أخبار

فصل «الثقافة» عن «الإعلام».. صناعة المستقبل والسعودية المتجددة

مثقفون لـ«عكاظ»:

إبراهيم البليهي

«عكاظ» (جدة) OKAZ_online@

في خطوات متسارعة يرسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وعضده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هوية الدولة السعودية الجديدة والمتأهبة لتحديات المستقبل بكل ثقة وجدارة وأسس إستراتيجية عميقة، ولذلك يجيء الأمر الملكي بإنشاء وزارة مستقلة للثقافة وفصلها عن الإعلام بعد علاقة طويلة تمتد حتى إلى ما قبل إنشاء وزارة الإعلام عام 1372 وإن تناثرت مناشط ومسؤوليات ومرجعيات الشؤون الثقافية بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب ورئاسة الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وحتى وزارة التعليم العالي سابقا، وأخيرا الهيئة العامة للثقافة.

وفي هذا السياق يصف الكاتب إبراهيم البليهي هذه الخطوة قائلا: «فصْل الثقافة عن الإعلام قرارٌ حكيم وقد جاء في الوقت المناسب.. إنه قرار في الصميم.. وفي غاية الأهمية.. إن هذا الفصل يعبر عن رؤية نافذة ورغبة عميقة ناشئة عن إدراك الفرق النوعي بين الثقافة بما لها من عمق وثبات نسبي.. وبين الإعلام بآنيته وتأرجحه وتقلباته، إن فصل الثقافة عن الإعلام يستهدف بناء ثقافة تليق بالوطن وتدفع للمزيد من النضج وتنمية المجتمع معرفيا والارتقاء بوعيه وفتح الآفاق أمامه للنمو الثقافي والتنوع المعرفي.. إنني مستبشر بذلك.. فإدراك أن الثقافة هي محضن عقل الوطن.. وإبعادها عن الإعلام الذي يعبر عن الآني والزائل والمتغير والمتقلب.. يُعدُّ إجراء في غاية الأهمية، ويعبر عن مرحلة الانفتاح التي يعيشها الوطن بكل تطلع وبكل ابتهاج».

من جانبه، وصف مساعد مندوب المملكة في اليونسكو الدكتور علي المالكي الأمر الملكي بالتاريخي، وقال إنه «لا شك أنّ إنشاء وزارة الثقافة هو قرار تاريخي يواكب النهضة التحديثية التي تشهدها المملكة في الوقت الحاضر، ويؤكد على إدراك واهتمام القيادة بالقوة الناعمة وسبل تطويرها واستثمارها، فالثقافة محور مهم في التنمية ورؤية المملكة ٢٠٣٠، وتوظيفها سيكون أكثر فاعلية في الرؤية من خلال وزارة مستقلة للثقافة، مؤكداً أنّ عودة السينما والمناشط والمعارض والانفتاح الثقافي والفكري الحالي يحتاج فعلاً لوزارة تهتم بها جميعاً وبمجالاتها المختلفة عبر نخبة من المثقفين أصحاب الكفاءة والخبرة الإدارية».

وأضاف المالكي: «الوزارة الجديدة أمامها ملفات مختلفة كملف المؤتمرات والمعارض الداخلية والدولية تُعنى بتنظيمها وآلية المشاركة وتمثيل الوطن فيها نوعاً وكماً. وكذلك ملف المثقفين والمثقفات ودعمهم ودعم إنتاجهم وسبل نشره، إضافة لملف التراث الوطني والحفاظ عليه وسبل تقديمه للعالم بشكل جيّد يؤكد الصورة الإيجابية للمملكة وينميها في ذهن العالم هو ملف مهم جداً لهذه الوزارة الوليدة».

وفي هذا السياق، علق الدكتور سحمي الهاجري على هذا الأمر الملكي المفصلي بقوله: «إنشاء وزارة للثقافة مطلب قديم متجدد وتأكدت أهمية ذلك بعد الشروع في برامج رؤية 2030؛ لأن الثقافة من الركائز الأساسية للدول المتطورة فهي القوة الناعمة التي تكمل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، وكلنا نرى الآن في حروب الجيل الرابع والخامس تعاظم دور القوى الناعمة».

وأضاف الهاجري: «ويبقى حالياً تكاتف جميع المثقفين وانخراطهم بالعمل والمشورة والاقتراح وبذل الجهود على كافة المستويات لبلوغ هذه الوزارة معظم أهدافها في أسرع وقت ممكن».

وتناول الشاعر أحمد البوق هذا الأمر الملكي من زاوية مستقبلية حيث قال: «الثقافة بأبعادها الروحية والاجتماعية والفنية إحدى الركائز الأساسية لنهضة أي أمة، فبدونها لا تتضح هوية المجتمع وتتحول مشاريعه التنموية إلى هياكل بلا روح، وقد لا تتحقق أهدافها بتضامن وقبول اجتماعي يضمن للتنمية استمراريتها ونماءها».. من هنا تأتي أهمية أن تكون للثقافة وزارة مستقلة تحظى بدعم مادي ومعنوي وتشكل حجر الزاوية في خطط الدولة في سبيل تحقيق خطتها للتحول ٢٠٢٠ ورؤيتها ٢٠٣٠ وجعلها منسجمة مع تطلعات المجتمع ومحققة لأصالته وتميزه وتنوعه الثقافي والمعرفي في الحاضر والمستقبل. نتطلع أن تشرع وزارة الثقافة بالانفتاح على الأوساط الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية، وأن تستطلع رؤى المثقفين، وأن تصوغ رؤيتها وإستراتيجيتها وخطط عملها وفق جدول زمني يتسق مع تسارع خطى التطور والنماء في المملكة، وأن تشرع بإنشاء مراكز ثقافية في مدن المملكة الرئيسيّة تليق بالثقافة والمثقفين لتكون نافذتها على المجتمع وأداتها لإحداث التغيير الإيجابي، وأن تتبنى مشاريع لطباعة ونشر الكتب الإبداعية والثقافية ومشاريع للترجمات من وإلى اللغة العربية من لغات العالم الأساسية، وأن تؤسس موقعها الإلكتروني بلغات عدة ليكون نافذتها لإيصال ثقافة المملكة وتنوعها في الآداب والفنون والمعرفة للعالم، وأن تؤسس جائزة الدولة للآداب والفنون ليكون نتاجها عرسا سنويا للاحتفاء بالثقافة، وأن تجعل معارض الكتاب والمهرجانات الثقافية قبلة للمثقفين والمبدعين على مستوى العالم العربي والإسلامي والدولي، وأن تكون لها قناتها الفضائية التي تستخدم لغة العصر وأدواته لتكون جاذبة ليس للأوساط الثقافية والمهتمين بالآداب والفنون بل لعموم الناس لتتحول القناة لمتنفس ومنصة فاعلة للجيل الصاعد ليعبر عن رؤاه وإبداعه الأدبي والفني والموسيقي. باختصار إن تحول وزارة الثقافة تنوع المملكة الثقافي والأدبي والفني إلى القوة الناعمة التي يتطلع لها مشروعنا الوطني للريادة الإقليمية والعالمية.

وفي ذات السياق طرح الشاعر والناشر عادل الحوشان تصورات عدة حول أولويات وزارة الثقافة منها «البدء جدياً في البحث عن مؤسسات ثقافية أهلية ودعمها بكافة أشكال الدعم، وإلغاء الأندية الأدبية فقد أدت دورها كاملاً ولم تعد مواكبة للتطلعات، وإقامة مهرجانات ثقافية عالمية لكافة أشكال الأدب والفنون».

وتأصيلا لهذا الرأي علق الشاعر أحمد الملا «بعد إنشاء الهيئة العامة للثقافة ونحن نشهد توجهات ورؤى جادة للثقافة والفنون سواء على مستوى الحراك المحلي أو التوجه بخطاب ثقافي تجاه العالم.. ما عزز في فترة بسيطة موقع الثقافة السعودية، وإفراد وزارة للثقافة يؤكد على هذه المسارات التي تحتاج إلى الكثير من تعويض الفعل الثقافي والفني في الحياة العامة لمجتمعنا، ننتظر من الوزارة الكثير مثل الاهتمام بالترجمة والكتاب والمتاحف وتوثيق الثراث الفني والثقافي على اختلاف مجالاته وإنشاء مراكز الأبحاث في العلوم الإنسانية».

وعزز هذا الرأي الدكتور محمد الصفراني بقوله «ابتهجت كثيرا بالأمر الكريم الحكيم الذي أصدره سيدي خادم الحرمين الشريفين المتضمن إنشاء وزارة للثقافة في وطننا الغالي، وهي خطوة حكيمة في اتجاه تأسيس مجتمع المعرفة، وقد سبق لي أن ناقشت الفكرة وطرحتها في كتابي الموسوم (نحو مجتمع المعرفة: متطلبات التنمية الثقافية والأمن الفكري في المملكة العربية السعودية) الذي صدر عن نادي القصيم الأدبي».

وأكد هذا الشاعر عبدالرحمن موكلي بقوله «إنشاء وزارة للثقافة كان حلم كل المثقفين والمبدعين وتحقق على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ولذلك يجب أن يتحول حلم المثقفين إلى حقائق، فكثير من الملفات مركونة وكثير من المبادرات توقفت، المملكة قارة وفيها من التنوع والثراء الثقافي ما لا حدود له والذي يجعلنا حاضرين على خريطة الثقافة العالمية، لذلك من الأولويات - من وجهة نظري - البدء بتسجيل وتدوين الموروث فقد تأخرنا كثيرا في هذا العمل، تحويل الثقافة لصناعة ومنتج عبر خطط وإستراتيجيات بعيدا عن الاجتهادات والعمل المناسباتي، إعادة جائزة الدولة ووضع نظام للجوائز الثقافية والكثير الكثير مما نطمح فيه نتمنى حصوله».

ومن جهته طرح رئيس أدبي الجوف سابقا ورئيس تحرير مجلة الجوبة الثقافية حاليا إبراهيم الحميد تصورات عدة للمرحلة القادمة بعد إنشاء وزارة الثقافة، أبرزها تطوير الخطاب الثقافي بما ينسجم مع رؤية المملكة ومكانة المملكة في العالم الإسلامي والدولي، وتطوير المراكز الثقافية لتكون منطلقا لنشاطات دائمة في جميع المناطق، وتحسين عمل الأندية الأدبية و زيادة استقلالية هذه الأندية وزيادة دورها وتفعيل لوائح واضحة لمدد شاغلي مجالسها، إضافةً إلى تطوير العمل الثقافي وتحسين دور الأقاليم وتفعيل وجود المناطق في الثقافة وتعظيم دور المرأة في الثقافة.

واعتبر القاص ساعد الخميسي خطوة أصيلة على طريق المستقبل، وقال «تمثل الثقافة روح المجتمع، ومن ضرورات الوجود الإنساني والتفاعل الإيجابي للوصول إلى تقدم الأمم، لذا فإن إنشاء جهة رسمية ترعى هذه الركيزة الأساسية من الأهمية بمكان، عليه يأتي إنشاء وزارة للثقافة مطلبا مجتمعيا ملحا، بل ومن أعمدة الكيان الوطني، لأن الأوطان غالبا ما تصعد بموروثاتها ومرجعياتها الثقافية الأصيلة».

وقال: «ومن شأن إنشاء وزارة خاصة ومتفردة بالعمل الثقافي أن تولي كبير العناية باكتشاف المواهب الإبداعية ورعايتها وفقا للسياقات المتفقة مع الهوية التي عنها نصدر للعالم، كما يمكننا من خلال وزارة الثقافة أن ننظم المعطيات الثقافية ونستثمرها في ما يمثلنا خير تمثيل».

وأضاف الخميسي: «كثير من الملفات الثقافية في الوقت الحالي تحتاج إلى التحقق والترتيب منها: الأندية الأدبية التي مازال عملها مستمرا بنظام التمديدات اللا نهائية، الأندية تضاءلت أنشطتها المختلفة بدعوى أن فعاليتها أو فعالية مجالس إداراتها مجرد تسيير عمل».

وتعزيزا لهذا الرأي علق الروائي محمد عزيز العرفج، بقوله: في البداية أحب أن أهنئ نفسي وزملائي المثقفين بإنشاء وزارة مستقلة خاصة بالثقافة، وإننا إذ نتقدم بالشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين على هذا العطاء الذي عهدناه دوما، وكما أن إنشاء وزارة الثقافة لهو أمر تتطلبه المرحلة للنهوض بالثقافة وفق رؤية ٢٠٣٠ التي يقودها ولي العهد، وكما نهنئ وزير الثقافة على الثقة الملكية فإننا نطالب بغربلة الثقافة، وتنظيم اللوائح وإطلاق الأنظمة والاستماع للمثقفين، ووضع الأقوياء الأمناء للتنمية بالثقافة، نتطلع إلى إبعاد الأكاديميين من الدوائر الثقافية والأدبية لأنهم يتبعون وزارة التعليم، وكما نتطلع إلى دمج الأندية الأدبية مع جمعيات الثقافة والفنون وتحويلها إلى مراكز ثقافية كبرى في المدن ومراكز ثقافية صغرى في المحافظات، إضافة إلى حصر الجوائز الثقافية والأدبية على الأدباء والمثقفين، وتشجيع الأعمال الإبداعية، وكذلك إعادة إنشاء جائزة الدولة التقديرية، وتفعيل صندوق الأدباء، وأيضا وضع الأسس والخطط والمناهج لتكريم الرموز، وإنشاء إدارة للجودة وإدارة للتفتيش في وزارة الثقافة.