الأحساء حاضنة «ثاني جمعة في الإسلام».. ذاكرة تمتلئ بالتاريخ
الأحد / 24 / شوال / 1439 هـ الاحد 08 يوليو 2018 18:38
عبدالله الحسين (الأحساء) تصوير: قاسم السرحان
تتميز محافظة الأحساء أكبر محافظات المنطقة الشرقية بتنوع جغرافيتها الطبيعية التي تحتوي على واحة زراعية شاسعة المساحة تضم أربعة ملايين نخلة تنتج ألذ أنواع التمور في العالم وهو الخلاص، ناهيك عن خصوبة أرضها، ووفرة عيونها ومياهها العذبة، ومواقعها الأثرية الضاربة في عمق التاريخ.
وتقع في الأحساء مدينة الهفوف العاصمة الإدارية لها، ومدن: المبرز، العيون، العمران، الجفر، سلوى، البطحاء، ويبرين، ومجتمعات ريفية وهجر، ولتاريخ الأحساء مكانة كبيرة في كتب التراث التي أعادت شواهد الاستيطان فيها إلى العصر الحجري الحديث، وهو يعزز أن جغرافية الأحساء هي مهد الاستيطان الأول والتحول إلى من مجتمعات الصيد إلى المجتمعات الزراعية.
وموقع واحة الأحساء الاستراتيجي بالقرب من ضفاف مياه الخليج العربي جعلها محطة تجارية للكثير من القوافل القديمة حتى أنها أصبحت محلا لبيع التمور والتوابل والبخور، وسوقًا للقادمين من دول آسيا، والقرن الأفريقي، وبلاد الرافدين، والشام، والجزيرة العربية، حيث يستزيدون بالبضائع والصناعات التحويلية التي تضمها أسواقها مثل: النسيج الهجري، والأسلحة، وصناعة السفن، والبخور، والعطور، والصناعات الغذائية، وأدوات البناء، والزراعة وغيرها.
والأحساء عبارة عن واحة زراعية كبرى محاطة برمال الصحراء الذهبية، وتحتوي على مقومات سياحية متنوعة جعلها محط أنظار العالم حتى وصلت إلى اليونسكو، فالزائر لها يتمتع بمشاهدة الواحات الزراعية، أو السباحة في عيونها، أو التعرفعلى تاريخ الحضرارت القديمة التي عاشت على أرضها قبل مئات السنين، أو التنزه في متنزهات الجميلة كالمتنزه الوطني في العمران المشهور بجود 6 ملايين شجرة، فضلا عن التعرف على نباتاتها النوعية، ومنتجاتها الزراعية، والكائنات الحية التي تعيش فيها من الحيوانات والطيور التي ألفها الإنسان وألفته على مر العصور.
وتشكل الآثار ومباني التراث في الأحساء وقفة سياحية أخرى نظرا لما تحمله من عمق تاريخي في حقب مختلفة، فهي نماذج للعمارة الأحسائية بمفرداتها وإحدى مدارس العمارة الإسلامية، ويشتهر منها مواقع: عين قناص شمال العيون، وعسلج بالجبيل، وأبو حريف شمال الفضول، والمجصة بالطرف وآثار ميناء لعجير وغيرها.
أما الشواهد التاريخية في الأحساء فتنشر على امتداد البصر مثل: الهفوف الذي يوجد فيها قصر إبراهيم الذي يشكل حلقة في العمارة العالمية بوصفه أول مبنى شيّد في القرن العاشر الهجري، ويضم عناصر رائعة أهمها مسجد القبة الذي يعتبر علامة معمارية مميزة في الهفوف، وبيت الملا (البيعة) الذي استضاف الملك عبدالعزيز آل سعود ليلة دخوله مدينة الهفوف، والمدرسة الأميرية (أول مدرسة نظامية شرق المملكة)، والقيصرية، ومسجد الجبري مع الهفوف التاريخية.
وفي مدينة المبرز إحدى مدن الأحساء المعروفة باسم «المبرز» يوجد قصر: صاهد، والمحير الذي طور محيطه بوجود جادة الفنون، كما يوجد المباني الأثرية مثل قصر: الكلابية، والفخرية شرق الهفوف، ومسجد الحسن، ومسجد التهيمية، كما يوجد مسجد جواثا شمالي الحليلة، وهو ثاني مسجد صليت فيه الجمعة في الإسلام عام ثمانية للهجرة، ومدينة جواثا السياحية. واشتهرت الأحساء بصناعات تقليدية مختلفة، منها: الدلة الحساوية، والقدور المكفتة، وأدوات الحدادة والنجارة، وصياغة الذهب بالدقة الحساوية البغمة أو المرتعشة، والخلاخل، والتراكي، فضلا عن صناعة السدو والحياكة. وقال مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في الأحساء خالد بن أحمد الفريدة عن آثار الأحساء التاريخية، إن الأحساء تفتح كل يوم مواقعها التاريخية لتحكي لزائريها قصصاً عن «جواثا» ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و«قصر إبراهيم»، و«بيت البيعة» وهما شاهدان على جانب من رحلة كفاح الملك عبدالعزيز ورجاله من أجل توحيد المملكة العربية السعودية، و«الأميرية» بيت الثقافة والمدرسة الأولى. وأضاف أن مسجد جواثا يعد أحد المساجد التاريخية المشهورة في الأحساء، وهو ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع على بعد نحو 20 كيلو مترًا باتجاه الشمال الشرقي لمدينة الهفوف، وُبني أول مرة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على يد (بنو عبد قيس) الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك، ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي. وبين الفريدة أن تاريخ المسجد يعود إلى بداية العصر الإسلامي حيث كانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس الذين كان لهم السبق في اعتناق الإسلام والعمل بتعاليمه، إذ يذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بالأشج فور علمه بظهور محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفد رسولا إلى مكة لاستجلاء الأمر، وحين وصل بالعلم اليقين أسلم، وأسلم جميع أفراد قبيلته، وأقام مسجد جواثا الذي ُذكر في معظم الكتب التاريخية. وُعرف عن جواثا أنها من المراكز التجارية التي تقصدها القوافل التجارية لتعود منها محملة ببضائع التمور والمنتجات الزراعية والعطور، وربما كانت سوقاً تجارية ترد إليها تجارة جنوب الجزيرة العربية لموقعها المميز حيث تقع على طريق القوافل المتنقلة من الساحل إلى وسط الجزيرة العربية. وأشار خالد الفريدة إلى أن مؤسسة التراث الخيرية تبنت ترميم المسجد ضمن «البرنامج الوطني للعناية في المساجد العتيقة» الذي بدأته المؤسسة بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ثم انضمت له الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فيما تكفلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتكاليف ترميم المسجد مع عدد آخر من المساجد التاريخية في المنطقة الشرقية، وانتهت مؤسسة التراث من ترميم هذا المسجد مطلع شهر ذي القعدة من عام 1430هـ، وفق الأسس العلمية لترميم المباني الأثرية، وبإشراف فني من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وأعدت المؤسسة دراسة معمارية تاريخية للمسجد، لتحديد نوعية الأسقف المستخدمة في البناء الأصلي، وشكل الأبواب والنوافذ، وبعد ذلك قامت بإعادة بناء الأجزاء المُنهارة من المسجد، وترميم بقية الأجزاء بما يحفظ للمسجد أصالته، ويبقيه على هيئته الأولى قدر المستطاع، ليظل محتفظاً بطابعه المعماري.
وفيما يتعلق ببيت البيعة فقد أوضح الفريدة أنه من الشواهد التاريخية والمعالم السياحية في محافظة الأحساء، ويقع في حي الكوت أحد أشهر الأحياء العريقة والمعروفة في قلب مدينة الهفوف، وتعود ملكيته للشيخ عبداللطيف المُلا، وتقدر مساحته بحوالي (705م)، وأسس منزل البيعة عام 1203هـ على يد الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن عمر المُلاَّ قاضي الأحساء في تلك الفترة. وفي عام 1331هـ جاء الملك عبدالعزيز آل سعود إلى الأحساء، وأقام في بيت (بيت البيعة)، وبايعه أهالي الأحساء فيه، وتم ترميم البيت وتحويله إلى متحف يحكي قصة مبايعة أهالي الأحساء للملك عبدالعزيز، وبقي مزارًا سياحيًا وشاهدًا تاريخيًا وأثريًا في الأحساء. وحول المدرسة الأميرية «بيت الثقافة»، أشار الفريدة الى أنها مدرسة حكومية تقع في الهفوف بـمحافظة الأحساء بدأ بناؤها عام 1937م، وافتتحت رسمياً في فبراير 1941م تحت رعاية الأمير سعود بن جلوي أمير الأحساء وقتها، وهي أقدم مدرسة حكومية في السعودية، وارتبطت بتاريخ الملك عبد العزيز آل سعود وإنجازاته، فأسس المدرسة لتكون نقطة انطلاق التعليم في المنطقة الشرقية، وتعلم في المدرسة العديد من المسؤولين من بينهم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي درس القرآن الكريم والسنتين الأولى والثانية الابتدائيتين في الأحساء، وتخرّج منها أول دفعة بلغ عددها 70 طالبًا سنة 1943م، ويغلب على تصميمها الطراز الإسلامي حيث شُيّد مدخل المدرسة الشرقي وفقًا لفن العمارة العربي الإسلامي. ولفت الفريدة النظر إلى أن المدرسة بُنيت على الطراز الإسلامي العربي، وتتخلل جدران المبنى الخارجي من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية نوافذ كبيرة مستطيلة الشكل تطل من خلالها غرف المبنى على الشارع ويتوسط المبنى من الداخل فناء مربع الشكل تحيط به من الجهات الأربع أروقة تحملها عقود نصف دائرية تتوج صفوف الأعمدة المطلة على الفناء بحيث تبرز فنون العمارة المحلية المستقاة من فنون العمارة العربية والإسلامية. ومرّت على مبنى المدرسة سنوات تدهور حيث أزيل الدور العلوي والبوابة وقد أجريت أعمال صيانة في المبنى وإعادة هيكله الإنشائي والمعماري القديم، وهو اليوم مركزاً حضارياً وسط الهفوف؛ يضم أيضاً متحفاً للتعليم «بيت الثقافة»، ويحوي صوراً تتحدث عن التعليم قديماً وبعض الأدوات المكتبية والمقررات والدفاتر، وصوراً أخرى لرجالات التعليم في الأحساء. وُدشن في الأحساء جامعة الملك فيصل ممثلة في إدارة تطوير الشراكة المجتمعية وعمادة السنة التحضيرية بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وإدارة التربية والتعليم بالأحساء برامجها التدريبية الثقافية التي تستهدف طلبة مدارس الأحساء وتحتضنها المدرسة الأميرية (بيت الثقافة) بمدينة الهفوف.
وتتميز الأحساء كذلك بميناء العقير، الذي أفاد خالد الفريدة عنه بأنه من المواقع التاريخية الهامة في المملكة وأول ميناء بحري فيها، كما كان الميناء الرئيس للحضارات المتعاقبة في الأحساء حتى عهد قريب، "وقد اهتم الملك عبدالعزيز - رحمه الله- بميناء العقير لكونه البوابة الاقتصادية للدولة السعودية، وكان إلى عهد قريب قبيل تأسيس ميناء الدمام، الميناء الرئيس الذي يفد إليه الزائرون لوسط الجزيرة العربية وشرقها. وأضاف أن العقير يعد بوابة نجد البحرية ومعبر الاستيطان في المنطقة، واستمر أثره السياسي والتجاري والعسكري والفكري واضحاً في الأدوار السياسية التي تعاقبت على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، إذ يعود عمق أقدم تبادل تجاري عبر العقير والبلاد المجاورة لها إلى العصور الحجرية. واستمرت أهمية العقير بوصفه ميناءً، إذ ازدهر في بداية الدولة السعودية إلى قرابة سنة 1365هـ/1945م، وبفعل تحول الطرق التجارية بعد اكتشاف النفط في بقيق والظهران تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة وبناء عدد من الموانئ الحديثة قريبة من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية. وقام الملك عبدالعزيز بتطوير الميناء فأنشئت الجمارك والجوازات والفرضة ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج بوزهمول، حتى أصبح العقير شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها بحيث كانت البضائع والأغذية وغيرها ترد إلى قلب الجزيرة العربية والعاصمة الرياض عبر هذا الميناء المهم، وشهد هـذا الميناء في عهد الملك عبدالعزيز تنظيمات عديدة لضمان استمراره في أداء دوره الاقتصادي في البلاد. وعد الفريدة ساحل العقير من أجمل السواحل في المملكة، حيث يتميز بتداخل مياه الخليج بالشواطئ الرملية الضحلة وتنوع المظاهر الجغرافية وكثرة الرؤوس والخلجان والجزر، وتوجد بالعقير عدة جزر من أهم جزيرة الزخنونية وجزيرة الفطيم، مشيرا الى أن شاطئ العقير يستقبل آلاف الزوار والسياح طيلة أيام العام، ويجذب الشاطئ الذي يبعد نحو 65 كيلومتر من مدينة الهفوف كثيراً من المرتادين من مختلف مناطق المملكة وخصوصاً من الأحساء والمنطقة الشرقية ومنطقة الرياض. وأكد اهتمام الهيئة العامة للسياحة والآثار بميناء العقير تاريخيا وسياحيا، ففي الجانب التاريخي قامت بتسجيل مبنى الجمارك في ميناء العقير في سجل الآثار الوطني، وقد جرى ترميم مباني المستودعات والجمارك في العقير خلال العام 1412هـ، كما جرى ترميم مباني ميناء العقير الأثري التي شملت مباني الخان والإمارة وحصن الإمارة خلال العام 1418هـ، ونفذت الهيئة أعمال الترميم الشامل والتأهيل للعديد من المعالم الأثرية والتاريخية في محافظة الأحساء، مثل القصور التاريخية والمساجد والمدارس وغيرها. وأوضح الفريدة بأن الهيئة وقعت مع مؤسسات وطنية مؤخراً عقوداً بما يزيد عن 49 مليون ريال لإنشاء متحف الأحساء الإقليمي وتأهيل خمسة مواقع تاريخية في المحافظة، شملت قصر صاهود، وعين نجم، وقصر خزام، وبيت البيعة، والمدرسة الأميرية.
من جانبه بارك رئيس فرع جمعية علوم العمران بالأحساء المهندس عبدالله الشايب للقيادة الرشيدة وللوطن إعلان اليونسكو واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي الذي لقي صدى عالميا وإنجازا استثنائيا بكل المقاييس على خارطة الثقافة العالمية ولتؤكد الأصالة بالقيمة الاستثنائية العالمية، مثمنا الجهود الكبيرة التي بذلها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في متابعة تسجيل واحة الأحساء، ودعم سمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه، وسمو محافظ الأحساء، ومساندة فريق العمل الذي أعد الملف الخاص بذلك ( الأحساء مشهد ثقافي متطور )، ومؤسسات المجتمع المدني في الاحساء الذي أسس لإعلان اليونسكو من باحثين وفاعلين ورواد ومؤسسات المجتمع المدني. وأشار الشايب إلى أنه لأول مرة تستقبل اليونسكو ملفا بمساحة جغرافية تعبر عن أكبر واحة مروية في العالم صامدة وحية، وتتجدد مع كل المعطيات، لتشمل المدن والمجتمعات الحضرية كالهفوف والمبرز والظواهر الطبيعية كجبل القارة والبيئة العامة كالواحة الزراعية بما فيها من عيون وشبكة ري وصرف ووقوعها على البحر ووجود الصحاري حولها. وأضاف أن أصالة الأحساء كمشهد ثقافي متطور تهتم في المقام الأول بالعلاقة بين المشاهد الطبيعية والأنشطة البشرية في الواحة لها علاقة بتاريخ جغرافي بدأ قبل نحو 5000 عام عندما بدأ المشهد الطبيعي يتحول تدريجيا إلى واحة من صنع الإنسان، في حين تواصل واحة الأحساء المحافظة على مكانتها بوصفها أكبر واحة في العالم، وبيئة أصيلة من حيث الحركة المجددة للنظام البيئي للواحة موجودة على نطاق فريد من نوعه في العمق التاريخي والحجم وبين أن واحة الأحساء مشهد ثقافي متطور وملكية ثقافية تسلسلية، وتشكل مشهد متطور عضوي.. بيئتها الطبيعية، وهي مثال على استمرار النسق بالإبقاء على الدور الاجتماعي النشط في مجتمع الأحساء المعاصر، وهو شهادة استثنائية على التقليد الثقافي للواحة ورمز للتقنيات الزراعية قديمة للواحة لتطوير حضارات منطقة الخليج، ومثال استثنائي على مشهد ثقافي، يوضح كمراحل مهمة في تاريخ البشرية، وهو مثال استثنائي لتفاعل الإنسان مع البيئة وقدرتها على الصمود في مواجهة التحديات العالمية والاحتياجات الحديثة التي جعلت الناس يستخدمونها بمهارة الفرص البيئية الطبيعية وتطوير المعرفة والحلول على نحو أكثر تطورًا وبشكل متزايد.
من جهته أعرب الباحث في الدراسات الثقافية والفلكلور الشعبي، مؤلف كتاب البشتخته في الفنون الشعبية الحساوية القديمة الدكتور سمير الضامر عن سعادته أن تكون (الأحساء) موقعا للتراث معترفا به على مستوى العالم، مهنئا القيادة الرشيدة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -، والمواطنين والباحثين في مجال التراث المادي والثقافي بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا. وأكد أن هذه المناسبة هي وسام فرح وفخر لجهود كثير من الباحثين في مجال التراث، وخصوصا من تولوا زمام التوثيق والجمع والرصد والنشر المعرفي والإعلامي لمختلف أنواع التراث، وتحملوا مشاق البحث والتدوين وصعوبة المهمة، وللحق فقد كان الكثير من أهل الأحساء؛ مواطنين وباحثين على مقدار كبير من الوعي الثقافي بما تكتنزه بلدهم، وحافظوا على ما استطاعوا الحفاظ عليه من تراث رائع تفخر به الشعوب والإنسانية جمعاء، ليكون هذا التراث وسيلة تنمية مستدامة تُستثمر في مختلف أنواع التنمية البشرية والثقافية والفنية. أما الباحث سعيد بن عبدالله الوايل قد أشار إلى أن تاريخ الأحساء يحوي الكثير من الأدلة لإثبات عراقتها، فهي تمتلئ بالمواقع الأثرية، ومن أكثر الآثار التاريخية الموجودة في شرق شبه الجزيرة العربية، مبينًا أن ما تناولته كتب التاريخ والمصادر من آثار في مختلف العصور وما طمرته الرمال أو المناطق الزراعية والسكنية أو لازال تحت الأرض هو أكثر بكثير من ما اكتشف حتى الآن. وأضاف ان مثلت واحة الأحساء بكثافتها السكانية وموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية الجزء الأهم من شرق الجزيرة العربية عبر مراحل تاريخ الخليج، وكانت تنحصر العاصمة في معظم الأدوار بهذه الواحة، وسجل التاريخ عبر تسلسله مدنا رئيسة مثل الجرهاء أو الجرعاء وجواثا وهجر والمأمونية، وكذلك الهفوف في القرون الخمسة الأخيرة، وعرف شرق الجزيرة العربية أيضا بالشرق. ولفت الوايل النظر إلى أن وقوع مدن شرق الجزيرة على سواحل طويلة ممتدة مهد لها وجود موانئ لخدمة التجارة البينية مع دول الجوار فكان ميناء العقير هو الميناء الرئيس ويبعد عن خط مزارع واحة الأحساء فقط أربعون كيلومترًا من جهة الشرق، وكان ميناء شرق ووسط الجزيرة، ومع أن التركيز السكاني الأكثر والمؤثر بوجود العاصمة والميناء الرئيس هي واحة الأحساء إلا أن واحة القطيف تمثل جانبا من ذلك، إضافة إلى واحة يبرين بشكل أقل. وفي السنوات الأخيرة تمكنت فرق المسح الآثاري التابعة لقطاع الآثار من الكشف عن حقائق مهمة في الأحساء التي على أثرها تم تحديد أهم مناطق الاستقرار البشري المبكر في شرق شبه الجزيرة العربية مثل: موقع عين قناص، وجواثا، والعقير، وثاج، وهجر، وجبلة، والحناءة، وتلال الظهران، والدوسرية، تاروت، وثاج، ويُعتقد أن حضارة إنسانية عريقة لا تزال رابضة تحت تلك السبخة تنتظر مكانها في دنيا الدراسات والبحث العلمي. ومرت الأحساء بعصور من الازدهار والتطور، فقد كانت طيلة القرن الرابع الهجري، وهو العصر الذي بلغت فيه الحضارة والعلوم والفنون الإسلامية ذروتها من أهم العواصم المؤثرة في سير الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة العربية والاسلامية، ولعبت أدوارا تاريخية هامة، وقد كانت فيها صناعات متطورة تصدر بعضها للمناطق المجاورة كالمنسوجات والفوط التي كانت تصدر للبصرة وأماكن أخرى لجودتها ونوه الوايل بأن «جواثا» تعد من أهم المواقع الاسلامية في شرق شبه الجزيرة العربية، وكانت جواثا من المراكز التجارية التي تقصدها القوافل وتعود منها محملة من بضائعها كالتمر وغيره، وعرفت بالنخل ووفرة المياه. وقال: إن العمارة التاريخية بجوانبها المختلفة في عصرنا الحاضر تمثل التحدي الأكبر أمام الدول في سياق منظومة العمل الوطني ذات الصلة بتأكيد الهوية والانتماء، حيث سعت معظم المنظمات والهيئات الدولية ذات العلاقة إلى سن القوانين والتشريعات والأنظمة التي تكفل الحفاظ على تلك الآثار الإنسانية الخالدة وإشراكها في الحياة العصرية لتبقى في تواصل مع كافة الأجيال. وعلى اختلاف البيئات والأنماط المعمارية التي حفلت بها العمارة التاريخية في مملكتا الغالية، اتسمت العمارة التقليدية الأحسائية بالكثير من جوانب التميز والإبداع، فهي من جانب أمنت حاجة الناس لمسكن تتوفر فيه سبل الراحة، ومن جانب آخر أعطت صورة جمالية من خلال الأشكال والأنماط الفنية والزخرفية التي تميزت بها. وكانت الحلول والمعالجات التي وفرتها البيئة المعمارية المحلية خير معين على تكيف الفرد داخل المبنى في حركته اليومية نتيجة مراعاتها لمختلف الظروف المناخية والاجتماعية والمعيشية السائدة، من خلال حلول بسيطة ومواد أولية متوفرة في البيئة المحلية أثبتت نجاحها وملائمتها للطرز المعمارية المحلية عن طريق التجارب والخبرات المتوارثة في التعامل مع تلك المواد والطرق التقليدية في إعدادها كي تؤدي الدور المطلوب منها، وتحقق الهدف الأساس للعمارة وللمسكن. وأضاف الوايل أن السر الحقيقي الذي يكمن في جماليات العمارة التقليدية المحلية بكافة أنماطها وطرزها الفنية والزخرفية من عقود وقوالب جصية وزخارف، لم يكن لأنها ظواهر فنية بحتة أو مكملات كما قد توصف في العمارة الحديثة، بل كانت تسير وفق منظومة وإيقاع متوازن بشكل مريح ومتوافق مع الجانب الوظيفي، كما أنها تستلهم موضوعاتها وأفكارها من المحيط والبيئة المحلية، وتقترب تلك المنجزات الفنية العمرانية من كونها تؤسس للحظة تاريخية واجتماعية أصيلة تعي تماما ارتباطاتها المكانية والزمانية، وتتجلى فيها روعة ذلك الارتباط.
وتمزيت الأحساء بالنقوش الجصية البديعة التي أضفت على العمارة التقليدية في المحافظة صفات جمالية أصيلة، وطبعت على جدرانها الطينية منظومة متصلة ومتكاملة من أجمل اللوحات الفنية، التي نقشتها يد حرفي البناء الشعبي، عبرت أصدق تعبير عن إحساس فطري وروح صادقة نابعة من وعي وفطنة اكتسبها هذا الحرفي عبر سنين من التعايش والاندماج مع بيئته ووسط مجتمعه، مكنته من الاستفادة من معطيات الأرض التي يعيش عليها، واستطاع أن يترجم لنا هذا التفاعل المثمر في أعماله الإبداعية، ونقوشه الجصية التي نحن بصدد دراستها وإلقاء الضوء عليها. وأشار إلى أن النقوش الجصية المحلية على بساطتها كانت تمثل لغة بصرية واعية ومنجز ثقافي أصيل عميق الجذور والرؤى والأهداف، فهو ينحدر من عمق التاريخ والحضارة التي عاشها وتعايش معها، عبر سلسلة التجارب الحضارية التي مرت بها المنطقة، وجعلت من الشعوب التي عاشت على هذه الأرض أمة متحضرة واعية قدمت الكثير من العطاءات التي تستحق الوقوف عندها. وبين أنه على الرغم من أن حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي عاشته المنطقة في أغلب الفترات التاريخية المختلفة، لم تكن تمهد كثيراً لبلورة هذا المنجز والعطاء التاريخي الضخم أو تمهد لقيام نهضة فنية تليق بحضارة المنطقة وتاريخها، مما أضعف عملية التواصل الحضاري بين الفترات وشتت الانجاز التاريخي والانساني الفني للمنطقة، فلقد مرت الفنون المعمارية والزخرفية بمراحل مختلفة ومتفاوتة بين القوة والازدهار وبين الركود والضعف والتراجع، ولم تكن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تسير بوتيرة واحدة، فما بين سقوط دولة وارتفاع أخرى، وازدهار عرش وضعف آخر عالم مختلف ووضع متردي وحالة من القلق والترقب لا يمكن أن تنمو في ظله الفنون أو تتطور وتيرتها، لذا كان توحيد أرض الجزيرة العربية تحت راية واحدة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بداية عهد خير ونماء واستقرار، تطورت فيها فنون البناء بشكل كبير.
وكانت الأحساء ذات نهج حضاري متميز وطابع فني فريد في شتى الميادين الحرفية والفنية الكثيرة، فقد كانت مركزًا إشعاعيًا حضاريًا لما حولها من المناطق والمدن القريبة، فالرصد لفن النقوش الجصية وتوثيقه بتحولاته الراهنة في الأحساء لم يكن عملاً سهلاً. بدوره هنأ المفكر والكاتب والناشط الاجتماعي الدكتور رمضان الغزال القيادة الرشيدة والقائمين على هذه الجهود ومواطنو الأحساء بهذا الإنجاز والوصول إلى اليونسكو بهذه القيمة التاريخية التراثية، مشيرًا إلى أن ذلك يعد قيمة نوعية تضاف إلى تاريخ الأحساء العريق. وأكد الباحث أحمد بن عبدالله العبد رب النبي أن أهالي الأحساء سعيدون بانضمام الأحساء لقائمة التراث العالمي، مبينًا أن الأحساء تستحق التميز الذي يتجلى فيها بأبهى صوره في جميع مجالاته الطبيعية، والصناعية، والبيئية، والسكانية. وبرزت الأحساء بصناعات تزيين وتلبيس السيوف، والخناجر الفضة، و طعيمها بالنفيس من الفصوص، والأحجار الكريمة، وممن أمتهن الصياغة من أسر الأحساء: البقشي، المؤمن، المهنا، البن عيسى، بوجبارة، الخليفة، الخرس، الوايل، الحواج، البراهيم، الموسى، الحمراني، العبدالعزيز، العبدالله، البن صالح، المحمد، والدوخي، والدجاني، والنجيدي، والأمير، والسليمان وغيرهم. وبفضل الله تعالى ثم سواعد أهالي الأحساء شُيد قصر السراج ومطار الأحساء وهو أول مطار بالمملكة، ومنه كانت تنطلق الرحلات الرسمية وغيرها حينذاك، وشيدت المدارس النظامية والأهلية مثل: المدرسة الأميرية، والبيوت التي تزدان بنقوش مستمدة من التراث، ومن الأسر التي اشتغلت في فن البناء: الشبعان، المرزوق، العبدالسلام، العمار، والسالم. أما في مجال فن النجارة، فقد برزت نقوش الأبواب والنوافذ التي يرى عليها أسماء الأسر التي برعت في هذا الجانب منهم: العمران والبراهيم والحرز والشاوي والحسين والحسن والعبدالسلام. وقال الباحث في التراث والتوثيق الشفوي أحمد بن حسن البقشي: لقد برع إنسان هذه الواحة في الترميز الجمالي المرتبط بالبيئة، فاستخلص عددا من الرموز البيئية لتكون رموزا يختم بها كل منتجاته، و على رأس تلك الرموز الرمز الأوّل (النخلة)، وأجزائها التي طبعها في بنائه، و في زخارفه الجصيّة على المباني و مداخلها. إن هذه الثيمات الراسخة و المتجذرة قد تشربت عبر الأجيال وجعلت الكثير من الأبناء وإن انفرطت علاقتهم مع مهن الآباء العريقة.
وفي مدينة المبرز إحدى مدن الأحساء المعروفة باسم «المبرز» يوجد قصر: صاهد، والمحير الذي طور محيطه بوجود جادة الفنون، كما يوجد المباني الأثرية مثل قصر: الكلابية، والفخرية شرق الهفوف، ومسجد الحسن، ومسجد التهيمية، كما يوجد مسجد جواثا شمالي الحليلة، وهو ثاني مسجد صليت فيه الجمعة في الإسلام عام ثمانية للهجرة، ومدينة جواثا السياحية. واشتهرت الأحساء بصناعات تقليدية مختلفة، منها: الدلة الحساوية، والقدور المكفتة، وأدوات الحدادة والنجارة، وصياغة الذهب بالدقة الحساوية البغمة أو المرتعشة، والخلاخل، والتراكي، فضلا عن صناعة السدو والحياكة. وقال مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في الأحساء خالد بن أحمد الفريدة عن آثار الأحساء التاريخية، إن الأحساء تفتح كل يوم مواقعها التاريخية لتحكي لزائريها قصصاً عن «جواثا» ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و«قصر إبراهيم»، و«بيت البيعة» وهما شاهدان على جانب من رحلة كفاح الملك عبدالعزيز ورجاله من أجل توحيد المملكة العربية السعودية، و«الأميرية» بيت الثقافة والمدرسة الأولى. وأضاف أن مسجد جواثا يعد أحد المساجد التاريخية المشهورة في الأحساء، وهو ثاني مسجد صليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع على بعد نحو 20 كيلو مترًا باتجاه الشمال الشرقي لمدينة الهفوف، وُبني أول مرة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على يد (بنو عبد قيس) الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك، ولا تزال قواعد هذا المسجد قائمة إلى وقتنا الحالي. وبين الفريدة أن تاريخ المسجد يعود إلى بداية العصر الإسلامي حيث كانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس الذين كان لهم السبق في اعتناق الإسلام والعمل بتعاليمه، إذ يذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بالأشج فور علمه بظهور محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفد رسولا إلى مكة لاستجلاء الأمر، وحين وصل بالعلم اليقين أسلم، وأسلم جميع أفراد قبيلته، وأقام مسجد جواثا الذي ُذكر في معظم الكتب التاريخية. وُعرف عن جواثا أنها من المراكز التجارية التي تقصدها القوافل التجارية لتعود منها محملة ببضائع التمور والمنتجات الزراعية والعطور، وربما كانت سوقاً تجارية ترد إليها تجارة جنوب الجزيرة العربية لموقعها المميز حيث تقع على طريق القوافل المتنقلة من الساحل إلى وسط الجزيرة العربية. وأشار خالد الفريدة إلى أن مؤسسة التراث الخيرية تبنت ترميم المسجد ضمن «البرنامج الوطني للعناية في المساجد العتيقة» الذي بدأته المؤسسة بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ثم انضمت له الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، فيما تكفلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتكاليف ترميم المسجد مع عدد آخر من المساجد التاريخية في المنطقة الشرقية، وانتهت مؤسسة التراث من ترميم هذا المسجد مطلع شهر ذي القعدة من عام 1430هـ، وفق الأسس العلمية لترميم المباني الأثرية، وبإشراف فني من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وأعدت المؤسسة دراسة معمارية تاريخية للمسجد، لتحديد نوعية الأسقف المستخدمة في البناء الأصلي، وشكل الأبواب والنوافذ، وبعد ذلك قامت بإعادة بناء الأجزاء المُنهارة من المسجد، وترميم بقية الأجزاء بما يحفظ للمسجد أصالته، ويبقيه على هيئته الأولى قدر المستطاع، ليظل محتفظاً بطابعه المعماري.
وفيما يتعلق ببيت البيعة فقد أوضح الفريدة أنه من الشواهد التاريخية والمعالم السياحية في محافظة الأحساء، ويقع في حي الكوت أحد أشهر الأحياء العريقة والمعروفة في قلب مدينة الهفوف، وتعود ملكيته للشيخ عبداللطيف المُلا، وتقدر مساحته بحوالي (705م)، وأسس منزل البيعة عام 1203هـ على يد الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن عمر المُلاَّ قاضي الأحساء في تلك الفترة. وفي عام 1331هـ جاء الملك عبدالعزيز آل سعود إلى الأحساء، وأقام في بيت (بيت البيعة)، وبايعه أهالي الأحساء فيه، وتم ترميم البيت وتحويله إلى متحف يحكي قصة مبايعة أهالي الأحساء للملك عبدالعزيز، وبقي مزارًا سياحيًا وشاهدًا تاريخيًا وأثريًا في الأحساء. وحول المدرسة الأميرية «بيت الثقافة»، أشار الفريدة الى أنها مدرسة حكومية تقع في الهفوف بـمحافظة الأحساء بدأ بناؤها عام 1937م، وافتتحت رسمياً في فبراير 1941م تحت رعاية الأمير سعود بن جلوي أمير الأحساء وقتها، وهي أقدم مدرسة حكومية في السعودية، وارتبطت بتاريخ الملك عبد العزيز آل سعود وإنجازاته، فأسس المدرسة لتكون نقطة انطلاق التعليم في المنطقة الشرقية، وتعلم في المدرسة العديد من المسؤولين من بينهم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة الذي درس القرآن الكريم والسنتين الأولى والثانية الابتدائيتين في الأحساء، وتخرّج منها أول دفعة بلغ عددها 70 طالبًا سنة 1943م، ويغلب على تصميمها الطراز الإسلامي حيث شُيّد مدخل المدرسة الشرقي وفقًا لفن العمارة العربي الإسلامي. ولفت الفريدة النظر إلى أن المدرسة بُنيت على الطراز الإسلامي العربي، وتتخلل جدران المبنى الخارجي من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية نوافذ كبيرة مستطيلة الشكل تطل من خلالها غرف المبنى على الشارع ويتوسط المبنى من الداخل فناء مربع الشكل تحيط به من الجهات الأربع أروقة تحملها عقود نصف دائرية تتوج صفوف الأعمدة المطلة على الفناء بحيث تبرز فنون العمارة المحلية المستقاة من فنون العمارة العربية والإسلامية. ومرّت على مبنى المدرسة سنوات تدهور حيث أزيل الدور العلوي والبوابة وقد أجريت أعمال صيانة في المبنى وإعادة هيكله الإنشائي والمعماري القديم، وهو اليوم مركزاً حضارياً وسط الهفوف؛ يضم أيضاً متحفاً للتعليم «بيت الثقافة»، ويحوي صوراً تتحدث عن التعليم قديماً وبعض الأدوات المكتبية والمقررات والدفاتر، وصوراً أخرى لرجالات التعليم في الأحساء. وُدشن في الأحساء جامعة الملك فيصل ممثلة في إدارة تطوير الشراكة المجتمعية وعمادة السنة التحضيرية بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وإدارة التربية والتعليم بالأحساء برامجها التدريبية الثقافية التي تستهدف طلبة مدارس الأحساء وتحتضنها المدرسة الأميرية (بيت الثقافة) بمدينة الهفوف.
وتتميز الأحساء كذلك بميناء العقير، الذي أفاد خالد الفريدة عنه بأنه من المواقع التاريخية الهامة في المملكة وأول ميناء بحري فيها، كما كان الميناء الرئيس للحضارات المتعاقبة في الأحساء حتى عهد قريب، "وقد اهتم الملك عبدالعزيز - رحمه الله- بميناء العقير لكونه البوابة الاقتصادية للدولة السعودية، وكان إلى عهد قريب قبيل تأسيس ميناء الدمام، الميناء الرئيس الذي يفد إليه الزائرون لوسط الجزيرة العربية وشرقها. وأضاف أن العقير يعد بوابة نجد البحرية ومعبر الاستيطان في المنطقة، واستمر أثره السياسي والتجاري والعسكري والفكري واضحاً في الأدوار السياسية التي تعاقبت على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، إذ يعود عمق أقدم تبادل تجاري عبر العقير والبلاد المجاورة لها إلى العصور الحجرية. واستمرت أهمية العقير بوصفه ميناءً، إذ ازدهر في بداية الدولة السعودية إلى قرابة سنة 1365هـ/1945م، وبفعل تحول الطرق التجارية بعد اكتشاف النفط في بقيق والظهران تراجعت أهمية العقير لوجود طرق حديثة معبدة وبناء عدد من الموانئ الحديثة قريبة من منابع النفط والأسواق التجارية في المنطقة الشرقية. وقام الملك عبدالعزيز بتطوير الميناء فأنشئت الجمارك والجوازات والفرضة ومبنى الخان ومبنى الإمارة والحصن والمسجد وعين الماء وبرج بوزهمول، حتى أصبح العقير شريان الحياة لوسط الجزيرة العربية وشرقها بحيث كانت البضائع والأغذية وغيرها ترد إلى قلب الجزيرة العربية والعاصمة الرياض عبر هذا الميناء المهم، وشهد هـذا الميناء في عهد الملك عبدالعزيز تنظيمات عديدة لضمان استمراره في أداء دوره الاقتصادي في البلاد. وعد الفريدة ساحل العقير من أجمل السواحل في المملكة، حيث يتميز بتداخل مياه الخليج بالشواطئ الرملية الضحلة وتنوع المظاهر الجغرافية وكثرة الرؤوس والخلجان والجزر، وتوجد بالعقير عدة جزر من أهم جزيرة الزخنونية وجزيرة الفطيم، مشيرا الى أن شاطئ العقير يستقبل آلاف الزوار والسياح طيلة أيام العام، ويجذب الشاطئ الذي يبعد نحو 65 كيلومتر من مدينة الهفوف كثيراً من المرتادين من مختلف مناطق المملكة وخصوصاً من الأحساء والمنطقة الشرقية ومنطقة الرياض. وأكد اهتمام الهيئة العامة للسياحة والآثار بميناء العقير تاريخيا وسياحيا، ففي الجانب التاريخي قامت بتسجيل مبنى الجمارك في ميناء العقير في سجل الآثار الوطني، وقد جرى ترميم مباني المستودعات والجمارك في العقير خلال العام 1412هـ، كما جرى ترميم مباني ميناء العقير الأثري التي شملت مباني الخان والإمارة وحصن الإمارة خلال العام 1418هـ، ونفذت الهيئة أعمال الترميم الشامل والتأهيل للعديد من المعالم الأثرية والتاريخية في محافظة الأحساء، مثل القصور التاريخية والمساجد والمدارس وغيرها. وأوضح الفريدة بأن الهيئة وقعت مع مؤسسات وطنية مؤخراً عقوداً بما يزيد عن 49 مليون ريال لإنشاء متحف الأحساء الإقليمي وتأهيل خمسة مواقع تاريخية في المحافظة، شملت قصر صاهود، وعين نجم، وقصر خزام، وبيت البيعة، والمدرسة الأميرية.
من جانبه بارك رئيس فرع جمعية علوم العمران بالأحساء المهندس عبدالله الشايب للقيادة الرشيدة وللوطن إعلان اليونسكو واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي الذي لقي صدى عالميا وإنجازا استثنائيا بكل المقاييس على خارطة الثقافة العالمية ولتؤكد الأصالة بالقيمة الاستثنائية العالمية، مثمنا الجهود الكبيرة التي بذلها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في متابعة تسجيل واحة الأحساء، ودعم سمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه، وسمو محافظ الأحساء، ومساندة فريق العمل الذي أعد الملف الخاص بذلك ( الأحساء مشهد ثقافي متطور )، ومؤسسات المجتمع المدني في الاحساء الذي أسس لإعلان اليونسكو من باحثين وفاعلين ورواد ومؤسسات المجتمع المدني. وأشار الشايب إلى أنه لأول مرة تستقبل اليونسكو ملفا بمساحة جغرافية تعبر عن أكبر واحة مروية في العالم صامدة وحية، وتتجدد مع كل المعطيات، لتشمل المدن والمجتمعات الحضرية كالهفوف والمبرز والظواهر الطبيعية كجبل القارة والبيئة العامة كالواحة الزراعية بما فيها من عيون وشبكة ري وصرف ووقوعها على البحر ووجود الصحاري حولها. وأضاف أن أصالة الأحساء كمشهد ثقافي متطور تهتم في المقام الأول بالعلاقة بين المشاهد الطبيعية والأنشطة البشرية في الواحة لها علاقة بتاريخ جغرافي بدأ قبل نحو 5000 عام عندما بدأ المشهد الطبيعي يتحول تدريجيا إلى واحة من صنع الإنسان، في حين تواصل واحة الأحساء المحافظة على مكانتها بوصفها أكبر واحة في العالم، وبيئة أصيلة من حيث الحركة المجددة للنظام البيئي للواحة موجودة على نطاق فريد من نوعه في العمق التاريخي والحجم وبين أن واحة الأحساء مشهد ثقافي متطور وملكية ثقافية تسلسلية، وتشكل مشهد متطور عضوي.. بيئتها الطبيعية، وهي مثال على استمرار النسق بالإبقاء على الدور الاجتماعي النشط في مجتمع الأحساء المعاصر، وهو شهادة استثنائية على التقليد الثقافي للواحة ورمز للتقنيات الزراعية قديمة للواحة لتطوير حضارات منطقة الخليج، ومثال استثنائي على مشهد ثقافي، يوضح كمراحل مهمة في تاريخ البشرية، وهو مثال استثنائي لتفاعل الإنسان مع البيئة وقدرتها على الصمود في مواجهة التحديات العالمية والاحتياجات الحديثة التي جعلت الناس يستخدمونها بمهارة الفرص البيئية الطبيعية وتطوير المعرفة والحلول على نحو أكثر تطورًا وبشكل متزايد.
من جهته أعرب الباحث في الدراسات الثقافية والفلكلور الشعبي، مؤلف كتاب البشتخته في الفنون الشعبية الحساوية القديمة الدكتور سمير الضامر عن سعادته أن تكون (الأحساء) موقعا للتراث معترفا به على مستوى العالم، مهنئا القيادة الرشيدة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -، والمواطنين والباحثين في مجال التراث المادي والثقافي بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا. وأكد أن هذه المناسبة هي وسام فرح وفخر لجهود كثير من الباحثين في مجال التراث، وخصوصا من تولوا زمام التوثيق والجمع والرصد والنشر المعرفي والإعلامي لمختلف أنواع التراث، وتحملوا مشاق البحث والتدوين وصعوبة المهمة، وللحق فقد كان الكثير من أهل الأحساء؛ مواطنين وباحثين على مقدار كبير من الوعي الثقافي بما تكتنزه بلدهم، وحافظوا على ما استطاعوا الحفاظ عليه من تراث رائع تفخر به الشعوب والإنسانية جمعاء، ليكون هذا التراث وسيلة تنمية مستدامة تُستثمر في مختلف أنواع التنمية البشرية والثقافية والفنية. أما الباحث سعيد بن عبدالله الوايل قد أشار إلى أن تاريخ الأحساء يحوي الكثير من الأدلة لإثبات عراقتها، فهي تمتلئ بالمواقع الأثرية، ومن أكثر الآثار التاريخية الموجودة في شرق شبه الجزيرة العربية، مبينًا أن ما تناولته كتب التاريخ والمصادر من آثار في مختلف العصور وما طمرته الرمال أو المناطق الزراعية والسكنية أو لازال تحت الأرض هو أكثر بكثير من ما اكتشف حتى الآن. وأضاف ان مثلت واحة الأحساء بكثافتها السكانية وموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية الجزء الأهم من شرق الجزيرة العربية عبر مراحل تاريخ الخليج، وكانت تنحصر العاصمة في معظم الأدوار بهذه الواحة، وسجل التاريخ عبر تسلسله مدنا رئيسة مثل الجرهاء أو الجرعاء وجواثا وهجر والمأمونية، وكذلك الهفوف في القرون الخمسة الأخيرة، وعرف شرق الجزيرة العربية أيضا بالشرق. ولفت الوايل النظر إلى أن وقوع مدن شرق الجزيرة على سواحل طويلة ممتدة مهد لها وجود موانئ لخدمة التجارة البينية مع دول الجوار فكان ميناء العقير هو الميناء الرئيس ويبعد عن خط مزارع واحة الأحساء فقط أربعون كيلومترًا من جهة الشرق، وكان ميناء شرق ووسط الجزيرة، ومع أن التركيز السكاني الأكثر والمؤثر بوجود العاصمة والميناء الرئيس هي واحة الأحساء إلا أن واحة القطيف تمثل جانبا من ذلك، إضافة إلى واحة يبرين بشكل أقل. وفي السنوات الأخيرة تمكنت فرق المسح الآثاري التابعة لقطاع الآثار من الكشف عن حقائق مهمة في الأحساء التي على أثرها تم تحديد أهم مناطق الاستقرار البشري المبكر في شرق شبه الجزيرة العربية مثل: موقع عين قناص، وجواثا، والعقير، وثاج، وهجر، وجبلة، والحناءة، وتلال الظهران، والدوسرية، تاروت، وثاج، ويُعتقد أن حضارة إنسانية عريقة لا تزال رابضة تحت تلك السبخة تنتظر مكانها في دنيا الدراسات والبحث العلمي. ومرت الأحساء بعصور من الازدهار والتطور، فقد كانت طيلة القرن الرابع الهجري، وهو العصر الذي بلغت فيه الحضارة والعلوم والفنون الإسلامية ذروتها من أهم العواصم المؤثرة في سير الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة العربية والاسلامية، ولعبت أدوارا تاريخية هامة، وقد كانت فيها صناعات متطورة تصدر بعضها للمناطق المجاورة كالمنسوجات والفوط التي كانت تصدر للبصرة وأماكن أخرى لجودتها ونوه الوايل بأن «جواثا» تعد من أهم المواقع الاسلامية في شرق شبه الجزيرة العربية، وكانت جواثا من المراكز التجارية التي تقصدها القوافل وتعود منها محملة من بضائعها كالتمر وغيره، وعرفت بالنخل ووفرة المياه. وقال: إن العمارة التاريخية بجوانبها المختلفة في عصرنا الحاضر تمثل التحدي الأكبر أمام الدول في سياق منظومة العمل الوطني ذات الصلة بتأكيد الهوية والانتماء، حيث سعت معظم المنظمات والهيئات الدولية ذات العلاقة إلى سن القوانين والتشريعات والأنظمة التي تكفل الحفاظ على تلك الآثار الإنسانية الخالدة وإشراكها في الحياة العصرية لتبقى في تواصل مع كافة الأجيال. وعلى اختلاف البيئات والأنماط المعمارية التي حفلت بها العمارة التاريخية في مملكتا الغالية، اتسمت العمارة التقليدية الأحسائية بالكثير من جوانب التميز والإبداع، فهي من جانب أمنت حاجة الناس لمسكن تتوفر فيه سبل الراحة، ومن جانب آخر أعطت صورة جمالية من خلال الأشكال والأنماط الفنية والزخرفية التي تميزت بها. وكانت الحلول والمعالجات التي وفرتها البيئة المعمارية المحلية خير معين على تكيف الفرد داخل المبنى في حركته اليومية نتيجة مراعاتها لمختلف الظروف المناخية والاجتماعية والمعيشية السائدة، من خلال حلول بسيطة ومواد أولية متوفرة في البيئة المحلية أثبتت نجاحها وملائمتها للطرز المعمارية المحلية عن طريق التجارب والخبرات المتوارثة في التعامل مع تلك المواد والطرق التقليدية في إعدادها كي تؤدي الدور المطلوب منها، وتحقق الهدف الأساس للعمارة وللمسكن. وأضاف الوايل أن السر الحقيقي الذي يكمن في جماليات العمارة التقليدية المحلية بكافة أنماطها وطرزها الفنية والزخرفية من عقود وقوالب جصية وزخارف، لم يكن لأنها ظواهر فنية بحتة أو مكملات كما قد توصف في العمارة الحديثة، بل كانت تسير وفق منظومة وإيقاع متوازن بشكل مريح ومتوافق مع الجانب الوظيفي، كما أنها تستلهم موضوعاتها وأفكارها من المحيط والبيئة المحلية، وتقترب تلك المنجزات الفنية العمرانية من كونها تؤسس للحظة تاريخية واجتماعية أصيلة تعي تماما ارتباطاتها المكانية والزمانية، وتتجلى فيها روعة ذلك الارتباط.
وتمزيت الأحساء بالنقوش الجصية البديعة التي أضفت على العمارة التقليدية في المحافظة صفات جمالية أصيلة، وطبعت على جدرانها الطينية منظومة متصلة ومتكاملة من أجمل اللوحات الفنية، التي نقشتها يد حرفي البناء الشعبي، عبرت أصدق تعبير عن إحساس فطري وروح صادقة نابعة من وعي وفطنة اكتسبها هذا الحرفي عبر سنين من التعايش والاندماج مع بيئته ووسط مجتمعه، مكنته من الاستفادة من معطيات الأرض التي يعيش عليها، واستطاع أن يترجم لنا هذا التفاعل المثمر في أعماله الإبداعية، ونقوشه الجصية التي نحن بصدد دراستها وإلقاء الضوء عليها. وأشار إلى أن النقوش الجصية المحلية على بساطتها كانت تمثل لغة بصرية واعية ومنجز ثقافي أصيل عميق الجذور والرؤى والأهداف، فهو ينحدر من عمق التاريخ والحضارة التي عاشها وتعايش معها، عبر سلسلة التجارب الحضارية التي مرت بها المنطقة، وجعلت من الشعوب التي عاشت على هذه الأرض أمة متحضرة واعية قدمت الكثير من العطاءات التي تستحق الوقوف عندها. وبين أنه على الرغم من أن حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي عاشته المنطقة في أغلب الفترات التاريخية المختلفة، لم تكن تمهد كثيراً لبلورة هذا المنجز والعطاء التاريخي الضخم أو تمهد لقيام نهضة فنية تليق بحضارة المنطقة وتاريخها، مما أضعف عملية التواصل الحضاري بين الفترات وشتت الانجاز التاريخي والانساني الفني للمنطقة، فلقد مرت الفنون المعمارية والزخرفية بمراحل مختلفة ومتفاوتة بين القوة والازدهار وبين الركود والضعف والتراجع، ولم تكن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تسير بوتيرة واحدة، فما بين سقوط دولة وارتفاع أخرى، وازدهار عرش وضعف آخر عالم مختلف ووضع متردي وحالة من القلق والترقب لا يمكن أن تنمو في ظله الفنون أو تتطور وتيرتها، لذا كان توحيد أرض الجزيرة العربية تحت راية واحدة في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بداية عهد خير ونماء واستقرار، تطورت فيها فنون البناء بشكل كبير.
وكانت الأحساء ذات نهج حضاري متميز وطابع فني فريد في شتى الميادين الحرفية والفنية الكثيرة، فقد كانت مركزًا إشعاعيًا حضاريًا لما حولها من المناطق والمدن القريبة، فالرصد لفن النقوش الجصية وتوثيقه بتحولاته الراهنة في الأحساء لم يكن عملاً سهلاً. بدوره هنأ المفكر والكاتب والناشط الاجتماعي الدكتور رمضان الغزال القيادة الرشيدة والقائمين على هذه الجهود ومواطنو الأحساء بهذا الإنجاز والوصول إلى اليونسكو بهذه القيمة التاريخية التراثية، مشيرًا إلى أن ذلك يعد قيمة نوعية تضاف إلى تاريخ الأحساء العريق. وأكد الباحث أحمد بن عبدالله العبد رب النبي أن أهالي الأحساء سعيدون بانضمام الأحساء لقائمة التراث العالمي، مبينًا أن الأحساء تستحق التميز الذي يتجلى فيها بأبهى صوره في جميع مجالاته الطبيعية، والصناعية، والبيئية، والسكانية. وبرزت الأحساء بصناعات تزيين وتلبيس السيوف، والخناجر الفضة، و طعيمها بالنفيس من الفصوص، والأحجار الكريمة، وممن أمتهن الصياغة من أسر الأحساء: البقشي، المؤمن، المهنا، البن عيسى، بوجبارة، الخليفة، الخرس، الوايل، الحواج، البراهيم، الموسى، الحمراني، العبدالعزيز، العبدالله، البن صالح، المحمد، والدوخي، والدجاني، والنجيدي، والأمير، والسليمان وغيرهم. وبفضل الله تعالى ثم سواعد أهالي الأحساء شُيد قصر السراج ومطار الأحساء وهو أول مطار بالمملكة، ومنه كانت تنطلق الرحلات الرسمية وغيرها حينذاك، وشيدت المدارس النظامية والأهلية مثل: المدرسة الأميرية، والبيوت التي تزدان بنقوش مستمدة من التراث، ومن الأسر التي اشتغلت في فن البناء: الشبعان، المرزوق، العبدالسلام، العمار، والسالم. أما في مجال فن النجارة، فقد برزت نقوش الأبواب والنوافذ التي يرى عليها أسماء الأسر التي برعت في هذا الجانب منهم: العمران والبراهيم والحرز والشاوي والحسين والحسن والعبدالسلام. وقال الباحث في التراث والتوثيق الشفوي أحمد بن حسن البقشي: لقد برع إنسان هذه الواحة في الترميز الجمالي المرتبط بالبيئة، فاستخلص عددا من الرموز البيئية لتكون رموزا يختم بها كل منتجاته، و على رأس تلك الرموز الرمز الأوّل (النخلة)، وأجزائها التي طبعها في بنائه، و في زخارفه الجصيّة على المباني و مداخلها. إن هذه الثيمات الراسخة و المتجذرة قد تشربت عبر الأجيال وجعلت الكثير من الأبناء وإن انفرطت علاقتهم مع مهن الآباء العريقة.