توصية الشورى لها أساس في الشرع
الثلاثاء / 28 / رمضان / 1439 هـ الثلاثاء 12 يونيو 2018 01:43
نجيب يماني
ذكرت «عكاظ» أن أعضاء شورى يطالبون بضرورة تمكين المرأة من الوظائف القضائية لكل من حصلت على التأهيل الشرعي والقانوني، وهذه المطالبة لها أساس شرعي في بعض المذاهب وبالذات مذهب أبو حنيفة الذي أجاز للمرأة أن تتولّى وظيفة القضاء من غير الحدود والقصاص (خاصة مع إنشاء محاكم الأحوال الشخصية وزيادة مشاكل الطلاق وما يترتّب عليه من مشاكل تتعلّق بالأولاد والحضانة والمصاريف والسكن والنفقة والعدّة وجرائم الأحداث مما تفهمه المرأة ويعجز عنه الرجل). وقد ذهب ابن جرير والطبري إلى أبعد من ذلك فقالوا بتولّي المرأة وظيفة القضاء مطلقاً وبكل درجاته وأنواعه دون قيد وحجّتهم في ذلك أن وظيفة القضاء مثل وظيفة الإفتاء، والإفتاء لا يُشترط له الذكورة فكذلك القضاء، (البدائع) للكاساني (7/4)، ولابن حزم رأي آخر بتولّي المرأة حتّى رئاسة الدولة، (المحلى).
فالمرأة وقد انخرطت في العملية التعليمية ولم يعد لطموحها سقف معين كما أنها ليست بالكائن الضعيف الذي تعيقه بعض وظائفه الفسيولوجية والطبيعية عن أداء مهمة القضاء. فالقاضي أياً كان حين يحكم لا بد أن يكون في أفضل حالاته.. وقد أثبت العلم أن الرجل ينتابه ما ينتاب المرأة من تغيّرات فسيولوجية شهرية تغيّر في مزاجه وطريقة حياته، وقد حذّرنا رسول الله أن القاضي لا يجب أن يحكم وقت جوعه أو طفشه أو غضبه فأصبحت مسألة القضاء ليست أنوثة أو ذكورة وإنما قدرات ومواهب فهي لا تخضع للمزاج والرأي وحكم العادات والتقاليد، يقول نبي الخير «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف» والمرأة والرجل هم عبيد لله من احترف منهم القضاء توّلاه، وقد اعتبر الخليفة عمر أن شهادة النساء وحدهن تكفي ومُقدَّمة على شهادة الرجال في شؤون المرأة الخاصة مثل الحيض والنفاس والرضاع والحمل، وقد أيد أبو حنيفة رأي ابن حزم أنه يمكن للمرأة تولّي رئاسة الدولة، وهذه الحقيقة تتجلّى واضحة في وقتنا الحاضر بعد أن تغيّر شكل الدولة ولم يعد على الحاكم أو رئيس الدولة تولّي قيادة الجيوش وإمامة الصلاة بل أصبح ذلك من مهمة القادة ورجال الدين من أهل الخبرة والدراية، وليس هناك نص شرعي يمنع المرأة من تولّي أغلب وظائف الدولة وقد تولّت السمراء والشفاء حسبة الأسواق في عهد النبوة والخلافة، والحسبة مرتبة من مراتب القضاء وإحدى الولايات العامة.
لقد ساوى القرآن الكريم بين الذكر والأنثى بقوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}، والقرآن لم يختص بتكاليفه وواجباته الذكر دون الأنثى بل هُم يعيشون في إطار واحد داخل قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ..}، مشترطاً الحق الإيمان وليس الذكورة والأنوثة مقرّرين علماء الأصول والفقه أن كل من يصح منه أداء الشهادة ولو في موضع دون موضع يصح منه القضاء في الموضع الذي تصح شهادته فيه، وذلك لأن كل من الشهادة والقضاء من باب الولاية، والشهادة أقوى من القضاء لأنها ملزمة للقاضي ملزمة للخصم، فحكم القضاء مستقى من حكم الشهادة ومن هنا يقول ابن جرير لا تُشترط الذكورة في القضاء. كما أن هناك قولا لحماد بن سلمة أنه يجوز للمرأة أن تكون قاضية في الحدود متفقاً مع عطاء التابعي. يقول ابن قدامة في (المغني) إن كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان هذا الشيء مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه غيره وأن يكون وكيلاً فيه عن غيره رجلاً كان أم امرأة.
فليس هناك ما يمنع بأن تكون المرأة مأذونة أنكحة وعقود فليس الذكورة شرطاً في ذلك. أخرج أبو داود أن النبي قال لرجل: «أترضى أن أزوّجك فلانة» قال نعم، وقال للمرأة: «أترضين أن أزوّجك فلاناً» قالت نعم، فزوج أحدهما صاحبه، (نيل الأوطار)، الشوكاني (6/132). وفي (المغني) لابن قدامة عن أحمد أن لها تزويج ابنتها وهذا يدل على صحة عباراتها في النكاح فلها تزويج نفسها وتزويج غيرها بالوكالة، وفي (فتح القدير) (2/391) عن أبو حنيفة تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقاً، وقد اشترطت المذاهب الفقهية أن يكون العاقد بالغاً عاقلاً وأن يكون ذا ولاية على إنشاء عقد النكاح ولم يشترطوا الذكورة أو الأنوثة في العاقد، وقد عرّف الفقهاء الولاية بأنها قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرّف الصحيح النافذ على نفسه أو ماله أو على نفس الغير وماله.
فقد زوجت عائشة حفصة بنت أخيها عبدالرحمن وهو غائب في الشام ولما رجع قال لها ما كنت لأرد أمراً قضيته فقرّت حفصة عند المنذر. وعن نافع قال ولّى عمر بن الخطاب ابنته حفصة ماله وبناته ونكاحهن. فلا خلاف في أن المرأة البالغة لها أن تتصرّف في مالها بكافة التصرّفات المالية من بيع وشراء ورهن وإيجار فيكون لها كذلك أن تتصرّف في نفسها بالزواج وتنشئ العقد مباشرة.
فيجوز للمرأة بأن تكون مأذونة تعقد الأنكحة لأن عمل المأذون متفرّع من القضاء، وكتب الفقه تطفح بالأدلة التي تجيز للمرأة تولّي القضاء والإفتاء ومأذونة تعقد الأنكحة. خاصة أن المرأة أصبحت تشغل مقاعد كليات الشريعة والحقوق والقانون.
*كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
فالمرأة وقد انخرطت في العملية التعليمية ولم يعد لطموحها سقف معين كما أنها ليست بالكائن الضعيف الذي تعيقه بعض وظائفه الفسيولوجية والطبيعية عن أداء مهمة القضاء. فالقاضي أياً كان حين يحكم لا بد أن يكون في أفضل حالاته.. وقد أثبت العلم أن الرجل ينتابه ما ينتاب المرأة من تغيّرات فسيولوجية شهرية تغيّر في مزاجه وطريقة حياته، وقد حذّرنا رسول الله أن القاضي لا يجب أن يحكم وقت جوعه أو طفشه أو غضبه فأصبحت مسألة القضاء ليست أنوثة أو ذكورة وإنما قدرات ومواهب فهي لا تخضع للمزاج والرأي وحكم العادات والتقاليد، يقول نبي الخير «إن الله يحب العبد المؤمن المحترف» والمرأة والرجل هم عبيد لله من احترف منهم القضاء توّلاه، وقد اعتبر الخليفة عمر أن شهادة النساء وحدهن تكفي ومُقدَّمة على شهادة الرجال في شؤون المرأة الخاصة مثل الحيض والنفاس والرضاع والحمل، وقد أيد أبو حنيفة رأي ابن حزم أنه يمكن للمرأة تولّي رئاسة الدولة، وهذه الحقيقة تتجلّى واضحة في وقتنا الحاضر بعد أن تغيّر شكل الدولة ولم يعد على الحاكم أو رئيس الدولة تولّي قيادة الجيوش وإمامة الصلاة بل أصبح ذلك من مهمة القادة ورجال الدين من أهل الخبرة والدراية، وليس هناك نص شرعي يمنع المرأة من تولّي أغلب وظائف الدولة وقد تولّت السمراء والشفاء حسبة الأسواق في عهد النبوة والخلافة، والحسبة مرتبة من مراتب القضاء وإحدى الولايات العامة.
لقد ساوى القرآن الكريم بين الذكر والأنثى بقوله {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}، والقرآن لم يختص بتكاليفه وواجباته الذكر دون الأنثى بل هُم يعيشون في إطار واحد داخل قوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ..}، مشترطاً الحق الإيمان وليس الذكورة والأنوثة مقرّرين علماء الأصول والفقه أن كل من يصح منه أداء الشهادة ولو في موضع دون موضع يصح منه القضاء في الموضع الذي تصح شهادته فيه، وذلك لأن كل من الشهادة والقضاء من باب الولاية، والشهادة أقوى من القضاء لأنها ملزمة للقاضي ملزمة للخصم، فحكم القضاء مستقى من حكم الشهادة ومن هنا يقول ابن جرير لا تُشترط الذكورة في القضاء. كما أن هناك قولا لحماد بن سلمة أنه يجوز للمرأة أن تكون قاضية في الحدود متفقاً مع عطاء التابعي. يقول ابن قدامة في (المغني) إن كل من صح تصرفه في شيء بنفسه وكان هذا الشيء مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه غيره وأن يكون وكيلاً فيه عن غيره رجلاً كان أم امرأة.
فليس هناك ما يمنع بأن تكون المرأة مأذونة أنكحة وعقود فليس الذكورة شرطاً في ذلك. أخرج أبو داود أن النبي قال لرجل: «أترضى أن أزوّجك فلانة» قال نعم، وقال للمرأة: «أترضين أن أزوّجك فلاناً» قالت نعم، فزوج أحدهما صاحبه، (نيل الأوطار)، الشوكاني (6/132). وفي (المغني) لابن قدامة عن أحمد أن لها تزويج ابنتها وهذا يدل على صحة عباراتها في النكاح فلها تزويج نفسها وتزويج غيرها بالوكالة، وفي (فتح القدير) (2/391) عن أبو حنيفة تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقاً، وقد اشترطت المذاهب الفقهية أن يكون العاقد بالغاً عاقلاً وأن يكون ذا ولاية على إنشاء عقد النكاح ولم يشترطوا الذكورة أو الأنوثة في العاقد، وقد عرّف الفقهاء الولاية بأنها قدرة الشخص شرعاً على إنشاء التصرّف الصحيح النافذ على نفسه أو ماله أو على نفس الغير وماله.
فقد زوجت عائشة حفصة بنت أخيها عبدالرحمن وهو غائب في الشام ولما رجع قال لها ما كنت لأرد أمراً قضيته فقرّت حفصة عند المنذر. وعن نافع قال ولّى عمر بن الخطاب ابنته حفصة ماله وبناته ونكاحهن. فلا خلاف في أن المرأة البالغة لها أن تتصرّف في مالها بكافة التصرّفات المالية من بيع وشراء ورهن وإيجار فيكون لها كذلك أن تتصرّف في نفسها بالزواج وتنشئ العقد مباشرة.
فيجوز للمرأة بأن تكون مأذونة تعقد الأنكحة لأن عمل المأذون متفرّع من القضاء، وكتب الفقه تطفح بالأدلة التي تجيز للمرأة تولّي القضاء والإفتاء ومأذونة تعقد الأنكحة. خاصة أن المرأة أصبحت تشغل مقاعد كليات الشريعة والحقوق والقانون.
*كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com