رمضان

السالم: رمضان كان فاتحة «التوت» في حياتي

زياد السالم

علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@

زياد السالم، شاعر دمه بدوي وجيناته مدنية، ينتمي للبسطاء الذين لا امتيازات لهم إلا ما يقيمون به الأود، حلمه مياه نظيفة، ونهار مشمس، وفضاء مفتوح، اسمه أصبح أليفاً ومألوفاً كونه لم يسجن نفسه في أسر القصيد، بل ذهب ليقرأ الفلسفة بعمق ووعي، صدر له «المضاف إلى نفسه» فاكتشف النقاد أنهم أمام كاتب صارم يعيد تشييد البناء بما يجعله أشد وضوحاً وأكثر نفاذاً، وعندما أصدر «حصة آدم من النار» لزم الصمت، واختار وانتبذ بيداء قصية، ليبحث عن جمال غير مجلوب، وهنا نص مسامرتنا الرمضانية مع أبي رعد:

• ماذا تفعل الآن؟

•• حياتي مكرسة للأحلام، والأسئلة، والقراءة، والكتابة، تشغلني تجربة إبداعية منذ سنوات، فاعتكفت في محرابها، ومختبرها بصورة كاملة، لاقتداح الأسئلة، واستنبات إمكانيات جديدة تتمتع بخصوبة عالية، العمل الذي اشتغل عليه عمل يطلق استفهاماته ورؤاه في فضاء الشذرة ذات الحمولة الدلالية المحتشدة بالانفجارات، ويتقاطع مع ما يُعلي من شأن الفصوص الصغيرة، اللؤلؤ الخلاب في تجويف صخرة، وحب الرمان في كف الولد اللاهي، الشظايا والشرارت الذهبية، يتقاطع مع هذا المنحى المشحون بالتأملات، وعلامات الوقف والصمت أمام حبي الأبدي «قصيدة النثر»، رغم عدم قبولي بهذه التسمية الاصطلاحية. لعلنا نبحث في المستقبل عما يليق بهذا العُرس السري الذي من شروط حدوثه، أن يحدث بالخفاء، دون إعلان لتوضيح ملابساته، أو لافتة لتدل الآخرين عليه.

• لماذا توقفت عن النشر؟

•• لأنني زاهد وحزين، والنشر هواية طائر، وأنا رجل عاشق ولهان قلبه تعلّق على وتد، لي غادة في أرض بعيدة، وحبيب صورته أذهبتني مع أطلال بني مالك، إذا التقيتُ بفاتني، وتحقق ما أريده في ظرف ساعة فقط، حينها ستعود إليّ روح الشباب، وأنشر ما يطلبه الساعي بفرح، ومسرة من ارتوى من النبع بعد ظمأ شديد لا تعادلها مسرة أخرى.

• كيف أنت وشهر الصيام؟

•• لن أجد أجمل وأعمق من هذا الجواب الذي قرأتُه في المجلد الفلسفي «معجم الجسد»، إذ جاء في مدونته الكبرى «الصوم طقس انتقال يصل الصائم بوساطته إلى صفة ضيف الله» أو كما قال مكسيم دو توران «ما فقده الإنسان الأول بالأكل، وجده الإنسان الثاني بالصيام».

• ماذا تبقى من ذكريات رمضان الطفولة؟

•• أشياء كثيرة بعضها يروى، وبعضها يتوارى، أتذكر فرحتي بشراب التوت، فأحببتُ أبي وشهر الصوم لأن رمضان كان فاتحة التوت في حياتي البريئة، هناك ما لا أستطيع نسيانه، أصبح من حقي وأنا طفل أن أسهر حتى الفجر، وأغير على أبراج الحمام في خرائب مهجورة، وأجول ليلاً على مزارع الرمان.

• هل تتذكر أول يوم صيام؟

•• بالتأكيد أتذكّره، لأن قاعدتي في تلك الأيام البعيدة قائمة على النسيان، كنتُ من شدة الجوع والعطش أتظاهر بالنسيان، نسيان أني صائم، وإذا ما اصطادني أحد من الأهل وأنا أشرب الماء أقول لقد نسيت، هكذا كنت أفعل أنا رجل كثير النسيان.

• أي بلد استهواك فيه الصيام؟

•• الشام، ودمشق تحديداً، زرتها في أواخر أحد الرمضانات، عثرتُ على الشاعر محمد الماغوط في مقهى فندق الشام، كانت ليلة معتمة، لم أستطع تمييز ما يقول، وعلى الأرجح أنه وهو في عباءته التي تشبه عباءة الساحرات لم يكن يميز ما يقول، وهذا من أجمل ما فيه، أتذكر أنه قال «أدونيس سرقني من البادية وأقحمني في الشعر والكتابة، ليتني ظللت أرعى الغنم وأشرب الحليب». شهر رمضان في دمشق جميل، لكنه محزن للغاية، أتذكر المشي تحت أضواء شارع المزة، بقيت هناك حتى العيد، وندمتُ أشد الندم، صادفتُ عجوزاً فاستنكرت وجودي وقالت «خطأ تيجي أيام العيد، الغريب ما لو عيد يا ابني»، كانت صادقة.

• ما طقوسك الرمضانية؟

•• لا طقوس، عدا الذهاب ليلاً إلى الصحراء، أتخيّل وأتفكّر وأحصي هزائمي بقلب راسخ، الانقطاع عن الناس فضيلة، وأنا وحدي أتذكر الذين أحبهم وأتمنى أن يرحمني الله، لأنه يعرف قلبي الطيب.

• من تدعو ليشاركك مائدة إفطارك؟

•• مائدة البيت أدعو لها الفقراء واليتامى، ومائدة الحديقة أدعو إليها جلال الدين الرومي، ونيتشة ورامبو، ومائدة الوادي أدعو لها الداعية محمد العريفي، وأصر عليه أن يلازمني لنتحاور حتى السحر، سأجعله يقفز على الحبل مئة مرة في لعبة «شبرا امرا شمس نجوم» سيعود بروح غريبة، أريد صقل ذائقته، وهو معي في الوادي سيكتشف جمال العالم، ويطلب النزهة معي دوماً لأنه بمأمن من الأشباح.

• ما هي وجبتك المفضلة؟

•• كبسة اللحم بأرز عنبر كلاسيك أو باب الهند.

• ما أبرز ما تفتقد في رمضان؟

•• ذاتي القديمة التي أفناها الحُبّ. أما ذاتي الحالية فنقضت مكر الأعداء، وأذاقتهم العلقم، فانتصرت عليهم دون تخطيط مسبق.

• ماذا تشاهد من القنوات والبرامج؟

•• قناة العربية، وأعشق الأفلام والبرامج الوثائقية عن عالم الصحراء، والحيوانات البرية الجميلة، والغابات، أما برامج حيوانات البحر فمتابعتي لها قليلة.

• كيف أنت مع الأمنيات؟

•• أتمنى أن تنتشر مبادئ وقيم المحبة والسلام في العالم، من أجل الأطفال والطيور والأشجار، ما نتمناه يصطدم بواقع تسوده ثقافة الكراهية.

• ماذا تقرأ؟

•• القراءة رفيق الكائن المتوحد، اقرأ الديوان الكامل للشاعر لوركا، وديوان جورج باطي «القدسي وقصائد أخرى».