كتاب ومقالات

عيدي.. وبكيفي!

حمود أبو طالب

عيد؟!.. نعم، كما يقول التقويم.

بالنسبة لي: ربما..

لن أردد بيت الشعر الصدئ المستهلك: بأية حال عدت يا عيد.. مفردات غبية في اعتقادي لأن عيد هذا الزمن يعود بكل جديد، ولكن أي جديد، وما هو الجديد؟ لستم مجبرين أن تتماهوا مع حالتي، أؤكد لكم أنني لست مصابا بمتلازمة اللافرح واللابهجة، أي أن روحي لا تتلبس قناعاً شمعياً تم تصميمه على شكل واحد وحالة واحدة، هي الحزن من لا شيء.

قد يستغرب أحد عندما أؤكد له أنني أكتب ما أكتب في طقس يوالف بين نهاية ربيع وبداية صيف في مكان جدير بأن يكون مشروع جنة للأحياء قبل أن يغادروا الدنيا وهم لا يعرفون كيف ستكون جنة الأتقياء في الآخرة. كلنا أتقياء بحسب معنى التقوى لدى كل منا، لذلك كلنا نحلم بدخولها.

يمر هذا اليوم (العيد) وأنا مشتت جداً، مبعثر جداً، وليس هناك من يلملم بعثرتي أو يلم شتاتي. على بعد آلاف الأميال تثور ذكريات المكان الحميم. صوت أمي صباح العيد، رائحة أبي التي لم تفارقني منذ أكثر من ٤٠ عاما، ضخامة روح جدي وهي تجعل العيد جزءاً صغيراً من طقوسه العظيمة الفاخرة، بيتنا، واحتفال الناس كلهم على صدره وامتداد مساحة رحابته، وفخامة جدتي وروعتها وهي تحتوي كل محروم أشرق العيد وهو ينتظر بهجةً ما، ووجدها تستقبل حرمانه ليكون ابنها ويطلق ضحكات الفرح.

هنا، لدي العصافير الملونة التي تحط كل صباح على قلبي، وتغني أمنيات النهار وأحلام المساء، وأحاول دوزنة روحي مع أنغامها، ثم أنهض وأرقص كل النهار والمساء والليل احتفاءً بها. نهى/‏ لؤي/‏ نجوى/‏ ندى/‏ سيلين/‏ نايا. والصامدة الجميلة أمهم وأم عمري.

مخلوقات نادرة جميلة بجانبي يمكن أن تنسيني كل ما يعكر المعنى التقليدي العربي المكرر بلا طعم للعيد، لكني أختبئ منهم، أذهب إلى مكان منصوب بين الأدغال تسيجة أشجار عالية كثيفة، وكأني أريد ألاّ صوتاً يصلني، ولا عالماً يتصل بي، فقط لكي أقول ما أود أن أقول، بعيداً عن كل شيء وكل أحد. شجر كثيف وماء نمير وسماء تسكب الهدوء والألوان الاستثنائية. لكني بحكم وصْمتي الشرقية أجتهد في البحث عن أصغر مساحة معتمة في هذا الجمال المتسع كي أنفرد بنفسي فيها، أحاول أن أكون «زوربا» فيسقط الحزن في الكأس، وأحاول أن أكون حزيناً فيهطل الفرح فيه فجأة، فلا هنالك حزن ولا هنالك فرح، وهذا أكبر العذاب.

لا بأس، سأحتفل بنفسي في هذا الدُغل العجيب، سأحتفل بعيدي بكل ما فيه وكما يجب أن أشعر به. سوف أبعث بطاقات ملونة لكثير، ولعنات مبروزة لكثير. بعض الناس العيد مناسبة للبصق عليهم لتذكيرهم بقذارتهم، وبعضهم يجب أن نخلط السماء بقوس قزحها والبساتين بمهرجان ألوانها ثم نعصرها في كؤوس من الكريستال الفاخر ونرشفها معهم.

«نعم أنا مشتاقٌ وعندي لوعةٌ»، ولكن مثلي يبوح بكل أسراره، لكن بطريقته، يفهم من يفهم، ومن لا يفهم لا يعنيني..

شوقٌ ممض وقاتل يعصف بي حتى لمن لا يستحقون نبضةً من هذا الشوق. وشوق مدمر يخطف أعصابي وروحي لمن يستحقونه. كلكم سواسية في الشوق، الفرق هو كيف سيحط الشوق على جباهكم، قبلةً أم لعنة.

يبدو أن ما مضى يكفي، سأتأمل الآن في سحابة تكاد أن تعانقني، سأحضنها وأشتاق، أشتاق كثيراً لمن أنا بعيد عنهم، حباً لهم أوقرفاً منهم.