كتاب ومقالات

«فرِّق أكثر.. تسد أكثر»

صدقة يحيى فاضل

كان تقسيم العالم العربي وفق اتفاق/‏ مؤامرة سايكس – بيكو (وما زال) من أكبر النكبات التي ابتليت بها الأمة العربية، في تاريخها الحديث. ومعروف أن هذا التقسيم استلزمته الحاجة الاستعمارية الغربية، قبل أي شيء آخر... وإن كانت هناك مسوغات إقليمية وحضارية محدودة، يذكرها بعض المراقبين لـ«تبرير» أغلب تلك التقسيمات. إن الهدف الرئيس - من وجهة النظر الاستعمارية الغربية – لذلك التقسيم، هو: توزيع مناطق النفوذ بين كبار المستعمرين، والحيلولة دون قيام اتحاد عربي، يمكن أن يشكل نواة لدولة كبرى، يمكن – لاحقا – أن تتحدى الغرب المتسلط. فالتقسيم يضعف، ويسحق دون شك، المقسم – بضم الميم وفتح السين، ويبقيه تحت رحمة الأقوياء. ومن المؤسف أن نرى الآن (2018) في الأفق مشروع تقسيمات جديدة...

ليس «الوحدة» العربية الاندماجية التامة (Unity Total) أمر كله إيجابي – بالنسبة لكل العرب – لأن لكل من مناطق بلادهم «خصوصية» حضارية مختلفة، ومتميزة... الأمر الذى يجعل الاندماج الكامل فكرة غير عملية، بل وغير مقبولة. ولكن «الاتحاد» (Union) فيما بين بلاد هذه الأمة، يعتبر: الضمانة الأساس لعالم عربي متحد قوي، يستطيع حماية الحقوق العربية المشروعة، ويسهل لهذه الأمة أن تكون لها مكانة مرموقة لائقة بين أمم الأرض. نذكر ذلك، وفى الذهن التضامن الحقيقي، وصيغة الاتحاد الفيدرالي الرائعة... والتي توصف بأنها: الإطار الذي يحقق المعادلة الصعبة كأفضل ما يكون التحقيق... بين مكسب الحفاظ (بالقدر الأكبر) على الخصوصية والذاتية القُطْرية، وربح إيجابيات العضوية في كيان متحد أكبر وأقوى.

***

«الاتحاد»، إذا، هو الذي يحقق (لأي أمة متجانسة) القوة والعزة والمنعة والخصوصية. ومعكوسة (التشرذم) لا يؤدي بالأمة – أي أمة – إلا إلى الضعف والذل والهوان. وقد أدرك أعداء الأمة العربية – وكذلك عقلاء العرب – هذه الحقيقة منذ القدم... فاتخذ الأعداء من التقسيم والشرذمة «أداة» رئيسة لإضعاف الأمة العربية... كوسيلة للهيمنة عليها، والتحكم في مصيرها ومقدراتها. وأدرك عقلاء العرب هذه الحقيقة، فسيطر عليهم هاجس الاتحاد والتضامن الحقيقي، واندفعوا للدعوة له، واشتط بعضهم ليدعو إلى الوحدة العربية الاندماجية الكاملة. وقد نجح الأعداء – أيما نجاح – في تحقيق هدف سياستهم التقسيمية هذه... ساندهم في ذلك تخبط العرب، وجهلهم بحقائق العلاقات الدولية. إضافة إلى تواطؤ بعضهم مع هذه السياسة المدمرة، حماية لمصالح خاصة معروفة.

ولكل ذلك، لا يستغرب أن تكون وسيلة «التقسيم» وبث الفرقة والخلاف (بأنواعه) في العالم العربي، هي أهم الوسائل التي تستخدمها إسرائيل وداعموها، في سياساتها العدوانية الحالية تجاه العرب. فالتجزئة هي «وسيلة» سياسية فعالة وراسخة، تستخدمها الدول القادرة لإضعاف خصومها، تطبيقا لمبدأ «فرق، تسد»، والذى يتفرع منه مبدأ «فرق أكثر، تسد أكثر»، المتبع بالمنطقة الآن.

***

انقسم الإستراتيجيون الإسرائيليون إلى قسمين، بشأن إقامة «إسرائيل الكبرى». كلهم متفقون على وجوب أن تكون إسرائيل هي الدولة المهيمنة، والقوة الإقليمية العظمى الوحيدة بالمنطقة. ولكنهم يختلفون بشأن «وسائل» تحقيق هذه الهيمنة الجهنمية. قسم يرى ضرورة التوسع الجغرافي، والتفوق العسكري معا، والقسم الآخر يرى أن هذه الهيمنة يمكن أن تقام دون توسع جغرافي، ولكن عبر تفوق عسكري وتقني كاسح، مع تقسيم البلاد المجاورة، والسيطرة على كامل فلسطين، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة. المهم، أنهم متحدون في الهدف، ومصرون على تحقيقه، مهما جنح العرب للسلم والمسالمة... وهذا ما يجب أن يحسب خطرا رهيبا، بالنسبة للعرب.

***

لقد كانت إسرائيل – وما زالت، وستظل – أبرز وأخطر العاملين على تفتيت الأمة العربية، وبذل كل ما يمكن أن يضعفها. فالتصور/‏ الهدف الصهيوني الاستعماري هو: منطقة بها إسرائيل كدولة إقليمية عظمى، تحيط بها دويلات عربية متنافرة ومتصارعة... الأمر الذي يضمن لإسرائيل الهيمنة المأمولة، من قبل الصهاينة والمستعمرين، ويتيح لها – ولحلفائها – الاستمرار في ظلمهم، وقهرهم، والسيطرة على مصير هذه الأمة، والتحكم في مقدراتها وإمكاناتها. ولقد برهنت إسرائيل – لآلاف المرات – أنها ترفض السلام العادل، ولا تقبل التعايش السلمي مع العرب، مهما «تصهين» بعضهم من أجلها. نظرة واحدة لما تفعله إسرائيل على الأرض الفلسطينية والعربية يوميا تؤكد هذه الحقائق البشعة.

فـ«الشواهد» على هذه السياسة الإسرائيلية أكثر من أن تحصى. وليس محاولات تقسيم السودان، والعراق، وسورية، وغيرها، إلا أمثلة حية على هذه السياسة. وبمجرد أن تفرغ إسرائيل من لجم أعدائها ومناوئيها الحاليين، ستتفرغ لتحقيق هدف تقسيم المقسم، كما يقول كثير من ساستها وإستراتيجييها ومفكريها. ولكن، أين العرب من هذه الحقائق المرعبة ؟! إن على معظمهم اللوم الأساس والأكبر في ما يجري لهم، خاصة في هذا الشأن، لأنهم – بأوضاعهم غير السوية المعروفة التي أغلبهم عليها الآن – يغامرون ببقائهم، ويسهلون لأعدائهم الألداء الانتصار الساحق عليهم، ويدفعون بأجيالهم القادمة إلى مصير مظلم، لا سمح الله.

***

قال وقلت:

قال لي: كمواطن عربي، متى يمكن أن تقبل بالكيان الصهيوني، وتطمئن لوجوده، وتغفر له عن ما مضى من سياسات وأفعال مدمرة؟!

قلت له: فقط عندما يقبل هذا الكيان بمبادرة السلام، والتي أمست عالمية ودولية، ويمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة، واستعادة حقوقهم المشروعة السليبة. ثم يقلع عن سياساته السلبية نحو أمة العرب، ومنها سياسة التقسيم.

* كاتب سعودي