كتاب ومقالات

اش فيك تطالع؟

أشواك

عبده خال

في تبادل نظرات سريعة ومباغتة في حي الخنساء بمكة المكرمة انتهت بجريمة قتل، هكذا مجرد تبادل نظرات أتت نتيجتها جريمة قتل شنيعة...

فقد ألف البعض الاستنكاف من تبادل النظرات مع شخص يقابله في الشارع أو في الأسواق أو الملاعب أو في أي مكان، وعلى الفور تنشأ العدائية من الطرفين أو من أحدهما، فتنطلق الجملة الشهيرة:

- اش فيك تطالع؟

هذا السؤال قد يقود المرء إلى ارتكاب جريمة قتل (كما حدث ليلة أمس بين شابين في مكة المكرمة) أو ينتج من تبادل النظرات عراك غالبا لا ينتهي بسلام..

- فلماذا لا يتقبل بعضنا تلك النظرات المتعمقة لأشكالنا أو تصرفاتنا؟

هل يمكن لنا التماشي مع فلسفة (أن الآخر هو الجحيم) على رأي مفكر الوجودية سارتر، ويصبح المرء بحاجة إلى الانعتاق من سجن العين التي تتربص به؟

إلا أن فكرة سارتر (عن جحيم الآخر) جاءت من مسرحية (أبواب مغلقة) عندما أراد إبقاء ثلاث شخصيات على خشبة المسرح، وأن لا يغادر أي منهم موقعه، وبهذه الثلاثية أراد أن يقول إن الجحيم هم الآخرون الذين يقتحمون داخلك واختطاف تفردك لتسقط داخل المجاميع التي تحولك إلى سلوى، وإذ كان الأمر متعلقاً بشخص واحد يصبح جحيما أيضا إذا حمل مواصفات المجاميع التي تكون حكما ينتزع من الفرد طمأنينته.

وسواء كانت فلسفة سارتر تبيح مقولة أن الآخر هو الجحيم أو كانت على طريقة الجملة الشهيرة التي نعرفها ونواجه بها الآخر بسؤال استنكاري:

اش فيك تطالع؟ فالحالتان تحملان خللا نفسيا كسر مظاهر الصحة النفسية السليمة، ويكون المرء فاقدا للطمأنينة غير مقدر لذاته، وهما العنصران الأساسيان المثيران لمن لا يمتلكهما، إذ يجد أن العين المتأملة لملامحه أو تصرفاته تهدد طمأنينته، ولأنه لا يمتلك تثمينا لذاته تجده يستثار بسرعة ويعتبر الآخر جحيما عليه الانعتاق منه أو تهشيمه لكي يثأر لهشاشته الداخلية، وعادة ما يكون المعتدي بالعنف شخصية لم تتطور وفق المرحلة السنية التي وصل إليها حاملا ضعف شخصيته الذي أكسبه مرضا نفسيا مزمنا.

وبعيد عن الخلطة الكلامية هذه، هل نحن جميعا مرضى نفسيون فعلاً، ولو راجعنا أنفسنا فلا شك أن كلاً منا وقف ذات يوم سائلاً شخصاً يحدق به:

- اش فيك تطالع؟

فهل نحن (جميعا) مرضى نفسيون؟

لينجح سارتر في تجسيد رؤيته على أن الآخرين هم الجحيم حتى ولو كان شخصا واحدا.