تطحن وإلا دعوت عليك؟
بالسكين
السبت / 25 / رمضان / 1439 هـ السبت 09 يونيو 2018 02:04
علي بن محمد الرباعي
الفنُّ أقدم من الإنسان، إلا أنه غير ظاهر للعيان، هو للخفاء أقرب، وهو من الإنسان بمثابة المجاز مع الحقيقة، إلا أنه انقلب إلى معطى سيئ السمعة، بحكم ارتباطه في الذهنية التقليدية باللهو واللعب.
تجنى البعض على الفن، وفسّر بعضهم مفردة (الفنان) بأنه الحمار، استناداً إلى قول الأعشى في حمار الوحش (وإن كان تقريبٌ من الشدّ غالها، بميعة فنان الأجاري مجذّم) وهذا مجاف للحقيقة لأن الفنان هو من يحس الجمال ويدركه ويحسن التعبير عنه.
قبل أن يعرف الإنسان الفن كان فريسةً للبطش وهدفاً للأذى، حتى غدا منصاعاً ومطواعاً لأضعف الكائنات، ما دفعه أحياناً لعبادة مخلوقات طمعاً في رضاها وخوفاً من سخطها عليه، حتى عرف الفن وتبناه فحدّ به من توحش الحياة وتغوّل الأحياء، وغدا وسيلة لإشباع الرغبات المكبوتة، متعذرة التحقق، وبديلاً لتعويض ما نفتقده من توازن في العالم المحيط بنا.
عندما يعجبنا صوت أو لبس أو حركة أو تصرف إنسان نطلق عليه (فنان) والخطابة فن، والوعظ فن، وإمامة المصلين فن، وفي رمضان نبحث عن الصوت الشجي لنصلي خلفه التراويح والتهجد لا لنطرب بل ليلامس وجداننا فنشعر بحالة من التطهر، ونرتقي إلى المثالية أو الإنسان الكلي كما يقول المناطقة.
بعض القراء يبكينا، وبعضهم ندخل مع قراءته في نشيج خصوصاً عندما يدخل بنا منطقة الضعف والانكسار بين يدي الملك الجبار، إلا أن ضعف فقه بعض الأئمة والخطباء يفسد هذه الروحانية، إذ ينتقل من حالة تجلٍّ إلى عدوانية، فيخرج من دور وتتلبسه حالة عدوانية «دمّر، يتّم، احبس، شرّد».
التعبير العدواني في مقام عبادي لا يؤجر عليه فاعله، والانفعال التوحشي دافعه تعب واعتلال نفسي لا يعرف عنه صاحبه، وكأنما هو يملي تعليماته لمن ينفذ له رغائبه وينفس احتقاناته، فيرعد ويزبد ويعلو صوته دون أثر إلا تدمير حالة وجدانية قل ما تعاد أو تستعاد.
قال المسيح: «قل اللهم قوِّ كاهلي، ولا تقل خفف أعبائي، أو أهلك أعدائي».
روى ابن عاصم الغرناطي في كتابه (حدائق الأزهار) أن فلاحاً حمل قمحه إلى طحّان، فاعتذر عن طحنه كونه يوم راحة للحمير التي تدير الرحى، فقال الفلاح: تطحن لي وإلا دعوت عليك وعلى دوابك لأني مستجاب الدعاء. قال الطحان «إذا كنت مستجاباً فادع الله يحوّل قمحك دقيقاً، دون أذية لي ولحميري، فذلك أنفع لك، وأسلم لي، وأبرأ لدينك».
تجنى البعض على الفن، وفسّر بعضهم مفردة (الفنان) بأنه الحمار، استناداً إلى قول الأعشى في حمار الوحش (وإن كان تقريبٌ من الشدّ غالها، بميعة فنان الأجاري مجذّم) وهذا مجاف للحقيقة لأن الفنان هو من يحس الجمال ويدركه ويحسن التعبير عنه.
قبل أن يعرف الإنسان الفن كان فريسةً للبطش وهدفاً للأذى، حتى غدا منصاعاً ومطواعاً لأضعف الكائنات، ما دفعه أحياناً لعبادة مخلوقات طمعاً في رضاها وخوفاً من سخطها عليه، حتى عرف الفن وتبناه فحدّ به من توحش الحياة وتغوّل الأحياء، وغدا وسيلة لإشباع الرغبات المكبوتة، متعذرة التحقق، وبديلاً لتعويض ما نفتقده من توازن في العالم المحيط بنا.
عندما يعجبنا صوت أو لبس أو حركة أو تصرف إنسان نطلق عليه (فنان) والخطابة فن، والوعظ فن، وإمامة المصلين فن، وفي رمضان نبحث عن الصوت الشجي لنصلي خلفه التراويح والتهجد لا لنطرب بل ليلامس وجداننا فنشعر بحالة من التطهر، ونرتقي إلى المثالية أو الإنسان الكلي كما يقول المناطقة.
بعض القراء يبكينا، وبعضهم ندخل مع قراءته في نشيج خصوصاً عندما يدخل بنا منطقة الضعف والانكسار بين يدي الملك الجبار، إلا أن ضعف فقه بعض الأئمة والخطباء يفسد هذه الروحانية، إذ ينتقل من حالة تجلٍّ إلى عدوانية، فيخرج من دور وتتلبسه حالة عدوانية «دمّر، يتّم، احبس، شرّد».
التعبير العدواني في مقام عبادي لا يؤجر عليه فاعله، والانفعال التوحشي دافعه تعب واعتلال نفسي لا يعرف عنه صاحبه، وكأنما هو يملي تعليماته لمن ينفذ له رغائبه وينفس احتقاناته، فيرعد ويزبد ويعلو صوته دون أثر إلا تدمير حالة وجدانية قل ما تعاد أو تستعاد.
قال المسيح: «قل اللهم قوِّ كاهلي، ولا تقل خفف أعبائي، أو أهلك أعدائي».
روى ابن عاصم الغرناطي في كتابه (حدائق الأزهار) أن فلاحاً حمل قمحه إلى طحّان، فاعتذر عن طحنه كونه يوم راحة للحمير التي تدير الرحى، فقال الفلاح: تطحن لي وإلا دعوت عليك وعلى دوابك لأني مستجاب الدعاء. قال الطحان «إذا كنت مستجاباً فادع الله يحوّل قمحك دقيقاً، دون أذية لي ولحميري، فذلك أنفع لك، وأسلم لي، وأبرأ لدينك».