الدولة والفقه.. أسئلة التنمية والاعتدال
السبت / 11 / رمضان / 1439 هـ السبت 26 مايو 2018 02:39
يحيى الامير
الدولة المدنية الحديثة هي آخر نموذج طورته ووصلت إليه البشرية في سياق بناء المجتمعات والكيانات بل وأكثرها نضجا وقدرة على البقاء والتطور، من مجتمعات العائلة والقبلية والعرق والإثنية جاء مجتمع الدولة الحديثة ليمثل رابطا جديدا بين المنتمين إليه؛ رابط يتجاوز تلك الروابط الصغرى ويقوم على مبادئ التنوع والمصلحة والدفاع وعلاقات المنافع المتبادلة مع الكيانات المجاورة، وكل اضطراب تشهده أية دولة يعود إلى قصور في أحد جوانب المدنية لديها؛ إِمَّا بسبب تراجع التنوع وهيمنة الرأي الواحد أو الاحتكام إلى حسابات ومصالح لا علاقة لها بالواقع. وكلما اتسعت الخيارات واتسعت هيمنة القانون المدني كلما كان ذلك الكيان في مساره الصحيح، وكلما تراجعت كلما دخل في أزمات متتالية، أبرزها تتمثل في وجود وعي غير مدني أو قيمة غير واقعية يراد الدفاع عنها أو الانطلاق من أحكام قديمة أو غيبية لبناء واقع جديد..
(الولي الفقيه) هذا أسوأ منصب عرفه التاريخ الحديث، والتجلي الأبرز له يتمثل في النظام الكهنوتي الإيراني الذي بات عبئا على الشعب الإيراني وعلى المنطقة والعالم بأسره. في الواقع إن كل ما يقوم به النظام هناك سواء في الداخل الإيراني أو في المنطقة هو نتيجة حتمية وطبيعية لتركيبة النظام التي تقوم على أن الولي ليس شخصية دنيوية واقعية ومعاييرها ومهاراتها في الحكم والسياسة ليست سياسية ولا وطنية بل هي فقهية دينية غيبية.
كل الأزمات اليوم في إيران ليست نتيجة مواقف يمكن للنظام أن يتراجع عنها بل هي بسبب التركيبة أصلا، وبالتالي فمصيره الحتمي الدخول في مواجهات مستمرة في الداخل والخارج ستؤدي إلى نهايته في آخر المطاف.
التجلي الثاني لتلك الأزمة يتمثل في ما يمكن وصفه بـ: ولاية الفقه، المعادل الموضوعي لولاية الفقيه، حدثت تلك المحاولات في كثير من بلدان العالم الإسلامي سعيا لجعل الفقه بصيغه التقليدية القديمة حاكما ومهيمنا على الحياة العامة، وفي الغالب لم تنجح أي من تلك المحاولات.
أزمة الفقه ومؤسساته في العالم الإسلامي تتجسد في كونها تتعامل مع منتج تاريخي لا علاقة له بالواقع المعاصر، وتدور كل أنشطتها في عمليات النقل وإعادة التدوير، وحتى في مواجهة المستجدات الحياتية والتقنية نجد الدرس الفقهي يستورد أدوات قديمة ليستنبط بها أحكاما جديدة ولذا يقع في إشكالات متتالية أدت في النهاية لإرباك وتأزيم علاقته مع الواقع.
لا يتكئ الدرس الفقهي كثيرا على التنزيل الحكيم، ويرتمي غالبا باتجاه آراء ومقولات اجتهادية قديمة، ولا يطور كثيرا في أدواته ولا يحتفي بالخلاف والتنوع، ولذا ينشغل بالتحريم والممانعة والمواجهة المستمرة مع الواقع ومستجداته.
كيف إذن استطاعت الدول الإسلامية المدنية أن تخرج من أي هيمنة متوقعة لذلك القديم على واقعها الجديد؟ الجواب كالتالي: سنت القوانين والتشريعات والأنظمة المستوحاة من قيم التنزيل الحكيم، ومن أبرزها: العالمية والإيمان بالتنوع وحفظ الحقوق والمصالح وإدارة الحياة بواقعية وعدم الانتصار لرأي على حساب رأي وصولا إلى عمارة الأرض وإقامة السلم والاستقرار.
هذه القيم العظيمة هي التي تمثل السبب الأول لاستقرار وازدهار كل كيان، وهي التي استطاعت من خلالها الدولة المدنية الحديثة أن تنمو وتزدهر. وغيابها هو السبب الأول في الأزمات التي تعصف بالكيانات المضطربة اليوم، النموذج الأبرز للفقه حين يكون وليا حاكما تتمثل في إيران، والنماذج الأبرز حين تكون القوانين والأنظمة المستوحاة من قيم الإسلام الواعية تتمثل في كل البلدان المستقرة المزدهرة المتطلعة نحو المستقبل والتنمية.
* كاتب سعودي
(الولي الفقيه) هذا أسوأ منصب عرفه التاريخ الحديث، والتجلي الأبرز له يتمثل في النظام الكهنوتي الإيراني الذي بات عبئا على الشعب الإيراني وعلى المنطقة والعالم بأسره. في الواقع إن كل ما يقوم به النظام هناك سواء في الداخل الإيراني أو في المنطقة هو نتيجة حتمية وطبيعية لتركيبة النظام التي تقوم على أن الولي ليس شخصية دنيوية واقعية ومعاييرها ومهاراتها في الحكم والسياسة ليست سياسية ولا وطنية بل هي فقهية دينية غيبية.
كل الأزمات اليوم في إيران ليست نتيجة مواقف يمكن للنظام أن يتراجع عنها بل هي بسبب التركيبة أصلا، وبالتالي فمصيره الحتمي الدخول في مواجهات مستمرة في الداخل والخارج ستؤدي إلى نهايته في آخر المطاف.
التجلي الثاني لتلك الأزمة يتمثل في ما يمكن وصفه بـ: ولاية الفقه، المعادل الموضوعي لولاية الفقيه، حدثت تلك المحاولات في كثير من بلدان العالم الإسلامي سعيا لجعل الفقه بصيغه التقليدية القديمة حاكما ومهيمنا على الحياة العامة، وفي الغالب لم تنجح أي من تلك المحاولات.
أزمة الفقه ومؤسساته في العالم الإسلامي تتجسد في كونها تتعامل مع منتج تاريخي لا علاقة له بالواقع المعاصر، وتدور كل أنشطتها في عمليات النقل وإعادة التدوير، وحتى في مواجهة المستجدات الحياتية والتقنية نجد الدرس الفقهي يستورد أدوات قديمة ليستنبط بها أحكاما جديدة ولذا يقع في إشكالات متتالية أدت في النهاية لإرباك وتأزيم علاقته مع الواقع.
لا يتكئ الدرس الفقهي كثيرا على التنزيل الحكيم، ويرتمي غالبا باتجاه آراء ومقولات اجتهادية قديمة، ولا يطور كثيرا في أدواته ولا يحتفي بالخلاف والتنوع، ولذا ينشغل بالتحريم والممانعة والمواجهة المستمرة مع الواقع ومستجداته.
كيف إذن استطاعت الدول الإسلامية المدنية أن تخرج من أي هيمنة متوقعة لذلك القديم على واقعها الجديد؟ الجواب كالتالي: سنت القوانين والتشريعات والأنظمة المستوحاة من قيم التنزيل الحكيم، ومن أبرزها: العالمية والإيمان بالتنوع وحفظ الحقوق والمصالح وإدارة الحياة بواقعية وعدم الانتصار لرأي على حساب رأي وصولا إلى عمارة الأرض وإقامة السلم والاستقرار.
هذه القيم العظيمة هي التي تمثل السبب الأول لاستقرار وازدهار كل كيان، وهي التي استطاعت من خلالها الدولة المدنية الحديثة أن تنمو وتزدهر. وغيابها هو السبب الأول في الأزمات التي تعصف بالكيانات المضطربة اليوم، النموذج الأبرز للفقه حين يكون وليا حاكما تتمثل في إيران، والنماذج الأبرز حين تكون القوانين والأنظمة المستوحاة من قيم الإسلام الواعية تتمثل في كل البلدان المستقرة المزدهرة المتطلعة نحو المستقبل والتنمية.
* كاتب سعودي