كتاب ومقالات

الجيل الجديد والحياة والهوايات الجديدة

ملفي الرشيدي

كانت هواية أحمد جمع الطوابع، بينما مها هوايتها مطالعة المجلات، أما سعود فكان يهوى الرسم ومعه المُراسلة. هوايات كانت شائعة لكن أغلبها اندثر، ليس لأن أصحابها اندثروا ولكن لأن نمط الحياة قد تغيّر، ولأن رتم الحياة قد تبدّل. أكثر هذه الهوايات عفا عليها الزمن، أو أنها غير متناغمة مع عصرنا الحالي؛ أي أن بيئة الوسائط الذكية اليوم لم تستوعبها. بالنسبة لكثير من الناس، فإن عصر الهوايات هو شيء من الماضي، لكن افتراض أن مفهوم الهواية قد انتهى ربما يكون مُتسرعاً إلى حد كبير. يقول أحد نقاد الترفيه إن العالم ينقسم إلى أولئك الذين لديهم هوايات ويعرفون ذلك وأولئك الذين لديهم ولكن لا يعرفون. وبالمثل هناك من يقول إن بعض هذه الهوايات قد قامت بتغيير ملامحها أو أنها قد أعادت تشكيل مظهرها ليتلاءم مع روح العصر، فرجعت إلينا بشكل عصري يلبس ثياب العولمة ويرتدي قبعة التقنية.

لا خلاف أن هناك هوايات جديدة دخلت على الخط، مثلما أن هناك هوايات قد تحوّلت من كونها مجرد هواية إلى كونها أسلوب حياة، لعل ممارسة الرياضة أبرزها. لكن في نهاية المطاف، علينا أن نتقبّل أن لكل جيل طفولته وهواياته ولكل عصر بصمته وتأثيره. وبعيداً عن تعريفاتها المتعددة، نجد أن الهوايات هي انعكاس للواقع الثقافي وتنفيس للاهتمامات الفردية وربما ارهاصات لما يحدث من تغيير اجتماعي في المستقبل القريب. لا شك عندي أن دخول الترفيه على خط الهوايات، ودخول التخصصات في مسار الاهتمامات جعل من الهواية جزءا أساسيا من صناعة التسلية من جهة ومجالاً ذا أبعاد (فائدةً وتكاليف) اقتصادية واجتماعية وصحية من جهة أخرى.

هناك قائمة طويلة من الهوايات الرائجة التي يمتزج فيها المجال التخصصي والذاتي وربما غلب عليها جانب الصدفة. هذه تشمل البرمجيات، الألعاب الذهنية والموسيقى، التصميم والتصوير، التواصل الاجتماعي والأعمال التطوُّعية، تربية الحيوانات الأليفة مثل القطط والعصافير، البستنة وتنسيق الزهور، والطبخ والديكور. بالطبع ليس كل الهوايات والاهتمامات جيدة، فهناك قائمة أخرى من الهوايات غير المرغوبة لعل القارئ لا يغفل عن وجودها. ولعل الموازنة بين هوايات يغلب عليها النمط العجائزيّ (أي التي تدفع للخمول والكسل) أو يحكمها الطابع المغامراتيّ الزائد عن حده سوف يُقلِّل من هذه الهوايات غير المرغوبة (ويمكن تسميتها بالمُكلفة سواءً للفرد أو المجتمع).

من جانب آخر، نجد أن عدم تفهّم الجيل القديم لهوايات الجيل الجديد واهتماماته يُعتبر إشكالية كبيرة، ويقابل ذلك إشكالية أخرى وهي عدم تفهّم الجيل الجديد لهوايات كُبار السن واحترامها. قد يكون هناك عدم إدراك مُشترك في أن ممارسة هوايات بذاتها لكافة الأعمار تُساهم في الرفع من معنوياتهم وتمنحهم شعورا بالفخر والإنجاز وتقدير الذات. علينا أن نعي أهمية بقاء كبار السن اجتماعيين ونشطين مثلما أن علينا إدراك أن وجود هوايات عند الجيل الجديد هي إشارة على وجود عقل ابتكاري وروح انبساطيّة. شخصياً أرى أن عدم وجود هواية أو اهتمامات إيجابية للشخص تُمثّل مشكلة حقيقية؛ غيابها هي علامة على الانفصال عن الواقع وعزلة اجتماعية مُقلقة.

عزيزي القارئ لا تُقلّل أبداً من شأن الهوايات ولا الاهتمامات، فأنت قد لا تصدق أن أكثر الاختراعات والتطبيقات الناجحة بدأت كهوايات، مثلاً الأخوين رايت اخترعا الطيران كترويح عن رتابة أعمالهم الروتينية في بيع الدراجات وإصلاحها. أما في عصر ثورة المعلومات والواقع الافتراضي، فأغلب التقنيات الناجحة والرائدة بدأت بهواية أو اهتمام تحوَّل مع مُحاصرة الفكرة وتكثيفها وبلورتها كرؤية إلى منتج ضخم. يقول أحد الكتّاب: نحن نفضل في أيامنا هذه أن نكون مُحاصرين بأشياء أصغر، وبكثافة أكبر، لفترات زمنية أقصر.

أختتم برسالة وصلتني عن فتاة تخرجت بتفوّق بشهادة جامعية في التصميم الداخلي، ومع شغفها بتخصصها تتحدث عن اهتمامها بالموسيقى وكيف أنها بدأت تتعلم النوتات الموسيقية كهواية مع مجموعة مع صديقاتها. مثل هذه الهواية قد تكون من التابو (جمع تابوهات) في الماضي، وربما حتى الآن ينظر لها البعض بطريقة حادّة، لكنها في نهاية المطاف تُعبر عن ميول شبابية من الضروري التعامل معها بتفهم وثقة بعقول واختيارات جيل طموح بأهدافه وواثق بقدراته.

يقول أحد المفكرين مُخاطباً أولياء الأمور: أولاً وقبل كل شيء، من المهم... فهم وتمييز الأنشطة التي ينجذب إليها طفلك بشكل طبيعي. من الضروري أيضاً التأكد من أن طفلك يحب ما يفعله. أو من الضرورة تعريض الأطفال إلى أكبر عدد ممكن من الهوايات والأنشطة اللامنهجية.

أصبح غرس الهوايات وتعزيزها جزءاً رئيسيا في بناء الشخصية، ولعلكم تتفقون معي أن احترام الهوايات ومنحها ما تستحق وإعطاء صاحبها المساحة الكافية يجب أن تكون عنصراً أساسياً عند إصلاح نظامنا التعليمي.