كتاب ومقالات

السلام يعود إلى سورية واليمن.. قريباً

بخروج إيران وتركيا من سورية ومراجعة حزب الله لحساباته

هاشم عبده هاشم

•• من المرجح أن تشهد منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية – على وجه الخصوص – خلال الفترة القصيرة القادمة سلسلة من التغييرات الجيوسياسية الضرورية وفقاً لمعطيات الأحداث والمؤشرات الواضحة أمامنا، وذلك في ضوء التطورات الأخيرة التي وقعت بالفعل وشكلت علامات قوية على وقوع هذه التحولات الهامة.

•• ويأتي في مقدمة تلك الأحداث:

• تصفية رئيس المجلس السياسي في التنظيم الميليشيوي الحوثي في اليمن (صالح الصماد).

• التحالف الروسي/‏‏الإيراني/‏‏التركي، الهجين في سورية مقابل الضغط الأمريكي الشديد والضربات الجوية المجهولة على قواعد النظام السوري والإيراني العسكرية الرئيسية.

• نتائج الانتخابات المفاجئة في كل من لبنان والعراق ورسمها لخطوط مستقبل البلدين قريباً من إيران أو بعيداً عنها.

• الاتفاق بين الكوريتين على نزع فتيل الحرب بينهما.. والتحضيرات الجارية للقاء الرئيسين الكوري الشمالي (كيم جونغ) والأمريكي (ترمب).

• انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران.. وما ترتب عليه من عقوبات عليها.. ومن مواقف أوروبية ودولية متعارضة.

• الوضع الصحي لوزير الدفاع الليبي «حفتر» وما قد يترتب عليه من مستجدات في الداخل الليبي.

•• هذه الأحداث الهامة تشير إلى أن المنطقة والعالم.. مقبلان على فرض واقع جديد سواء في العلاقات المحورية بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية.. وبينهما وبين الوضع النهائي في المنطقة العربية على وجه التحديد.

•• فبالرغم من حالة التوتر في العلاقات بين البلدين كما يظهر من الصورة الخارجية.. إلا أن قناعتي الشخصية المنطلقة من التحليل الموضوعي الذي تفرضه المصالح العليا للدولتين الكبيرتين.. وذات الأبعاد الإستراتيجية تؤكد أن الدولتين متفقتان على خطوط رئيسية عريضة تتمحور حول:

(1) تجنب الصدام أو الصراع بينهما.. بتحديد مصالحهما في المنطقة بدقة.. وتوافقهما عليها.

(2) خروج إيران وتركيا وحزب الله من سورية في أقرب وقت ممكن.

(3) التوصل إلى تسوية سياسية للوضع هناك تأخذ في الاعتبار حقوق كافة الأطراف السورية وتحافظ على وحدة البلاد وتأتي بحكومة ممثلة للجميع وقابلة لاستيعاب الكل.. وتقود إلى استرداد سورية لمقعدها في الجامعة العربية بعد زوال جميع الأسباب التي قادت البلاد إلى حرب مدمرة.

(4) توزع الأدوار بين الدولتين الكبيرتين أمريكا وروسيا في المنطقة بصورة جديدة ومرضية لكلا الطرفين تمهيدا لخروجهما التدريجي من سورية وإن تطلب ذلك بعض الوقت لضمان عودة الاستقرار التام في المنطقة وعدم تعرض مصالحهما لأي أخطار محتملة في المستقبل القريب أو البعيد.

تفاهمات أمريكية روسية على الخروج من سورية

•• وفي هذا السياق.. فإن الضربات الشديدة التي تعرضت لها المعسكرات الإيرانية في سورية في الآونة الأخيرة تعتبر جزءا من هذا المخطط المدروس بعناية لإيقاف المشروع الإيراني للتمدد في المنطقة عند حده.. وتحجيم دور حزب الله في لبنان.. وميليشيات الحوثي في اليمن.. والحد من التنازع بين القوى الكبرى في المنطقة بعد اليوم لما فيه تأمين مصالحهما الإستراتيجية بصورة دائمة.

•• ولن يصبح بمقدور إيران (أولاً) أو تركيا (ثانياً) الاستمرار ليس في الوجود على الأراضي السورية فحسب.. وإنما لمواصلة سياساتهما التوسعية خارج بلديهما بعد أن أظهرا طموحات كبيرة في السنوات الأخيرة في استعادة الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية في المنطقة وخارجها.. وهي طموحات غير واقعية شجعتهما على التمادي فيها أوضاع بعض الأنظمة السياسية المهترئة في المنطقة أو المتداعية بفعل كارثة ما يسمى بالربيع العربي..

•• يحدث هذا الآن.. لأن روسيا تدرك أكثر من غيرها أن التحالف الهش القائم بينها وبين طهران وأنقرة لا يمكن أن يدوم وأنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن الاتفاق مع أمريكا لضمان مصالحهما المشتركة هاهنا.. رغم الاختلاف الشديد بينهما حول بعض التفاصيل الصغيرة في الإقليم وغيره.

•• وفي ظل هذا التفاهم الأمريكي/‏‏ الروسي.. فإن التسوية السياسية في سورية قد لا تكون بعيدة.. وإن كنت أعتقد أن الإيرانيين وهم يغادرون الأراضي السورية وبرفقتهم حزب الله.. قد يطالبون بضمانات تكفل لهم البقاء بقوة في كل من لبنان والعراق واليمن ومناطق أخرى.. وهو ما قد لا تقبل به الدولتان الكبريان.. وإن قبلتا بانسحاب تدريجي وبطيء من الدول الثلاث.. مقابل إيقاف العقوبات الأمريكية المتصاعدة عليها والبحث عن صيغة جديدة تعيد الروح إلى الاتفاق النووي بينها وبين الدول (5+1) وهو ما تفكر وتسعى إليه الآن دول أوروبا الغربية (بريطانيا/‏‏فرنسا/‏‏ألمانيا) تجنباً لأية أضرار ستتعرض لها بسبب الإجراءات الأمريكية المتوالية ضد إيران وكذلك ضد جميع الشركات والمؤسسات المالية في العالم التي تتعامل معها..

لا وجود لإيران في اليمن مستقبلاً

•• هذه الحلقة المترابطة والشائكة في العلاقات الدولية.. هي ما يتم بحثه الآن على طاولة الكبار وبعض الدول الإقليمية المركزية للتوصل إلى تفاهمات مشتركة.. من شأنها أن تؤدي بالضرورة إلى تسوية سياسية في اليمن.. لاسيما بعد الضربة القوية التي تلقاها «الحوثيون» بتصفية صالح الصماد بصرف النظر عن تحديد مصدر هذه الضربة وكذلك بعد التقدم العسكري الواضح لقوات الشرعية في اليمن بدعم دول التحالف على كل الجبهات العسكرية.. ولاسيما في الحديدة وصعدة وتعز.. بالرغم من التعقيدات الكبيرة للحرب في اليمن.. تضاريسياً.. ومناخياً.. وإنسانياً.. وهي عوامل لا يستهان بها.. لكن السيد عبدالملك الحوثي بات يُدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن المناخ السياسي الدولي لم يعد يسمح بمزيد من الانتظار لإطالة أمد الحرب من جهة.. ولأن الشعب في الداخل اليمني لم يعد يحتمل المزيد من الصبر.. أو الصمود.. أو التضحية بالمزيد من أبنائه لصالح نظام غريب عنه وعن تكوينه الثقافي ومصالحه الإستراتيجية الأعمق والأبعد مع دول الجوار العربية المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجية الأخرى التي تنتظر اللحظة المناسبة لدمجه في منظومتها في المستقبل القريب حفاظا على هوية اليمن العربية.. وشعب اليمن العربي الأصيل بعيداً عن المحاور الإقليمية الطائفية أو المذهبية المسيسة.. وقريباً من لحمته العربية والإسلامية غير القابلة للتشكل أو الذوبان في المشروع الإيراني في أي وقت من الأوقات.

•• وكما قلت في البداية.. فإن مناخ السلام والاستقرار في العالم الذي يهب على المجتمع الدولي بعد لقاء زعيمي الكوريتين.. قد وضع حداً للمستحيلات وأكد أن الوقت قد حان لتجاوز زمن المغامرات وفرض المشاريع الخطرة والأيديولوجيات الطارئة على ثقافات الأمم ومكوناتها الأساسية.

•• وقد أعطت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة أكبر دليل على أن طيف التبعية.. السياسية.. أو الأيديولوجية قد سقط.. وأن الالتفاف حول القيم الوطنية.. والعروبية.. هو المخرج الأوحد لمنطقتنا من الأزمات وحالة التوتر التي تعيشها..

•• وليس بعيداً عن ذلك ما يحدث في لبنان وأن احتاج الوضع فيه إلى بعض الوقت حتى يسترد اللبنانيون عافيتهم.. وتعود البلاد إلى حيويتها.. لا تفقد هي الأخرى هويتها العربية الأصيلة.. بنسيجها الراقي والمتجانس..

فرصة حزب الله في التعايش مع الغير

•• ولا أعتقد أن «حزب الله» لا يدرك طبيعة الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحة الدولية الآن.. والعلاقات الأمريكية/‏‏ الروسية في هذه المرحلة المفصلية بالذات.. وبالتالي فإن المتوقع منه هو مراجعة حساباته في ضوء ما يحدث الآن في سورية.. وما تواجهه إيران.. من وضع دقيق وحساس في المنطقة..

•• وإذا تمت هذه المراجعة بوعي.. فإن الحزب سوف يترجم ذلك من خلال ما حصل عليه من مقاعد جراء الانتخابات الأخيرة بعقلية سياسية براجماتية ومنطقية بدلاً من استخدامها في الاتجاه الذي يعطل تشكيل حكومة جديدة فاعلة تحكمها مصالح لبنان العليا بعيداً عن الفكرة الأيديولوجية المسيطرة على الحزب وبالذات في هذا الوقت الذي لم يعد فيه العالم يتقبل الوضع الذي كان يعيش فيه لبنان في السنوات الأخيرة.. بسيطرة الحزب على مغاليق الحكم وأدواته في بلد حر.. ومتطور في مفاهيمه.. ومتعايش في طبيعته بين جميع طوائفه وفئاته.

•• إذا حدث هذا فإن لبنان سيعود إلى عافيته سريعاً.. وسوف تمتد إليه جميع الأيدي من داخل وخارج الإقليم.. وسوف يكون مصدراً من مصادر الأمن والاستقرار في المرحلة القادمة.

•• أما الوضع في ليبيا.. فإنه لن يشكل عقبة أمام استرداد المنطقة للحالة الأمنية التي افتقدتها في السنوات الأخيرة..

•• وذلك ممكن الحدوث بالتوصل إلى تفاهم جاد ومسؤول يبدأ عربياً.. وينتهي بتدخل أطراف دولية مؤثرة بين «حفتر» والسلطة المخولة دوليا بإدارة شؤون البلاد.

•• وإذا صدقت التقارير المسربة عن الوضع الصحي لوزير الدفاع «حفتر» فإن فرص التقارب.. والتفاهم.. للتوصل إلى حل يؤدي إلى احترام تاريخ الرجل ودمج كافة القوى العسكرية في جيش وطني واحد.. وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستوعب الكل وتقضي على الخلافات والتناقضات مستفيدة من المناخ الدولي الجديد.. ومن إصرار دول العالم على إيقاف مختلف أوجه الدعم لقوى الصراع في ليبيا.. تمهيداً لعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد.

•• وفي ظني أن مجمل الظروف مهيأة اليوم لتحقيق السلام ليس في ليبيا وحدها وإنما في المنطقة بكاملها.. وبالذات بعد أن انكسرت شوكة الإرهاب.. وزالت أسباب اللعب على كل الحبال.

جهود سعودية على مستوى دولي

•• والمملكة.. وهي تراقب هذه التطورات بعناية فائقة.. لا تدخر وسعاً في سبيل العمل على إعادة الاستقرار إلى المنطقة.. وذلك بالتحرك النشط على كل المستويات تحقيقاً للسلام الشامل والكامل.. وتأمين المنطقة ضد أي انتكاسة قد تحدث في أي وقت نتيجة عدم التزام أحد الأطراف بما سيتم الاتفاق عليه حول مناطق التوتر.

•• وفي الوقت الذي تسعى المملكة فيه نحو السلام بالطرق السلمية.. فإنها تحرص على توفير كل أسباب الاستقرار الدائم مع الأطراف ذات العلاقة تحقيقاً للأمان الدائم وحفظاً لحقوق شعوب المنطقة التي تضررت كثيراً بفعل التدخلات الخارجية والمشاريع العدائية.. ضد ثقافة الأمة وعروبتها وأمان شعوبها..

•• وهي مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى من أجل ضمان استقلال واستقرار دول المنطقة وسلامة شعوبها والحفاظ على وحدة أراضيها. لكنها لن تقبل في ظل أي تسويات جديدة بأي تغيير لطبيعة التركيبة السكانية.. أو المحتوى الثقافي العروبي لأي من دول المنطقة المرزوءة بالنعرات الطائفية والمذهبية الغريبة عليها.

•• وعلى جانب آخر.. فإنه ليس سراً أن أقول إن المملكة تقود الآن تحركاً عربياً واسعاً إلى كل دول العالم وهيئاته ومنظماته بحكم رئاستها للدورة الحالية للجامعة العربية من أجل الحفاظ على القدس الشرقية عربية إسلامية وضمن النسيج الذي لا يمكن لأي تسوية سلام قادمة أن تتم بدون الارتكاز عليه بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

•• يحدث هذا في الوقت الذي تعمل مع أشقائها العرب على تحريك عملية السلام.. وتحقيق التسوية الشاملة في إطار حل الدولتين.. والمشروع العربي المقر في قمة بيروت عام 2002.. الذي انطلق من المملكة وتعاطفت معه معظم دول العالم..

•• وإذا أثمرت هذه الجهود وتلك التحركات في ظل مناخات دولية توافقية ملموسة في الوقت الراهن فإن المنطقة موعودة بمرحلة بناء وتنمية شاملين.. لأن الجميع وصل إلى قناعة بأن زمن الحروب والأزمات قد ولى.. وأن مرحلة العمل من أجل الأجيال القادمة لا بد أن تبدأ.. وتتواصل.. وتستمر..