رمضان

الشدوي لـ«عكاظ»: أقول لأمي سامحيني.. وأنا أوّل من عصد هناك

علي الشدوي

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

الناقد والروائي علي جمعان الشدوي اسم فاعل في المشهد الثقافي، تتجلى مواهبه كتابة وتحدثاً كونه «دودة كتب» إن صح الوصف، لكنه يرى أن أزمة الحياة في كثرة متطلباتنا بينما هي بسيطة، ويؤكد أنه في رمضان مثل ما هو طيلة العام يأكل ما يتوفر، بيض مقلي، عيش وجبن، كوب شاهي وبسكويت، ويرى أن هذا الصخب الموحي بأن الصيام شهر الطعام يحتاج لمزيد من تحليل العقليات والنفسيات.

• أين أنت؟

•• فيما يبدو لي أنا في مدينة جدة. أفكر في السبب الذي يجعلنا نسأل «وينك»؟ هذا سؤال عميق جدا بالرغم مما يبدو عليه من سطحية. بالفصحى «أين تكون؟» وتكون هنا بمعنى «توجد». وفي الواقع لا أحد منا يستطيع أن يجزم أين يوجد. الحس العام والمشترك بين الناس هو الذي يقول لنا أين نوجد؟ لكن هل هذا حقيقي؟ هذا سؤال مربك جدا في الفلسفة.

• هل أنت قارئ نوعي؟

•• يوجد شبكة من المسلمات تشكل خلفية الإنسان المعرفية؛ فحين يتصرف أو يفكر أو يتحدث، فهو يسلم بوجود طريقة معينة يوصفها «جون سيرل» على أنها «شبكة من الأحكام». شبكة الأحكام هذه يمكن أن توصف بأنها نظرية، وربما مجموعة من النظريات. لذلك فأنا أقرأ ما ينقد هذه المسلمات، ومن ينتقدها سواء عبر عمل فني أو فكري أو فلسفي.

• ما وجبتك المفضلة في رمضان؟

•• لستُ متطلباً آكل ما توفر ولو بيض مقلي أو جبنة وعيش، أنت تعرف يا صديقي أن المطبخ الجنوبي فقير جدا في وجباته. العصيدة والخبزة والدغابيس والمعرق. ليس أكثر من هذا. لكن إذا طلبت مني داخل هذا الحيز الفقير فسأقول لك بلا تردد «معرق بلحم جفر تهامي» مع خبزة ملّة.

• هل تدخل المطبخ؟

•• عشت نصف حياتي عزّابيا، ونصف الحياة هذه مرتبطة بالمطبخ. تتذكر يا صديقي جامعة أم القرى. للتاريخ إن كان هناك ما يؤرخ فأنا أول من صنع عصيدة في سكن الجاسر. عادة الطبخ هذه استمرت معي، لكن في حدود المطبخ الجنوبي، وما زلت إلى الآن أساعد زوجتي في صنع العصيدة بحكم قدرتي على تدوير «المسوط» وسط تلبّك العجين.

• كيفك مع كرة القدم؟

•• كرة القدم خسّرت بورخيس جمهوره بسبب مباراة منتخب الأرجنتين (صمم على أن يكون وقت محاضرته وقت المباراة). تصور! بورخيس يحاضر ولا أحد يحضر! الكل ذهب ليشاهد المباراة. كرة القدم هذه التي كان عرض الناقد اليساري الكبير تيري إيجلتون أن يلغي الرياضة؛ فالرأسمالية من وجهة نظره دمرت صمود المجتمع الإنساني، لكنها وفرت للشعوب بدائل قوية في ملعب كرة القدم، فالرأسمالية تستأصل التاريخ والثقافة لكنها تستعيدهما في حوليات الإنجاز الرياضي «كم تمريرة صحيحة، كم هدف، كم بطولة». إن أبطال الرياضة نسخ فخمة من أناس عاديين جدا، حتى وإن كانوا أساطير فهم عاديون.

• لمن تقول «وحشتني»؟

•• عشت يتيما. لا أعرف أبي. رأيته في السنة الأولى من عمري، ثم اختفى في مكان ما في ذاكرتي. هناك حيث يسع الوجوه الحبيبة أن تتحاذى. في سن الرابعة قالت لي أمي: لن يعود إلى هنا، فلا يوجد ما يدعوه إلى العودة. لقد ودع كل الأشياء وحكم عليك أن تعيش دونه. في ذلك اليوم قالت لي: حينما رحل كانت السماء زرقاء. وعلى امتداد أيامي وليالي أنظر إلى أعلى، أفتش عن ذكراه، وأملأ عيني بما رأته السماء. تعلقت أحلامي بالسماء، أنام وأنفصل عن الأرض وأصعد إليها وأبدا في الاستيقاظ، عندئذ أكون نقيا وصافيا وبلا خطيئة كالأطفال، فأحيا تقاسيم وجهه أثناء حالات حلم خيالية.

• لمن تقول «فارقنا»؟

••أنا قروي خجول. حتى لو جالستُ متفيْهقا، ومدعيا، ومستعرضا لعناوين الكتب ومقدماتها يسألني ما إذا كنتُ قد قرأت الكتاب الفلاني لا أستطيع أن أقول له فارقنا.

• هل تجرح النرجسية الصيام؟

•• هذا باب في الإفتاء.

• ماذا تفعل لو كنت معلقا عند انتهاء الموسم؟

•• سأقول: خلاص. انتهت اللعبة.

• مع من تحرص على التواصل؟

•• مع أمي. كل ليلة أجلس أنا وهي لتحكي لي حكايات شعبية، ونكت، وأمثال. وطرف مما حصل في الجماعة ومما حصل منهم.

• من يفصل لك ثيابك، ومتى تفصل ثوب العيد؟

•• تسألني كما لو أنني أملك خيارات كثيرة لتفصيل ثيابي. يا صديقي أفصل ثيابي عند أرخص خياط، ولا أفصل ثوبا للعيد، إنما أكتفي بأحد ثيابي القديمة.

• هل تؤمن أغراض المنزل بنفسك؟

•• لا يوجد عندي سائق، ولا سيارة فائضة لكي أبحث عن سائق. وزوجتي من جيلي التي تعتمد علي في قضاء حوائج البيت. كل شيء يهون يا صديقي إلا الأسطوانة. لا أحد يعرف ثقل أن تعود إلى المنزل فتجد أسطوانة الغاز فارغة إلا من جرب ذلك.

• لمن تعتذر وتقول «سامحني»؟

•• أعتذر لأمي. وأقول: سامحيني. أنت جنوبي وتعرف كم عانت الأم الجنوبية مع الجيل الذي أنتمي إليه.

• لمن تقول: «الله لا يسامحك»؟

•• لمن لا يعتذر من أمه، ولا يقول لها سامحيني.