منهم بأن هذا الشهر المبارك شهر تُشَدُّ النفوسُ فيه إلى رفع درجة القرب من دين الله، يذكرهم هذا الشهر بحق الله تعالى عليهم، تُشَمُّ رائحة العاطفة الإيمانية في أكثر من مجلس يُجلس فيه، يُحَس بإقبال الناس على العبادة والعمل الصالح وقراءة القرآن، حتى إنهم ليرفعون بذلك درجة الاستعداد لتغيير ما في النفوس، حتى يغير الله ما بهم (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، يشعر الكثيرون في هذا الشهر المبارك بضرورة كتاب الله لهم، كضرورة الماء والهواء؛ لئلا يضطرب شأنهم، ويموج بعضُهم في بعض، فيقلب الله الفتهم شحناء، واجتماعهم فرقة، وأمنهم خوفاً، وإحكامهم فوضى، في شهر رمضان المبارك ترتفع معايير القوة لدى المرء المسلم؛ بحيث يصعب اضطرابه، إن أحسن الطاعة فيه، وأدرك سراً عظيماً من أسرار هذا الشهر متمثلا في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النيران، وصُفِّدت الشياطين ) رواه البخاري ومسلم.
وأشار الشريم إلى أن المرء المسلم بلا قرآن في شهر رمضان كمن يريد حياة بلا ماء ولا هواء، وإن صلة بعض الصائمين بكتاب ربهم صلة رتيبة لا تعدو كونها تمتمات يهذ بها آيات القرآن هذا فلا يدري ما قرأ ولا يفهم ما تلا، هم أحدهم آخر السورة فيقع في علل من عابهم الله بقوله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) أي لا يعلمونه إلا تلاوة لا تجاوز تراقيهم، فلربما تفننوا فيه باللحن وتشدقوا في النطق فألهاهم هذا وذاك عن سهولة القراءة وحسن التدبر.
قال أبو عمرو الداني أحد أئمة القراءات والتفسير: فليس التجويد بتمضيغ اللّسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفكّ، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشدّ، ولا بتقطيع المدّ، ولا بتطنين الغُنّات، ولا بحَصرمة الراءات؛ قراءةٌ تنفر منها الطّباعُ، وتمجّها القلوب والأسماع؛ بل القراءة السّهلة العذبة الحلوة اللّطيفة.
وقال: ألا إن شهر رمضان لفرصة كبرى في أن يطهر المرء نفسه بالصوم في النهار حتى تتهيأ لتدبر آيات القرآن في الليل فإن ساعات الليل أجمع على التلاوة؛ لأن الصوم في النهار تخلية، والقيام بالقرآن في الليل تحلية، والله جل وعلا يقول(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا).
واستهل فضيلته الخطبة الثانية قائلاً: فاتقوا الله معاشر الصائمين واعلموا أن هذا الشهر الكريم يحمل في طياته معنى الجود والإنفاق والشفقة، هو شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يشرئب فيه المنكوبون إلى أيادي ذوي اليسار والجدة، فليكن للمرء في ذلكم سهم راجح، ولا يترددن في كفكفة دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحنَّ عن سد مسغبتهم وتجفيف فاقتهم، وحذار حذار من الشح والبخل فإنهما معرة مكشوفة السوءة، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بربه منهما، وهو من كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين: (أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا).
وتابع: ثم إن هذا التحضيض غير قاصرٍ على سعادة ذوي المسكنة وحسب، بل إنه ليرتد أمانه وبشارته إلى الباذلين أنفسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثدييهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) رواه البخاري ومسلم، والمعنى أن ذا الجود والسخاء إذا هم بالصدقة، انشرح لها صدره، وطابت بها نفسه، وتاقت إلى المثوبة فتوسعت في الإنفاق، ولا يضيره الحديد، بل هو يتسع معه حيثما اتسع، ولا عجب في ذلكم، بيد أن البخيل الشحيح إذا حدث نفسه بالصدقة جبنت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه، وأحس كأنما يعطي من عمره وفؤاده، حتى يعيش في نطاقٍ ضيق، لا يرى فيه إلا نفسه، غير مكترثٍ بالمساكين، وإن مثل هذا ولا شك قد وضع الإصر والأغلال في يده، وجعلها مغلولة إلى عنقه، وقد قال الله تعالى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً)، ألا إنه ليس شيءٌ أشد على الشيطان وأبطل لكيده وأدحر لوسواسه من صدقة طيبة يعلن بها الباذل انتصاره على هواه وعلى الشيطان في تخويفه وما يعد به العباد من الفقر وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فذلكم وعد الشيطان وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
وقال الشريم في خطبة الجمعة في المسجد الحرام اليوم: إن الزمان يدور كما تدور الرحى، عشية تمضي وتأتي بكرة، والناس فيه بين مقل ومكثر، وكادح وراقد، وجاد وهازل، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والسعيد منهم من عرف حظه من مواسمه فاغتنمها، وشمر عن ساعدي الجد وما فرط فيها، فإن في مواسم الخيرات لمربحا ومغنما، وفي أوقات البركات والنفحات لطريقا إلى الله وسلما، يوفق إليها الساعون المجدون، ويذاد عنها الكسولون القعدة، والزمن إبان ذلكم كله وحِيُّ التقضِّي، بطيء الرجوع، من فرط في لحظة منه فلن يدركها مرة أخرى، لأن ما مضى فات، والمؤمل غيب، وليس للمرء إلا ساعته التي هو فيها، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
وأوضح الشريم أن قلوب البشر يعتريها ما يعتري غيرها من عوامل التأثير، فقد تصدأ كما يصدأ الحديد، وتجف كما يجف الضرع، وتيبس كما ييبس الزرع، فهي أحوج ما تكون إلى ما يعيد مادة النماء إليها، فيجلي صدأها، ويدر جفافها، وينبت يبسها، فإن النفس قد تلهو مع زحام الأيام وكدحها حتى تتراكم عليها الشواغل فتحجزها عن مقومات التصفية والتخلية فضلا عن شحذها وتحليتها.
وأردف الشريم ألا إن الشهر الذي أظلكم لهو خير معين على ذلكم كله، إنه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، إنه شهر البر والصوم والصلاة والرحمة والتراحم، شهر لجام الشهوة، وقصر النفس وأطرها على البر أطرا، وإخراجها من دائرة توهم الكمال الزائف الذي يشكل حاجزا وهميا آخر يحول دون اغتنام الفرص، وانتشال النفس كذلكم من كثرة الانشغال بمباحات تزاحم الطاعات فينغمس المرء فيها حتى يثقل ويركن إليها حتى يبرد فيفوت من الطاعات ما يجعله أسير هواه وكسله وركونه، ألا إن هذا الشهر شهر الاستزادة من التقوى، وليس ثمة أحد يستغني عن الاستزادة من الطاعة والتفرغ لها في شهر رمضان.
وتابع: لقد شغلتنا أموالنا وأهلونا عن صقل قلوبنا وتخليتها استعدادا لتحليتها، وإن في بعض القلوب لقسوة فلتستلهم خلق الرحمة من رمضان، وإن في بعض الأموال لجفاء فلتلتمس النماء والزكاء في رمضان، وإن في بعض الألسن لسلاطة وحدة فلتلتمس طيب الكلام في رمضان، وإن في بعض الجسوم لكسلا فلتلتمس القوة والهمة في رمضان، إنه شهر متكامل يجمع كل مقومات التقوى لمن يبحث عنها (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
أيها المسلمون: إن المرء الغيور ليؤسفه أشد الأسف ما يراه في كثير من الناس في هذا الشهر المبارك من سلوك طريق تقليدية تحكمها حركة العادة، لا حركة العبادة، دون تأمل منهم بأن هذا الشهر المبارك شهر تُشَدُّ النفوسُ فيه إلى رفع درجة القرب من دين الله، يذكرهم هذا الشهر بحق الله تعالى عليهم، تُشَمُّ رائحة العاطفة الإيمانية في أكثر من مجلس يُجلس فيه، يُحَس بإقبال الناس على العبادة والعمل الصالح وقراءة القرآن، حتى إنهم ليرفعون بذلك درجة الاستعداد لتغيير ما في النفوس، حتى يغير الله ما بهم (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، يشعر الكثيرون في هذا الشهر المبارك بضرورة كتاب الله لهم، كضرورة الماء والهواء؛ لئلا يضطرب شأنهم، ويموج بعضُهم في بعض، فيقلب الله الفتهم شحناء، واجتماعهم فرقة، وأمنهم خوفاً، وإحكامهم فوضى، في شهر رمضان المبارك ترتفع معايير القوة لدى المرء المسلم؛ بحيث يصعب اضطرابه، إن أحسن الطاعة فيه، وأدرك سراً عظيماً من أسرار هذا الشهر متمثلا في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النيران، وصُفِّدت الشياطين ) رواه البخاري ومسلم.
وأشار الشريم إلى أن المرء المسلم بلا قرآن في شهر رمضان كمن يريد حياة بلا ماء ولا هواء، وإن صلة بعض الصائمين بكتاب ربهم صلة رتيبة لا تعدو كونها تمتمات يهذ بها آيات القرآن هذا فلا يدري ما قرأ ولا يفهم ما تلا، هم أحدهم آخر السورة فيقع في علل من عابهم الله بقوله (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) أي لا يعلمونه إلا تلاوة لا تجاوز تراقيهم، فلربما تفننوا فيه باللحن وتشدقوا في النطق فألهاهم هذا وذاك عن سهولة القراءة وحسن التدبر.
قال أبو عمرو الداني أحد أئمة القراءات والتفسير: فليس التجويد بتمضيغ اللّسان، ولا بتقعير الفم، ولا بتعويج الفكّ، ولا بترعيد الصوت، ولا بتمطيط الشدّ، ولا بتقطيع المدّ، ولا بتطنين الغُنّات، ولا بحَصرمة الراءات؛ قراءةٌ تنفر منها الطّباعُ، وتمجّها القلوب والأسماع؛ بل القراءة السّهلة العذبة الحلوة اللّطيفة.
وقال: ألا إن شهر رمضان لفرصة كبرى في أن يطهر المرء نفسه بالصوم في النهار حتى تتهيأ لتدبر آيات القرآن في الليل فإن ساعات الليل أجمع على التلاوة؛ لأن الصوم في النهار تخلية، والقيام بالقرآن في الليل تحلية، والله جل وعلا يقول(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا).
واستهل فضيلته الخطبة الثانية قائلاً: فاتقوا الله معاشر الصائمين واعلموا أن هذا الشهر الكريم يحمل في طياته معنى الجود والإنفاق والشفقة، هو شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يشرئب فيه المنكوبون إلى أيادي ذوي اليسار والجدة، فليكن للمرء في ذلكم سهم راجح، ولا يترددن في كفكفة دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحنَّ عن سد مسغبتهم وتجفيف فاقتهم، وحذار حذار من الشح والبخل فإنهما معرة مكشوفة السوءة، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بربه منهما، وهو من كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين: (أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا).
وتابع: ثم إن هذا التحضيض غير قاصرٍ على سعادة ذوي المسكنة وحسب، بل إنه ليرتد أمانه وبشارته إلى الباذلين أنفسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثدييهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) رواه البخاري ومسلم، والمعنى أن ذا الجود والسخاء إذا هم بالصدقة، انشرح لها صدره، وطابت بها نفسه، وتاقت إلى المثوبة فتوسعت في الإنفاق، ولا يضيره الحديد، بل هو يتسع معه حيثما اتسع، ولا عجب في ذلكم، بيد أن البخيل الشحيح إذا حدث نفسه بالصدقة جبنت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه، وأحس كأنما يعطي من عمره وفؤاده، حتى يعيش في نطاقٍ ضيق، لا يرى فيه إلا نفسه، غير مكترثٍ بالمساكين، وإن مثل هذا ولا شك قد وضع الإصر والأغلال في يده، وجعلها مغلولة إلى عنقه، وقد قال الله تعالى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً)، ألا إنه ليس شيءٌ أشد على الشيطان وأبطل لكيده وأدحر لوسواسه من صدقة طيبة يعلن بها الباذل انتصاره على هواه وعلى الشيطان في تخويفه وما يعد به العباد من الفقر وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فذلكم وعد الشيطان وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.